ماذا بعد أعنف الهجمات الجوية الإسرائيلية على لبنان منذ 2006؟ سؤال يتردد في الأوساط الغربية وحتى داخل إسرائيل، من دون أن يكون لدى أحد القدرة على الجزم بأن هذا الضغط الإسرائيلي غير المسبوق، سيحمل "حزب الله" على التراجع والقبول بتهدئة في الشمال قبل تهدئة في غزة.
وإذا كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يمضي في استراتيجية مشابهة لتلك التي اتبعها في غزة، فإن الحملة الجوية سيتبعها غزو بري، من أجل حمل مقاتلي "حزب الله" على الانسحاب إلى شمال الليطاني.
في سردية نتنياهو، فإن الاحتفاظ بمحور فيلادلفيا يرتبط ارتباطاً عضوياً بأمن إسرائيل وبمنع مقاتلي "حماس" من التزود مجدداً بالسلاح والمال. وفي المقاربة المماثلة، فإن انسحاب مقاتلي "حزب الله" إلى شمال الليطاني، في رأيه، يمنع الحزب من اختراق محتمل للحدود الشمالية، وأن إسرائيل تعتبر هذا الإجراء ضرورياً لأمنها، كما فيلادلفيا.
استمرت حملة القصف الجوي على غزة ثلاثة أسابيع قبل أن يتحرك الجيش الإسرائيلي براً، وهناك تقارير تصدر عن قيادة الجبهة الشمالية، تؤكد أن الجيش جاهز للتحرك براً لينجز الهدف الذي حددته الحكومة وهو إبعاد "حزب الله" عن الحدود، بما يضمن "عودة آمنة" لسكان مستوطنات الشمال بالقرب من لبنان.
تكاد تجمع التحليلات على أن إسرائيل في طريقها إلى الغوص في الوحل اللبناني مجدداً كما فعلت من عام 1982 وحتى عام 2000. وهناك مسؤولون إسرائيليون يشككون في احتمال نجاح هذه السياسة، على رغم الضربات المؤلمة التي تلقاها "حزب الله" في الأيام الأخيرة، من تفجير أجهزة "البيجرز" واللاسلكي واغتيال قادة عسكريين كبار في غارات على الضاحية الجنوبية لبيروت.
كل ما فعله نتنياهو حتى الآن، لا يضمن تحقيق هذا الهدف. الأمر الوحيد المضمون هو فتح حرب على جبهة أخرى، بالتزامن مع جبهتي غزة والضفة الغربية، من دون التمكن من الوصول إلى الحسم على أي من هذه الجبهات.
ومن محور فيلادلفيا إلى شمال الليطاني وغور الأردن، يرسم نتنياهو الحدود الآمنة لإسرائيل، باعتبار أن الحدود السابقة للسابع من تشرين الأول (اكتوبر) الماضي، لم تعد آمنة، تماماً كما يعتبر أن حدود 1948 لم تكن آمنة وأن حدود 1967 هي التي وفرت للدولة العبرية بعداً جغرافياً يحميها من الجوار.
هل يقود كل ذلك إلى نصر حقيقي على "حماس" في غزة وفي الضفة وعلى "حزب الله" في لبنان؟ بالاستناد إلى التجارب السابقة، فإن إسرائيل خرجت من غزة عام 2005، ومن لبنان عام 2000، تجنباً لحربي استنزاف.
ومن المرجح تكرار المشهد نفسه اليوم. تملك إسرائيل من التفوق التقني والعسكري والاستخباري والحماية الأميركية، ما يمكّنها من تحقيق إنجازات سريعة على جبهات مختلفة، لكن من دون أن يجلب لها ذلك الأمن والسلام على المديين المتوسط والبعيد، وستغرق مجدداً في حروب الاستنزاف، وتضطر إلى الخروج.
اعتاد العالم منظر سفك الدماء من غزة إلى لبنان، من دون أن تنفع التحذيرات من الاتجاه نحو الحرب الشاملة في حمل إسرائيل على وقف حربها في القطاع. ولا يخشى نتنياهو تصاعد الإدانات الدولية ما دامت إسرائيل محصنة من العقوبات الدولية، التي لن تجرؤ عليها أي دولة في العالم، كي لا تثير عداوة الولايات المتحدة.
ألقى الرئيس الأميركي جو بايدن خطاباً أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الثلاثاء، اقتصر على الدعوة إلى وقف الحروب الدائرة في العالم، لكنه لم يقل كيف، وهو الذي يترأس أكبر بلد في العالم من حيث القوتين العسكرية والاقتصادية. بدا باهتاً وعاجزاً، مثله مثل رئيس دولة في جزيرة من جزر المحيط الهادئ.