وفق قاعدة الأهم ثم المهم، فإنّ أهم مطلب يمکن أن يتصدّر کل المطالب الأخرى المهمّة في المنطقة، هو مطلب التغيير السياسي الذي، وبعد 45 عاماً من الحکم السائد فيه وما حدث وتداعى جراء ذلك، صار طرحه على بساط البحث وتناوله من مختلف الجوانب موضوعاً يفرض نفسه.
هنا يجب الانتباه الى إننا لا نطرح التغيير في إيران وفق الأوضاع الداخلية في البلاد، والتي لا غرو في انّها ساخنة جداً وقابلة للاشتعال في أي لحظة، فذاك موضوع آخر، وإن کانت له صلة بموضوع مقالنا هنا، ولکنه لا يشکّل جوهر طرحنا الذي يدور ويرتبط بالأوضاع في بلدان المنطقة.
فلنذهب مباشرة إلی البیت القصید... وأخيرًا، في ليلة السبت - الأحد 13 نيسان (أبريل)، هاجم نظام الملالي إسرائيل بأكثر من 330 مسيّرة وصواريخ أرض-أرض وصواريخ كروز، وفقًا للجيش الإسرائيلي، تمّ تدمير أكثر من 99 في المئة منها في السماء. أصيبت فتاة عربية تبلغ من العمر 8 سنوات في صحراء النقب في إسرائيل. وقال وزير خارجية نظام الملالي حسين أمير عبد اللهيان: "أبلغنا الدول الإقليمية والصديقة بهذا الموضوع قبل 72 ساعة من الهجوم". انّه الفأر المولود من الجبل الرملي! انّه نکایة بالبهلوانیات التي اعتادتها شعوبنا طیلة العهود الاربعة الماضیة من نظام ولایة الفقیه ومشروعه الوهمي لـ «تحریر القدس»... فقد كان الهجوم هزيمة عسكرية واضحة وفضيحة لنظام الملالي، لكن سياسيًا، وبعد 6 أشهر، وفي منعطف محلي وإقليمي ودولي، أزيح الستار وظهر رأس الأفعى من خلفه، لكنه اصطدم بالحجر بشكل فاضح. فبذلك أثبت خامنئي والدكتاتورية الدينية الحاكمة في إيران أنّهما الطرف المؤسس الرئيسي للحرب الحالية في المنطقة.
خلال انتفاضة الشعب الإيراني على مستوى البلاد في عام 2022، كان النظام على وشك الانهيار، وبالنسبة الى خامنئي، عملت التجربة نفسها دائمًا دليلاً لخطواته التالية، باعتبارها كابوسًا حقيقيًا، لأنّ الظروف الموضوعية للمجتمع والفقر المتزايد والواسع النطاق للشعب الإيراني، وعدم قدرة خامنئي على حل أصغر مشكلة في المجتمع الإيراني، إلى جانب وجود قوة منظمة رائدة تسمّى وحدات المقاومة داخل إيران كحالة ذاتية، أدّت إلى تهديد الشعب الإيراني بإطاحته أكثر من أي وقت مضى. نعم هذه الخطورة هي التي دفعت خامنئي الى أن يشعل حرب غزة للهروب من الانتفاضة الإيرانية والبقاء على قيد الحياة وهندسة انتخاباته لتعزيز نظامه.
في بداية حرب غزة، أعلنت المقاومة الإيرانية أنّ خامنئي أثار القتال في غزة والتضحية بالنساء والأطفال الفلسطينيين، وأشارت إلى أنّ هذه الحرب ستصل نيرانها إلى النظام في النهاية. وقد تحقق ذلك الآن، إذ يجد خامنئي نفسه محاصرًا في فخ كان يخطط له للحفاظ على نظامه، ولكن على حساب حياة الأطفال والنساء والشعب الفلسطيني.
لذا، تسلّط التطورات الحالية الضوء بوضوح على بعض الحقائق:
أولاً، نظام الملالي يعتمد على اختلاق الأزمات والحروب للبقاء في السلطة، ولن يحظى الشرق الأوسط بالسلام والاستقرار ما دام هذا النظام قائمًا.
ثانيًا، خامنئي هو الخاسر استراتيجياً في الحرب الإقليمية الكبرى الحالية ومحاصر حاليًا. حان الوقت لسحب ما يريده خامنئي من تحقيق فائدة من إثارة الحرب في الشرق الأوسط من فمه.
ثالثًا، الشعب الإيراني يرغب في إسقاط هذا النظام تمامًا كما حدث مع نظام الشاه.
رابعًا، السبيل الوحيد لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة هو إسقاط نظام الملالي عن طريق إرادة الشعب الإيراني والمقاومة الإيرانية. لذا، يجب على الدول المختلفة، بما في ذلك الولايات المتحدة والعالم الغربي، التخلّي عن سياسة الاسترضاء والاستسلام أمام هذا النظام، وبدلاً من ذلك، الاعتراف بشرعية المقاومة للشعب الإيراني في السعي للتخلص من هذا النظام بإطاحته.
