في خضم تعقيدات السياسات العالمية، تبرز دبلوماسية ومفاوضات تغيّر المناخ كخيوط رئيسية تجمع مصائر الأمم والنظم البيئية والأجيال المقبلة. الحاجة الملحّة لمعالجة التأثيرات المتصاعدة لتغير المناخ أدّت إلى تحفيز مجال فريد من الدبلوماسية الدولية، حيث الرهانات وجودية والتحديات جبارة.
جوهر دبلوماسية المناخ
دبلوماسية المناخ ليست مجرد حماية للبيئة؛ إنها تتعلق بتأمين مستقبل مستدام للإنسانية. تشمل المفاوضات المعقدة بين الدول للحد بشكل جماعي من انبعاثات غازات الدفيئة، والانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة، ودعم الأكثر عرضة لتأثيرات تغير المناخ. هذا الجهد الدبلوماسي مستند إلى الاعتراف بأن تغير المناخ يتجاوز الحدود، ما يجعل الأفعال الأحادية غير كافية. فقط من خلال الجهود الجماعية العالمية يمكننا أن نأمل في التخفيف من تأثيرات تغير المناخ.
تحديات المفاوضات
الطريق إلى العمل العالمي المتماسك بشأن تغير المناخ مليء بالعقبات. أحد التحديات الرئيسية هو الفجوة بين الدول المتقدمة والنامية. الدول المتقدمة، المسؤولة تاريخياً عن الجزء الأكبر من انبعاثات غازات الدفيئة، من المتوقع أن تقود بالمثال في تقليل الانبعاثات وتمويل العمل المناخي. من ناحية أخرى، تسعى الدول النامية للحصول على دعم لتنمو بشكل مستدام والتكيف مع تأثيرات المناخ من دون التضحية بأهدافها التنموية. يتطلب جسر هذه الفجوة التعاطف والفهم والتسوية - شهادة على فن المفاوضات.
معالم رئيسية في دبلوماسية تغير المناخ
اتفاقية باريس: منارة أمل
تعتبر اتفاقية باريس، التي تم تبنيها في عام 2015، إنجازاً بارزاً في دبلوماسية تغير المناخ. للمرّة الأولى، التزمت كل دولة في العالم تقريباً بالحد من الاحترار العالمي إلى أقل بكثير من درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، مع الجهود للحد من الزيادة في درجة الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية. تستند الاتفاقية إلى المساهمات المحددة وطنياً (NDCs)، حيث يحدد كل بلد أهدافه الخاصة لتقليل الانبعاثات. تجسد مرونة المساهمات المحددة وطنياً، إلى جانب آلية للمراجعة وتعزيز الأهداف بانتظام، مبادئ المسؤولية المشتركة والعمل الجماعي.
: COP26, 27 & 28رفع الطموحات
أظهر مؤتمر الأطراف COP26 لتغير المناخ في غلاسكو في عام 2021 ديناميكيات دبلوماسية تغير المناخ بشكل أكبر. حثت الدول على تقديم مساهمات وطنية محددة أكثر طموحاً والالتزام بالتخلص التدريجي من الفحم، والحد من إزالة الغابات، وزيادة الدعم المالي للعمل المناخي في الدول النامية. على الرغم من تحقيق تقدم، إلّا أنّ المؤتمر سلط الضوء أيضاً على الفجوات بين الالتزامات الحالية والإجراءات اللازمة للحد من الاحترار العالمي إلى 1.5 درجة مئوية، ما يؤكد الحاجة المستمرة للمشاركة الدبلوماسية والمفاوضات.
في ما يتعلق بدبلوماسية ومفاوضات تغير المناخ، تُظهر الأحداث الأخيرة تحديات وتطورات مهمة في هذا المجال. مؤتمر شرم الشيخ لتغير المناخ (COP 27)، الذي عُقد في تشرين الثاني (نوفمبر) 2022، شهد تجمع دول العالم لاتخاذ إجراءات نحو تحقيق الأهداف العالمية المشتركة للمناخ كما هو متفق عليه في اتفاقية باريس. شارك في المؤتمر رؤساء الدول والحكومات. جزء كبير من المؤتمر كان مخصصاً للجلسات عالية المستوى والتي شارك فيها الوزراء بشكل أساسي.
