عملية تسريع تنفيذ "طريق التنمية" التي كانت من أهم أهداف زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بغداد في 22 /4/ 2024، وفق ما صرّح به وزير الخارجية هاكان فيدان الذي رافق الرئيس؛ كانت أيضاً من أبرز بنود جدول الأعمال الذي حمله رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إلى واشنطن منتصف الشهر ذاته، لأنّه لا يريد أن تعتبر واشنطن أنّ انشاء الخط تحدٍ لها، أو رداً على "الممر الهندي" الى أوروبا. وأردوغان سيبحث الملف مع قادة الإدارة الأميركية ايضاً، خلال زيارته واشنطن في 10 أيار (مايو)، وربما للهدف ذاته، كي لا تعتبر حماسته لإنشاء "طريق التنمية" استفزازاً لها.
"طريق التنمية" مشروع اقتصادي وتجاري واعد، كان قد تقرّر تأسيسه في الاجتماع الذي دعت إليه الحكومة العراقية في 9/5/2023، وحضره مندوبون عن تركيا وإيران والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر والبحرين والكويت وعُمان والأردن. والطريق يبدأ من بحر العرب جنوب سلطة عُمان ليصل إلى أوروبا، عبر أراضي البلدان التي حضرت الاجتماع المذكور، بينما تقتصر مشاركة إيران والأردن على وصل طُرق برّية من كل منهما إلى الخط المذكور، لأنّه لا يعبر من خلال أراضيهما. وهو يتصل بخط الخليج الذي يربط في ما بين دول مجلس التعاون الخليجي، ويمرّ عبر العراق بمسافة 1200 كلم، تبدأ من ميناء الفاو الكبير جنوب البصرة، حيث تُقام محطات ربط الممر المائي مع الممر البري الى أقصى الشمال، ويعبر الأراضي التركية الى أوروبا.
وقد تمَّ توقيع مذكرة تفاهم إضافية تتناول تمويل المشروع وتنظيم مراحله الثلاث، خلال زيارة الرئيس أردوغان الأخيرة لبغداد، من قبل وزراء التنمية والمواصلات في كل من العراق والإمارات العربية المتحدة وقطر وتركيا، بحيث سينتهي العمل بالمرحلة الأولى في العام 2028، وهي بكلفة 17 مليار دولار، ويبدأ المرور عبر الخط البحري والبري لشحن البضائع من خلاله في الاتجاهين، والمرحلة الثانية تنتهي في العام 2033، أما الرحلة الثالثة والأخيرة فقد لا تُنجز قبل العام 2055، لأنّ المشروع يتضمن إنشاء خطوط سكك حديد وكابلات اتصالات ضوئية متطورة، إضافة إلى أنبوب لنقل الغاز الطبيعي وربما واحد آخر لنقل النفط الخام ايضاً.
للمشروع أهمية استراتيجية كبيرة عند دول الخليج العربي والعراق وتركيا. وإيران قد تستفيد من وصلات أرضية تربطها بالخط في ثلاث مناطق عراقية، إذا ما وافقت على شروط الانضمام إلى الإتفاقية. وهو سيؤمّن فرص عمل هائلة لشباب الدول المعنية، كما سيجعل من العراق وتركيا دولتين مهمّتين لناحية كونهما معبرين رئيسيين بين جنوب وشرق آسيا وأوروبا. ووفق تقديرات الخبراء؛ فالممر سيوفّر 10 أيام من الوقت الذي تقضيه السفن التي تمرّ عبر البحر الأحمر وقناة السويس، وأكثر من 20 يوماً على السفن التي تقصد الدوران حول إفريقيا عبر رأس الرجاء الصالح للوصول إلى أوروبا، وهي تمكث ما لا يقلّ عن 45 يوماً، بينما عملية توصيل البضائع من جنوب آسيا إلى أوروبا عبر "طريق التنمية" لا يستغرق أكثر من 25 يوماً.
إضافة إلى النتائج الاقتصادية الكبيرة لـ"طريق التنمية" والذي سيحمل ملايين الأطنان من المنتوجات والمواد الخام من أوروبا إلى جنوب وشرق آسيا وبالعكس؛ ستكون للطريق نتائج سياسية واسعة. وأولى هذه التداعيات إظهار دول الخليج العربي باحثة عن التنمية دون غيرها، وتتعاون مع كل المبادرات التي تهدف إلى تعزيز النمو الاقتصادي وإرساء التعاون بين كل الدول. ومشاركتها في "الممر الهندي" الذي أقرَّ في قمة دول العشرين في نيودلهي بتاريخ 9/9/2023، والذي يبدأ من ميناء مومباي مروراً بالإمارات والسعودية والأردن و"إسرائيل"، لا تعني أنّها مع حلف دولي ضدّ حلف آخر، وهي أيضاً تعاونت بإيجابية مع " طريق الحرير" الجديد الذي أطلقته الصين في العام 2013. والمشاركة في تنفيذ "طريق التنمية" سيخرجها من الإحراج السياسي على المستوى الدولي.
ومن المؤكّد أنّ "طريق التنمية" سيساهم على شاكلة وازنة، في دفع المكانة التركية والعراقية إلى مصافٍ متقدّمة، وهو سيدرّ منافع مالية على البلدين الجارين، وسيجعل منهما جسر تواصل مهمّاً جداً بين الشرق والغرب. والدولتان تعانيان من صعوبات مالية واقتصادية كبيرة حالياً. وإذا ما نجحت المساعي في توفير بنى تحتية وخطوط جرّ يمكن من خلالها تصدير النفط العراقي مباشرةً إلى أوروبا، سيؤدي ذلك إلى تغييرات مهمّة. والأبرز من كل ذلك؛ هو الرؤى التي أشارت اليها مباحثات محمد شياع السوداني في واشنطن، والتي ذكرت بأنّ اتفاقيات وقّعت بين البلدين للاستثمار في المخزونات الجوفية من الغاز الطبيعي في العراق، وعندها ستكون لـ"طريق التنمية" أبعاد دولية استراتيجية، لا سيما أنّ الخطة تلحظ إنشاء انابيب إلى جانب الطريق، تنقل الغاز الخليجي إلى أوروبا.
والأهمية الإضافية للخط؛ تكمن ايضاً في كونه سيتضمن إنشاء كابلات ضخمة للاتصالات الهاتفية ولنقل الذبذبات الضوئية والسيبرانية بين الشرق والغرب، ويمكن أن تكون بديلاً من الخطوط البحرية التي تتعرَّض لمخاطر أمنية، لا سيما في البحر الأحمر.
المستفيدون كُثر إذا ما سلك مشروع "طريق التنمية" كما هو مرسوم له، ولكن هناك متضررين منه بطبيعة الحال، ولو كانت أهداف المشاركين في المشروع هي زيادة المنافع وليس التسبّب بأضرار لأيٍ كان. لكن نشاط قناة السويس حكماً سيتأثر سلباً على سبيل المثال.