أين حدود التصعيد الإسرائيلي؟ سؤال مطروح بقوة بعد الضربات التي لحقت بـ"حزب الله" وصولاً إلى اغتيال أمينه العام حسن نصرالله وعدد من قياداته العسكرية، علاوة على ما يشعر به رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من فائض في القوة لبدء عمليات توغل في الجنوب.
يدل مسار التصعيد على أنه بات من الصعب إقناع نتنياهو بالتراجع عن المضي في مغامرة تغيير "الواقع الإستراتيجي" في الشرق الأوسط. هذه مغامرة تفترض حكماً الاصطدام بإيران، كونها مركز التركيز في سياسة نتنياهو حتى قبل 7 تشرين الأول (أكتوبر).
منذ أن قرر نتنياهو توسيع أهداف الحرب التي شنها على غزة، لتشمل إعادة مستوطني الشمال قرب الحدود مع لبنان، أخذ في اعتباراته أن الحرب لم تعد مقتصرة على القطاع ولا حتى على لبنان، وإنما المستهدف إحداث انقلاب جذري في معادلات الشرق الأوسط القائمة منذ عقود.
الحرب الجوية الواسعة النطاق من لبنان إلى سوريا واليمن، والتوغل البري على الحدود اللبنانية، يؤكدان أن نتنياهو سيستغل فترة الشلل في اتخاذ القرار في البيت الأبيض من الآن وحتى 5 تشرين الثاني (نوفمبر) موعد الانتخابات الرئاسية، لتحقيق الكثير مما كان يدعو إليه منذ وصوله إلى السلطة للمرة الأولى عام 1996، وبعدها في عام 2009 وحتى اليوم مع فترة انقطاع قصيرة في 2021، من إيجاد شرق أوسط تتحجم فيه إيران.
إن عرض القوة الإسرائيلي الجاري في الشرق الأوسط هذه الأيام من دون أن يكون لأحد في العالم القدرة على لجمه، يؤشر بوضوح إلى أن إسرائيل ماضية في رسم جغرافيا سياسية جديدة، تكون فيها هي اللاعب الأقوى.
وقبل أن تحيّد إسرائيل إيران من مربع اللاعبين الإقليميين الأقوياء، ستعمل بقوة على تصفية القضية الفلسطينية وعلى إقناع العالم بأن لا مكان لدولة فلسطينية، وبأن نتنياهو يعرض على فلسطينيي الضفة الغربية وقطاع غزة "السلام الإسرائيلي"، الذي يعني التخلي عن المطالبة بحقوقهم السياسية.
لا ريب في أن نطاق الهجمات العسكرية الإسرائيلية وخصوصاً إذا ما أتبعتها إسرائيل بعمل بري واسع في جنوب لبنان، تكون قد دخلت في مرحلة اللاعودة عن السعي إلى فرض رؤيتها لشرق أوسط جديد.
وهذه ليست المرة الأولى، التي تسعى فيها إسرائيل إلى إحداث مثل هذه الاهتزازات الجذرية في المنطقة. وفي كل الحروب التي شنت منذ عام 1948، كان الهدف تغيير الواقع الحالي للشرق الأوسط.
وتعتقد إسرائيل بأن هجمات "حماس" في 7 تشرين الأول قد منحتها "شرعية" الذهاب إلى أقصى الحدود في "حرب وجودية" على "سبع جبهات"، تماماً كما منحت أميركا نفسها حق شن حربي أفغانستان والعراق عقب هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001 على نيويورك وواشنطن.
ويدعو نتنياهو دول المنطقة إلى الانضمام إلى ما يسميه "حلف النعمة" في مواجهة إيران التي تقود بحسب قوله "حلف النقمة". كل ذلك يرسي المقدمات النظرية لتبرير توسيع الأعمال العسكرية الإسرائيلية، ولإظهار بأن إسرائيل أيضاً تحمي بقية الدول من النفوذ الإيراني.
تجاوز نتنياهو غزة ولبنان إلى حرب أوسع تضعه مباشرة في مواجهة إيران. وهي حرب يعتقد أن وجود إسرائيل يعتمد عليها إلى حد كبير. وقد عبأ المجتمع الإسرائيلي لهذه الغاية ووسع أيضاً قاعدة الائتلاف الحكومي لتضم متشدداً مثل جدعون ساعر يؤيد توسيع الحرب.
يقف الشرق الأوسط عند لحظة مفصلية جداً، من دون أن تتضح بعد معالم ما سيلي الحروب الإسرائيلية. ولن تتضح هذه المعالم قبل 5 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، لمعرفة من سيقود أميركا في السنوات الأربع المقبلة.