أحس الكثير من التونسيين بالصدمة لتصنيف بلادهم في المرتبة 152 من جملة 161 دولة من حيث سرعة تدفق الإنترنت، في دراسة نشرت نتائجها شركة "أوكلا" الأميركية المتخصصة في اختبار سرعة الاتصال بالإنترنت في بلدان العالم.
يتعلق هذا التصنيف بسرعة تنزيل وتحميل البيانات على خطوط الإنترنت الثابتة. أما بخصوص سرعة الاتصال عبر خطوط الهاتف المحمول فرتبة تونس كانت 90 على 111.
ما حزّ في نفوس هؤلاء هو أن تونس قادرة على احتلال مرتبة أفضل، وهي التي كانت سنة 1991 الدولة العربية والإفريقية الأولى التي تستخدم الإنترنت، ولكن التاريخ وحده لا يكفي.
وصفت " أوكلا" سرعة تنزيل البيانات على الإنترنت في تونس بأنها الأدنى في شمال إفريقيا. وفسّرت ذلك بعدم توفر خدمات الإنترنت ذات التدفق السريع وبكلفتها المرتفعة نسبياً في البلاد.
صحيح أن الربط بالهاتف والإنترنت قد تطور في تونس، إذ أضحت البلاد بكاملها تقريباً مغطاة بشبكة الهاتف المحمول للجيلين الثالث والرابع. ومن المنتظر أن تسند السلطات تراخيص لخدمات الجيل الخامس قبل نهاية العام.
ويبلغ حالياً عدد الاشتراكات في خطوط الإنترنت الثابتة (المرتبطة أساساً بالكمبيوتر) 1,7 مليون إشتراك، فيما يبلغ عدد الاشتراكات في الإنترنت عبر الهاتف المحمول أكثر من 11 مليوناً.
لكن النقص مستمر على صعيد الربط بالألياف البصرية، إذ تبقى التغطية محدودة جغرافياً وهي تشمل أقلية من السكان كما أن كلفتها ليست في متناول السواد الأعظم من الناس.
والكثير من التونسيين الذين يتذمرون كل شهر من المعاليم التي تحتويها فاتورة الماء والكهرباء والغاز يجدون صعوبة في تحمل نفقات إضافية باشتراكهم في خدمات الإنترنت السريعة.
ما يزيد الأمور تعقيداً هو فشل العديد من شركات الإنترنت في كسب ثقة الحرفاء بسبب عدم إيلائها الأهمية اللازمة لجودة خدماتها التي تشوبها الانقطاعات المتكررة وتغيب عنها الشفافية في التعامل مع الحريف، سواء كان فرداً أو شركة.
لا يمكن لشركة أن تخطط لتطوير أعمالها في تونس إن كان الربط بالإنترنت عرضة للانقطاع لأيام عديدة دون أن ترى الشركة المسؤولة عن الخدمة ضرورة لتقديم اعتذارها للحريف أو حتى تقديم تفسير مقنع للانقطاعات.
لا تبدو هذه الشركات واعية بأن الباحث والصحافي والطبيب الزائر لا يمكنه أن يوفي بالتزاماته إن كان انقطاع خدمة الإنترنت قد يبعثر برامجه في أية لحظة.
من النادر جداً في العالم المتقدم اليوم أن يدوم انقطاع الإنترنت أكثر من 48 ساعة لما قد يلحقه من خسائر مادية لاقتصاديات الدول والشركات المسدية لخدمات الإنترنت ذاتها.
يحتاج الوضع إلى تدخل حازم للسلطات واهتمام أكبر من منظمات الدفاع عن المستهلك.
جانب كبير من المشكلة يعود بالتأكيد إلى عدم تخصيص الاستثمارات الكافية لتطوير البنية التحتية. وهذا من الصعب فهمه في قطاع ذي ربحية عالية وذي تأثير كبير على نسق النمو في المجالات كافة.
كل هذه إشكاليات تنتظر الحلول، لكن من الخطأ الاعتقاد بأن الانتقال الرقمي سوف يتحقق حالما تتجاوز شبكة الاتصالات العقبات التكنولوجية والتجارية التي تعيقها.
الانتقال الرقمي رهن رسوخ الثقافة الرقمية وثقة المواطن في استعمالاتها. بدون هذه الثقة سوف تواصل الأغلبية الإحجام عن المعاملات البنكية الإلكترونية، مفضلة التعامل بالأشكال النقدية والشيكات على الرغم من إشكالياتها.
انعدام الثقة هو من تبعات الأمية الرقمية. تقول الأرقام إن حوالي 72 في المئة من التونسيين يستعملون الإنترنت أو لديهم إمكانية استعماله. ولكن الأرقام لا توضح نوعية الاستعمال. البقية لا يستعملون الإنترنت، إما لعدم توفرهم على كمبيوتر أو هاتف محمول أو لكلفة خدمة الإنترنت التي تتجاوز مقدرتهم الشرائية. وهناك طبعاً من تمنعهم الأمية أو الإعاقة الجسدية من ذلك.
بالإضافة إلى ذلك، لا يبدو نسق الانتقال الرقمي الحالي كافياً لتخليص تونس من القيود البيروقراطية أو مواكبة احتياجات البلاد. الإدارات الحكومية لا تزال مترددة في التخلي عن ترسانتها الورقية وإجراءاتها المعقدة، وكأنما تقاليدها البيروقراطية المبنية على الريبة إزاء المواطن ضرورة حيوية لبقاء الدولة. ما يعوّق تطورها في كثير من الحالات هو عدم وعيها بإمكانية الاعتماد كلياً على وسائل الاتصال الرقمي. لذلك تراها تعتمد طرقاً هجينة، تجمع بين الوسائل الإدارية التقليدية ووسائل الاتصال الحديثة. وذلك لا يمكن إلا أن يؤجل الانتقال الرقمي الحقيقي.
إضافة إلى ذلك يواجه القطاعان الحكومي والخاص تحدي الحفاظ على سرية المعطيات الشخصية للمواطنين في غياب للوعي الكافي بذلك.
بالرغم من الضمانات القانونية التي تم اعتمادها خلال السنوات الأخيرة، هناك تخوف من المخاطر التي تحتويها مبادرات القطاعين الحكومي والخاص. فالكثير من الشركات الخاصة تجمع المعطيات الشخصية عن حرفائها لأغراض تجارية دون ضوابط واضحة، كما تسعى السلطات لإقرار "هوية رقمية" فردية للمواطنين تجمع بين معطيات الهاتف وبيانات بطاقة الهوية من أجل استعمال الخدمات الإدارية من بعد، وتفكر في إنجاز منصة رقمية لتحديد قائمة الأفراد الذين يمكنهم التمتع بالمساعدة المادية للدولة في حال إلغائها لمنظومة دعم المواد الأساسية.
رغم كل المصاعب التي تواجه الانتقال الرقمي بما فيها تلعثم مسيرة الإنترنت فإن تونس تحتفظ بورقة رابحة هي ورقة استغلال الكفاءات التي تزخر بها في مجالات البحث العلمي والتكنولوجيات الحديثة. الكثير من هذه الكفاءات لا تزال تفضل الهجرة على بناء مستقبلها في تونس. وإن توفرت لها الظروف الملائمة، فسوف تساهم هذه النخب في تعبيد طريق بلادها نحو انتقال رقمي هو جزء أساسي من الحلول التي تنشدها البلاد.