وعُقدت الدورة الثامنة والعشرون لمؤتمر الأطراف (COP28) في دبي، وشكلت نقطة تحول كبيرة في الجهود العالمية ضد تغير المناخ، حيث أُعلن عن بداية "نهاية عصر الوقود الأحفوري". انتهى المؤتمر باتفاق تاريخي يؤكد على الانتقال السريع والعادل والمنصف إلى الطاقة المتجددة، بهدف الحفاظ على الحد من زيادة درجة الحرارة العالمية بمقدار 1.5 درجة مئوية ضمن الإمكان. ويتضمن هذا الاتفاق "التقييم العالمي الشامل" الذي يعد بمثابة المحور الرئيسي لتسريع إجراءات التغير المناخي قبل نهاية العقد، ويدعو إلى ثلاثة أضعاف زيادة القدرة على توليد الطاقة المتجددة وضعف تحسين كفاءة الطاقة بحلول 2030، من بين إجراءات أخرى تهدف إلى تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري.
شهد المؤتمر مشاركة غير مسبوقة، حيث جمع 85000 مشارك، بما في ذلك أكثر من 150 رئيس دولة وحكومة، وفود وطنية، المجتمع المدني، الشركات، الشعوب الأصلية، الشباب، وأصحاب المصلحة الآخرين، ما جعله واحداً من أكبر مؤتمرات من نوعه.
من التطورات الرئيسية في COP28 تشغيل صندوق الخسائر والأضرار، مع تعهدات تجاوزت 700 مليون دولار أميركي، وتقدم كبير في تمويل المناخ، حيث تلقى صندوق المناخ الأخضر تعهدات بقيمة 12.8 مليار دولار أميركي من 31 دولة. كما تم الإعلان عن التزامات جديدة لصندوق الدول الأقل نمواً وصندوق تغير المناخ الخاص بمبالغ تتجاوز 174 مليون دولار أميركي، وتم التعهد بما يقرب من 188 مليون دولار لصندوق التكيف.
كما أكد المؤتمر على الحاجة الملحة للدول لزيادة جهودها في تقليل الانبعاثات والتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري. وأكد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، على ضرورة الوصول إلى ثلاثة أضعاف القدرة على توليد الطاقة المتجددة، وضعف كفاءة الطاقة، وضمان انتقال عادل ومنصف بعيداً عن الوقود الأحفوري للحد من ارتفاع درجة الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية.
تُظهر هذه الأحداث التداخل بين السياسة الدولية والجهود المبذولة لمكافحة تغير المناخ، مشيرةً إلى التحديات التي يواجهها المجتمع الدولي في تحقيق تقدم ملموس في هذا المجال الحيوي.
الابتكار والشمولية والنزاهة
بينما ننظر إلى المستقبل، يعتمد نجاح دبلوماسية تغير المناخ على ثلاث ركائز رئيسية: الابتكار والشمولية والنزاهة.
الابتكار في التكنولوجيا والسياسة أمر حاسم لتطوير حلول مستدامة يمكن تبنيها عالمياً.
الشمولية تضمن سماع أصوات جميع أصحاب المصلحة، خصوصاً ما يرتبط بالمجتمعات الضعيفة والأصلية، واحترامها في عملية المفاوضات.
النزاهة في الالتزام والإبلاغ عن التقدم بشفافية أمر أساسي لبناء الثقة بين الأمم.
في الختام، تمثل دبلوماسية ومفاوضات تغير المناخ منارة أمل في سعينا الجماعي لمستقبل مستدام. بينما تظل التحديات قائمة. يظهر التقدم المحرز حتى الآن الإمكانات للتعاون العالمي في مواجهة أهم قضية في عصرنا. وبينما نواصل التنقل في تعقيدات العلاقات الدولية، دعونا نظل ثابتين في التزامنا تجاه الكوكب وتجاه بعضنا البعض.