موسی أفشار
بعد مرور ستة أشهر على بداية الصراع في غزة، بدأ الستار يرتفع ليكشف فقط للقلة الأهداف الحقيقية للنظام الإيراني من تأجيج الصراعات في المنطقة. حتى مسؤولو النظام أقروا بطرق متعددة بأن دافعهم لإثارة النزاعات في المنطقة هو ترسيخ أنفسهم قوة رئيسية في الشرق الأوسط، والسعي للعب دور مهيمن في حل الأزمات الإقليمية والداخلية بما يساعد على تجاوز التحديات المتفاقمة داخل إيران الموشكة على الانفجار.
هذه القضية تمثل بالنسبة إلى النظام الإيراني مسألة حياة أو موت، ولذلك فهو لن يتوقف أبداً عن تأجيج الصراعات في المنطقة. على مدى العقود الأربعة الماضية استولى هذا النظام على دول مثل العراق وسوريا ولبنان واليمن من خلال سياسات الاسترضاء الغربي، مستثمراً مئات المليارات من الدولارات ومشكلاً ومسلحاً قوات مرتزقة لدعم نظامه. ولهذا، ما دام الوضع كما هو من دون تغيير في المعادلات السياسية ضده، فسيستمر في هذه السياسة وسيعمل بكل قوة ضد السلام والأمن في المنطقة وضد تحقيق حل الدولتين للقضية الفلسطينية الذي ينادي به المجتمع الدولي. السبب وراء ذلك هو أن تحقيق الشعب الفلسطيني حقوقه سيحرم نظام الملالي من استغلال القضية الفلسطينية والمتاجرة بدماء الفلسطينيين لمصالحه.
في خطابه يوم الخميس 8 شباط (فبراير)، كشف خامنئي عن نياته الحقيقية بالاستفادة من النزاع في غزة لتعزيز نفوذه في المنطقة، داعياً القوى الدولية إلى الانسحاب ليتمكن نظام الملالي من تصدر المشهد واستغلال الصراع في غزة، بما في ذلك معاناة أطفال غزة ونسائها والمدنيين الأبرياء، لمصلحة نظامه. خامنئي صرح قائلاً: “الحل الأمثل يكمن في انسحاب القوى الكبرى من هذه القضية… المقاومة الفلسطينية بنفسها قادرة على قيادة هذا المشهد كما فعلت حتى الآن”. (موقع خامنئي – 8 شباط).
لقد أكد النظام مراراً وتكراراً أنه إذا توقف عن توجيه الحروب خارج حدود إيران، فسيضطر إلى مواجهة الاحتجاجات والانتفاضات في مدن مثل كرمانشاه، همدان، أصفهان، طهران، خراسان، وبين شباب الانتفاضة داخل إيران.
من الضرورة بمکان أن ننظر بإمعان إلی المواقف التي تعبر عنها المقاومة الوطنیة الإیرانیة التي یقودها المجلس الوطني للمقاومة الإیرانیة بهذا الشأن، تحدیداً في رسالته التي بعثها في تشرين الثاني (نوفمبر) 2023، أوضح السيد مسعود رجوي القائد التاریخي للمقاومة الإیرانیة قائلاً: “إذا استمر الوضع تحت سيطرة خامنئي دون فرض وضع وتوازن جديد عليه، وإذا لم يخسر النظام ضبط نفسه، فسيظل النظام الإيراني هو الرابح الأكبر وستتهيأ جعبة خامنئي بما يلزم لخطواته المقبلة”. لذا، الطريق الحقيقي والوحيد لإنهاء الحرب وإحلال السلام والأمن في المنطقة يكمن في إسقاط النظام الإيراني بأيدي الشعب الإيراني وقوى المقاومة الإيرانية.
کما دانت السیدة مریم رجوي رئیسة الجمهوریة المنتخبة للمقاومة الإیرانیة في مؤتمر رمضاني دولي أقیم السبت 14 آذار (مارس) هذا العام على مشارف باريس، استغلال النظام الإیراني القضية الفلسطينية لتحقيق مكاسب خاصة به، ووصفته بأنه إلهاء عن الأزمات الداخلية. كما ناقشت سياسة النظام في تصدير الإرهاب والتطرف الدیني، محذرة من عدوان النظام المتزايد، بخاصة في السنوات الأخيرة. کما شدد المعارض السوري أحمد كامل على تلاعب النظام الإيراني بالقضية الفلسطينية ودوره المزعزع للاستقرار في المنطقة. وحذر من استغلال النظام للقضية الفلسطينية لتحقيق أجندته الخاصة، ودعا إلى وقف تدخلاته في شؤون المنطقة. وشدد على الحاجة إلى الدعم العالمي لمعالجة التأثير السلبي للنظام على كل من الإيرانيين والشرق الأوسط الأوسع.
واستحضر المشارك الآخر في الأمسیة الرمضانیة وزير الثقافة الأردني السابق الدكتور برکات عوجان محنة الشعب الفلسطيني، وبخاصة أولئك الذين يعيشون في غزة. وانتقد الوعود الكاذبة بالمساعدة التي أطلقها النظام الإيراني، مسلطاً الضوء على خيبة الأمل التي أثارتها بين المظلومين.
القيادي في الائتلاف الوطني السوري المعارض الدكتور نذير الحكيم أشاد بالمقاومة الإيرانية وصمودها في وجه الفساد والظلم الذي يمارسه نظام الملالي. وبالاستناد إلى القرآن، أكد الحكيم أن نظام الملالي يصور نفسه كذباً على أنه قوة للإصلاح بينما يديم الفساد والقمع. ودان تصرفات النظام التي تسببت بالمعاناة، ليس فقط في إيران، ولكن أيضاً في الدول المجاورة مثل سوريا والعراق ولبنان واليمن.
نعم، على مدى السنوات الـ45 الماضية، لم يكن هناك مثال على توقف النظام عن التدخل في شؤون الدول الإقليمية وخلق الأزمات والحروب في دول المنطقة، من الحرب العراقية الإيرانية إلى قتل الحجاج في مكة، إلى التفجيرات في الخبر في السعودية وإنشاء ستة جيوش في دول مختلفة، وفقاً لقاسم سليماني.
هذا النظام لا يتوقف إلا في حالة الحرج. ومثال على ذلك، وافق على وقف إطلاق النار في الحرب العراقية الإيرانية عندما شعر بقرب إطاحة نظامه في طهران.
وبعدما شعر نظامه بالسقوط نتيجة لانتفاضة الشعب في عام 2022، بدأ خامنئي التفكير في إثارة حروب وأزمات في المنطقة، وكان ذلك السبب وراء بداية حرب غزة. والآن، يسعى خامنئي لتوسيع نطاق هذه الحروب من خلال وكلائه في المنطقة، وبالطبع تتحمل شعوب المنطقة ودولها فاتورة هذه الحروب بدمائها ومعاناتها وتحملها للدمار. هذا هو السبب الذي يجعل خامنئي سعيداً، لأنه في ضوء تلك الأحداث، يمكنه زيادة عمليات الإعدام داخل إيران يوماً بعد يوم، بهدف منع انتفاضة الشعب برأيه. ویبقی أن السلام لن يتحقق في الشرق الأوسط ما لم يُسقط نظام الملالي. وحتى لو انتهت الحرب في غزة بطريقة ما، فستشتعل الحرب في مناطق أخرى، إذ يعاني الشعب السوري منذ أكثر من 12 عاماً بفعل تدخلات الملالي في سوريا وإثارتهم النزاع هناك. كما أن الشعب العراقي يُعتبر ضحية لنظام الملالي لأكثر من 20 عاماً. في قضية فلسطين، لا يُعارض أي طرف في العالم حل الدولتين، سوى إسرائيل ونظام الملالي؟ من الذي يشق صفوف الفلسطينيين؟ أليس الملالي في إيران؟
* عضو لجنة الشؤون الخارجیة في المجلس الوطني للمقاومة الإیرانیة