نعم، موضوع التغيير في إيران وضرورته الملحّة ينبعان أساساً من إنه إذا لم يحدث التغيير السياسي ـ الفکري ـ الجذري الحقيقي في إيران من خلال اطاحة هذا النظام من قِبل الشعب والقوى الوطنية التي تخوض صراعاً ضدّه منذ الأيام الأولى لتأسيسه، فإنّ هذا النظام سيقوم في النتيجة بفرض تغيير کبير على بلدان المنطقة، وهذا ليس مجرد فرضية أو احتمال نطرحه هنا، بل إنّه حالياً وکما يرى العالم قبل بلدان المنطقة، أمر يجري على قدم وساق.
بطبيعة الحال، فإنّ وجه الخطورة في التغيير الذي قام ويقوم به النظام الإيراني عبر وکلائه وبطرق مختلفة، ليس بتغيير إيجابي يمکن أن يخدم الأمن والسلام والاستقرار في المنطقة، بل إنّه تغيير سلبي بمعنى الکلمة، وهذا التغيير يشمل البنى الفکرية والاجتماعية والسياسية في المنطقة، من خلال التلاعب بالتوازن الديموغرافي القائم في مجتمعات بلدان المنطقة والإخلال بها.
الأرضية التي على أساسها جرى ويجري التغيير السلبي الذي نتحدث عنه، بأمسّ الحاجة إلى تغييب القوانين والنظم وحتى الدساتير التي تمّ العمل بها خلال القرن العشرين، إلى جانب شطب القيم والمفاهيم الوطنية المتعارف عليها بين شعوب المنطقة، وإنّ نظرة متفحصة إلى البلدان التي يهيمن عليها النظام الإيراني بنفوذه عبر وکلائه، والمقارنة بين أوضاعها الحالية "وفق ما ذکرناه" وبين الأوضاع التي کانت عليها سابقاً قبل تأسيس النظام الإيراني، فإننا نجد الفرق شاسعاً وشاسعاً جداً، وحتى يمکن القول بأننا نشهد واقعاً يکاد يکون مختلفاً عن الماضي. ولکن من المهمّ جداً هنا الانتباه الى انّ هذه الدول، والتي کانت من الدول المرموقة والناجحة التي کفلت لشعوبها أوضاعاً جيدة أفضل بکثير من الأوضاع الحالية بآلاف المرات، هي الآن ضمن قائمة الدول الفاشلة وبإمتياز!
هناك ملاحظة مهمّة جداً يجب أخذها في الاعتبار والأهمية القصوى، وهي عدم التصور بأنّ النظام سيکتفي بنفوذه وهيمنته على البلدان الاربعة الخاضعة له، فهو يعلم بأنّ ذلك سيرتد عليه سلباً ما لم يستمر بتوسعة الدائرة أکثر فأکثر، تماماً کما فعل ويفعل في ممارساته القمعية التي يستخدمها ضدّ الشعب الإيراني، والتي يقوم يجعلها تشمل کل جوانب الحياة ويغلق، ليس الأبواب، وإنما حتى النوافذ عليه، وفي السياق نفسه يواصل عمله باستمرار وجنوحه إلى الصمت والاستکانة حالياً، ليس لأنّه تخلّى عن ذلك وإنما لکونه يعلم بأنّ تحرّکه حالياً سينقلب وبالاً عليه.
الملاحظة الأخرى التي يجب أيضاً أخذها في الاعتبار والأهمية، هي انّ وکلاء هذا النظام في بلدان المنطقة، إضافة الى کونهم بنادق تحت الطلب، فإنّهم يستخدمون القدرات والإمکانات المختلفة المتاحة لهم بفضل الأوضاع الشاذة في بلدانهم، من أجل الدعوة إلى الأفکار والاطروحات التي وضعها النظام الإيراني للمنطقة بشکل خاص، إذ ناهيك بوسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، فإنّ هناك ذباباً إلکترونياً وأقلاماً ميليشيوية تکتب بطرق وأساليب تتفق مع المستويات المختلفة. ونقولها وبكل صراحة ووضوح، إذا لم يتمّ التصدّي لهذا المسعى الخبيث والمشبوه، ويجري العمل من بلدان المنطقة في سبيل إجهاض هذا التغيير السلبي الذي يقوم به النظام الإيراني في المنطقة، وذلك بردّ الکيد إلى نحره والعمل من أجل حدوث التغيير في إيران نفسها من خلال دعم نضال شعبها وقواها الوطنية، فإنّ الأسوأ قادم حتماً!
*عضو لجنة الشؤون الخارجية في المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية