أيمن عمر
فكرة إنشاء مرفأ في غزّة من قِبَل الإسرائيليين هي فكرة قديمة تعود إلى 10 سنين تقريباً، وقد أُعيد طرحها والعمل على تنفيذها. ففي 8 آذار (مارس) المنصرم أعلن البنتاغون هدفه في بناء رصيف في بحر غزّة بعد يوم واحد من دعوة الرئيس الأميركي جو بايدن الجيش إلى تنفيذ العملية خلال خطابه عن حالة الاتحاد. وبعد أيام انطلقت سفن تحمل معدات JLOTS - وهي اختصار لـ"Joint Logistics Over the Shore" - يديرها أفراد من لواء النقل السابع في الجيش الأميركي من قاعدة لانغلي - يوستيس المشتركة في ولاية فرجينيا الأميركية إلى منطقة مسؤولية القيادة المركزية.
تشمل مكوّنات JLOTS رصيفاً عائماً وجسراً يبلغ طوله حوالي 1800 قدم سيتم ربطه بالشاطئ، ومجموعة من سفن الدعم اللوجستي والصنادل التي ستنقل المساعدات من الرصيف إلى الجسر. وبحسب البيت الأبيض، فإن هذا الميناء سيقوم بدور إيصال المساعدات الإنسانية إلى سكان قطاع غزّة. وفي 12 من الشهر نفسه، أعلن البنتاغون أن القوات الأميركية بدأت بناء رصيف وجسر بحري قبالة ساحل غزة بهدف تسريع تدفق المساعدات الإنسانية إلى القطاع. وفي 24 نيسان (أبريل) الماضي التقطت شركة "Planet Labs PBC" صوراً عبر الأقمار الاصطناعية تظهر إنشاء ميناء مساعدات جديد، يشارك حوالي 1000 جندي أميركي في عملية بنائه، وإلى الآن فقد تم بناء أكثر من 50% من الرصيف.
تقوم مهمة هذا الميناء المعلنة والظاهرية على استقبال سفن المساعدات القادمة من قبرص بشكل رئيسي، والتي ستُبحر بعد ذلك لمسافة حوالي 200 ميل إلى المنصة العائمة الكبيرة التي يبنيها الجيش الأميركي. سيتم نقل المساعدات على شاحنات، ونقلها إلى سفن عسكرية أصغر، ثم نقلها أميالاً عدة إلى الجسر، الذي سيبلغ طوله حوالي 1800 قدم (550 متراً) وسيثبته الجيش الإسرائيلي على الشاطئ. وبعد ذلك، ستسير الشاحنات على الجسر إلى منطقة إنزال آمنة، حيث سيتم توزيع تلك المساعدات على وكالات الإغاثة.
سيتعامل الرصيف في البداية مع 90 شاحنة يومياً، ولكن هذا العدد يمكن أن يرتفع إلى 150 شاحنة عندما يعمل بكامل طاقته. وبمجرد تشغيل نظام الرصيف، ستكون سفينة حاويات ضخمة تسمى ساغامور Sagamore أول سفينة تبدأ نقل المساعدات الإنسانية من قبرص إلى الرصيف. تم التعاقد مع السفينة هذه من قبل قيادة النقل الأميركية ويبلغ طولها أكثر من 600 قدم، أو ما يقرب من طول ملعبي كرة قدم، والسفينة موجودة حالياً في ميناء في قبرص، وفقاً لمواقع التتبع البحري. من المرجح أن يتكوّن الميناء من ثلاث مناطق: واحدة يسيطر عليها الإسرائيليون حيث يتم إنزال المساعدات من الرصيف، وأخرى حيث سيتم نقل المساعدات، وثالثة حيث سينتظر السائقون الفلسطينيون المتعاقدون مع الأمم المتحدة لالتقاط المساعدات قبل نقلها إلى نقاط التوزيع.
رغم أن الهدف المعلن من بناء الميناء الذي تعلن الإدارة الأميركية أنه مجرد رصيف وليس ميناءً متكاملاً، هو توفير المساعدات الإنسانية لأهالي القطاع، إلا أنه يحمل في طيّاته أهدافاً أبعد من ذلك يمكن تلخيصها بالتالي:
- يعتبر هذا الميناء قاعدة عسكرية أميركية في أهم منطقة ساحة صراع عالمية، وبالتالي يضمن الوجود العسكري الأميركي المباشر، والقدرة على التحكّم بالأحداث الجارية في هذه المنطقة مباشرةً إذا اقتضى الأمر ذلك.
- إيجاد قوّة عسكرية في المنطقة المعروفة باسم "بحر غزّة" والقدرة مستقبلاً على التحكم في الموارد الطبيعية فيه من نفط وغاز، إذ تم اكتشاف كميات كبيرة من الغاز الطبيعي في عام 2000 تُقدّر بحوالي تريليون قدم مكعّب من موارد الغاز الطبيعي، ولكن الإسرائيليين يمنعون الفلسطينيين من استخراجها والاستفادة من مواردها المالية في دعم اقتصادهم.
- تسهيل إخراج الفلسطينيين من غزّة ومن دون قيود وعقبات، وبالتالي تفريغ غزّة من الفلسطينيين وتهجيرهم منها عبر توفير الظروف اللوجستية لذلك، ومنها سهولة النقل البحري، وبذلك يتم تشجيع الهجرة الفلسطينية الطوعية إلى أوروبا.
- إلغاء دور معبر رفح الحدودي مع مصر والتخفيف من التأثير المصري في القضية الفلسطينية.
- تصبح كل المعابر إلى غزّة تحت السيطرة الإسرائيلية المباشرة، لأن كل السفن التي سترسل مساعدات إنسانية لن تتجه مباشرة إلى الميناء الأميركي في غزّة بل ستتوجه إلى ميناء أشدود في البداية ليتم فحصها، أو يفحصها الإسرائيليون مباشرة، ثم يتم إرسالها تحت مراقبة البحرية الإسرائيلية وطائرات من دون طيار إلى الميناء.
- المساهمة في إطالة أمد الحرب على غزّة وتدميرها وتحقيق مشاريعهم وأهدافهم من هذا العدوان والتدمير، عبر توفير المساعدات الإنسانية لأهلها وهي الغاية المعلنة من بناء هذا الميناء كما صرّح بذلك المسؤولون الأميركيون.