منذ قرابة السنة، وغريتا ثونبيرغ، الناشطة المناخية الشهيرة، تدفع ضريبة استنكارها المجازر في غزة. لقد اتُهمت الفتاة السويدية بمعاداة السامية، وبـ"الجهاد الإسلامي" – كما يزعم ذوو التوجّهات اليمينية- وبالخروج في تظاهرات "داعمة لحماس"، بحسب وسائل الإعلام المتصهينة. حتى الحاخام شمولي بوتيك، الشخصية الإعلامية ذائعة الصيت، يرى أنها تبحث عن الشهرة "على قفا" إسرائيل، بعدما "فشلت نبوءاتها المناخية الكارثية". ومؤخّراً، تعرّضت ثونبيرغ للاعتقال أيضاً في الدنمارك وهي تقود تظاهرة متوشحة بكوفيتها الفلسطينية.
قد يقول قائل إنه لم يكن من المفترض من ثونبيرغ أن تستغرب هذه السلسلة من المكائد، خصوصاً أن الحياة قدّمت لها منذ تشرين الثاني (نوفمبر) المنصرم "بروفة" مصغّرة شديدة الوضوح عمّا ينتظرها، ومن خلال موقف معبّر للغاية، وإن بدا فردياً وبسيطاً آنذاك.
ففي خلال تظاهرة مناخية في أمستردام، كانت ثونبيرغ قد تطرّقت إلى فلسطين، ليقفز أحد "أبناء جلدتها" من مناصري البيئة، وينتزع الميكروفون من يديها، رافضاً تحويل النقاش إلى القضايا "السياسية".
طفلةٌ مزعجةٌ هي ثونبيرغ إذاً. كان صوتها العالي مرحّباً به، بل ومُطرباً، للغربيين الواعين بالتغيّرات المناخية، حتى أنها كانت تُقدّم إلى أطفال المدارس في دول مثل ألمانيا باعتبارها بطلة وقدوة. أما عند الغربيين المكذبين بالتغيّر المناخي، وبحتمية دمار الكوكب، فقد ظلت مشاغبات ثونبيرغ مقبولة ومستساغة، ويمكن التعايش معها.
حتى وصل الأمر إلى إسرائيل، طبعاً، لتجد ابنة الـ21 عاماً إحدى الصحف الألمانية تنقلب ضدّها، وتصفها بـ"الشخصية غير المرحّب بها".
وكثيرون، على العموم، يتوقعون أن "يُسحب الميكروفون" – حرفياً ومجازياً - من ثونبيرغ مع الوقت، فتتلاشى التغطية الإعلامية لتظاهراتها، وتنقطع أخبارها، وتختفي مقابلاتها، ولا تعود لإلقاء خطبها العصماء، وتُحرم من فرصة نشر مقالاتها في كبريات الصحف مثل "ذا غارديان" البريطانية، وتعاني لنشر المزيد من الكتب.
وأنا لن أستغرب شخصياً لو لُفّقت لابنة ستوكهولم تهمة طازجة بدعم الإرهاب وتمويله، أو ما شابه ذلك، وأُشغلت بالدفاع عن حرّيتها وسمعتها.
لكن، بصراحة شديدة، فالصهاينة بدورهم لم يكن من المفترض بهم الاستغراب من موقف ثونبيرغ، ولم يكن من المفترض أن تبلغ صدمتهم الغاضبة منها حدّ رميها بـ"التطرّف".
إن من يتعمقون في النضال المناخي، على شاكلة ثونبيرغ، سرعان ما يكتشفون من تلقاء أنفسهم خطوطاً تربط قضيتهم العادلة بالاستعمار، والاستعمار الجديد، والرأسمالية النيوليبرالية، وانعدام المساواة بين الجنسين، وانعدام العدالة الاجتماعية. بل باتوا ينددون اليوم بـ"الاستعمار الكربوني"، خصوصاً حين راحت الدول الغربية، وعلى إثر توقّف إمدادات الغاز الروسي، تستحثّ دول العالم النامي، مثل بوتسوانا وكولومبيا وإندونيسيا، على زيادة إنتاجها من الفحم، وتحمّل الأضرار البيئية الوخيمة جداً، وطويلة الأمد، لاستخراجه.
لقد كانت مسألة وقت لا أكثر قبل أن تجد ثونبيرغ ورفاقها أنفسهم يهتفون بذات الضراوة لأشجار الزيتون الفلسطينية، وبحر غزة الملوّث. إن المفاجأة الوحيدة هي أن الصهاينة لم يتوقعوا هذه "الأصوات النشاز"!