تحولت "حرب الإسناد" المنضبطة الإيقاع إلى حرب مفتوحة بين إسرائيل و"حزب الله". وبالمناسبة سرقت حرب لبنان الأضواء التي كانت مسلطة على قطاع غزة. ففي وقت تفاقم الوضع في لبنان، أطلقت يد إسرائيل لمواصلة تنفيذ المذبحة الدائرة في غزة، واستكمال طرد الحياة من وجه المواطن الفلسطيني ابن غزة. وعندما نتحدث عن طرد الحياة نتحدث عن تدمير المستقبل. هذه أولى نتائج "حرب الإسناد" قبل أن نتناول الوضع في لبنان الآيل إلى كارثة على مستوى البلد بأسره. فالمسألة هنا تجاوزت إعادة الإسرائيليين إلى منازلهم في الشمال، وتجاوزت تنفيذ القرار 1701 وفق قراءة "حزب الله"، وكذلك وفق قراءة الشرعية الدولية. وتجاوزت شعار "طريق القدس" أو "حماية لبنان". إنها حرب تصفية الحساب المؤجل منذ عقود من الزمن بين إسرائيل و"حزب الله". وفي هذه الحرب كل الضربات مسموح بها بفعل سقوط الخطوط الحمر. هنا كان فشل "حزب الله" ومعه إيران في فهم ما يدور في خلد الدولة العميقة في إسرائيل. أكثر من ذلك، إسرائيل ليست وحدها في حرب تصفية الحساب المؤجل. فمن ينظر في المواقف الأميركية الأخيرة في أعقاب مجموعة الاغتيالات الكبرى، بدءاً من اغتيال فؤاد شكر مروراً باغتيال إبراهيم عقيل، وصولاً إلى اغتيال الأمين العام لـ“حزب الله" السيد حسن نصر الله، وأخيراً الموقف العالي النبرة لوزير الدفاع الأميركي لويد أوستن بشأن الهجوم البري الإسرائيلي، يكتشف أن الحرب هي حرب إسرائيلية، لكن الأهم أنها حرب يصح ربطها بمصالح حلف شمال الأطلسي "الناتو" الجيوستراتيجية على المستوى الدولي. ففشل إيران و"حزب الله" في فهم ما يجمع إسرائيل بأميركا، والغرب عموماً، أدى إلى تدمير قطاع غزة، وهو اليوم في طور التسبب بتدمير "حزب الله" أهم الفصائل الإيرانية في المنطقة ومعه لبنان بأسره.
نحن إذاً إزاء حرب واسعة على مستوى لبنان. وهي تتمة للحرب على غزة، مع فارق بسيط يتمثل في حقيقة أنه كان بمقدور "حزب الله" أن يتجنب الحرب وأن يخرج ومعه لبنان سالمين من حالة اللااستقرار السائدة في المنطقة منذ السابع من تشرين الأول (أكتوبر). والحال أن تهور "حزب الله" والوهم الذي تملّكه بأن إسرائيل لن تذهب مذهب التصعيد الكبير أديا إلى الكارثة التي وقع فيها الحزب المذكور، إذ تمكنت إسرائيل من التفوق عليه في حرب المعلومات والمعلوماتية التي انتصرت فيها على مئات آلاف الصواريخ، بعدما فقدت هذه الأخيرة ميزتها في مقابل بنك الأهداف المحققة والمؤكدة التي كانت ولا تزال في حوزة الجيش الإسرائيلي.
لكن ما يميز حرب إسرائيل ضد "حزب الله" اليوم أن الطرف الأول يخوضها من أجل تصفية حساب قديم وإقفاله. فاغتيال نصرالله لم يكن قراراً مرتجلاً. لقد أتى بمثابة إعلان حرب وجود ضد "حزب الله". بمعنى آخر أن الهدف النهائي لا يتعلق لا بعودة سكان الشمال الإسرائيلي إلى منازلهم، ولا بتسوية سياسية – أمنية في الجنوب اللبناني على قاعدة تنفيذ القرار 1701 بحذافيره، بل يتعلق بمصير "حزب الله" وبقائه. أصبح مصير الحزب على المحك. والغرب عامةً يعرف أن تصفية الحزب غير ممكنة إذا ما اقتصرت الحرب على إسرائيل. إذاً نحن ذاهبون إلى حرب يخوضها الغرب لشطب "جوهرة التاج الإيراني" في الشرق الأوسط. وما فشلت به إسرائيل في قطاع غزة بالنسبة إلى الإجماع الغربي، يبدو أنها تحققه في لبنان. فالغرب مجمع على أنه حان الأوان لتدمير الجهاز العسكري لـ"حزب الله".
ولعل الحزب تأخر كثيراً في اقتناص فرص الانسحاب من المواجهة قبل هبوب العاصفة. ومن هنا خطورة الموقف في لبنان لأن تدمير "حزب الله" معناه تدمير لبنان بشكل أو بآخر، باعتبار أن الذراع الإيرانية سوف تقحم كل لبنان في حرب التصفية الراهنة.