وانغ يي
عضو المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني
وزير الخارجية الصيني
تنعقد الدورة العاشرة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني - العربي اليوم في بيجينغ، لمناسبة الذكرى الـ20 لتأسيس منتدى التعاون الصيني - العربي. وهذه أول دورة للاجتماع الوزاري تُعقد بعد القمّة الصينية - العربية الأولى الناجحة، لذلك تكتسب أهمية كبيرة لتنفيذ مخرجات هذه القمّة، والإسراع في بناء المجتمع الصيني - العربي للمستقبل المشترك.
انعقدت القمّة الصينية - العربية الأولى في 9 كانون الأول (ديسمبر) 2022 في السعودية، ألقى فيها الرئيس الصيني شي جينبينغ كلمة رئيسية لخّص فيها روح الصداقة الصينية – العربية، المتمثلة في "التضامن والتآزر والمساواة والمنفعة المتبادلة والشمول"، محدّداً المسار والاتجاه لبناء المجتمع الصيني - العربي للمستقبل المشترك. كما طرح "الأعمال الثمانية المشتركة" المتصلة بالتعاون العملي بين الصين والدول العربية، الأمر الذي قوبل بتجاوب عربي حار.
صار بناء المجتمع الصيني - العربي للمستقبل المشترك، الذي يتقدّم بخطوات ثابتة منذ أكثر من عام، رايةً مجيدة تقود تطور العلاقات الصينية - العربية، وتتبلور تحتها التوافقات الصينية – العربية، السياسية والتنموية والأمنية والحضارية.
تواصل الصين والدول العربية تعزيز التعاون الاستراتيجي لتحقيق مستوى أعلى من الثقة المتبادلة. فقد استقبل جينبينغ قادة فلسطين والجزائر وسوريا وموريتانيا وغيرها من الدول العربية في الصين، ما يرشّد العلاقات الصينية - العربية ويدفعها نحو التطور. وأقيمت علاقات شراكة استراتيجية شاملة أو علاقات شراكة استراتيجية بين الصين و14 دولة عربية وجامعة الدول العربية حتى الآن، بعد بناء شراكة استراتيجية بين الصين وكل من فلسطين وسوريا. وصار العالم العربي من المناطق التي تضمّ العدد الأكبر من شركاء الصين الاستراتيجيين.
تدعم الدول العربية بثبات الجهود التي تبذلها الصين للحفاظ على مصالحها الجوهرية وهمومها الكبرى، وتلتزم دائماً مبدأ الصين الواحدة وتنتهج سياسة الصين الواحدة. في المقابل، دعمُ الصين ثابتٌ لجهود الدول العربية لتعزيز الاستقلالية الاستراتيجية والحفاظ على سيادة البلاد وكرامة الأمة، وتسوية النزاعات بالحوار والتشاور، والسير في طريق تقوية الذات من خلال التضامن لتحقيق الأمن الجماعي.
أسفرَ الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، الذي انفجر في 7 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، عن سقوط عدد كبير من القتلى والجرحى في صفوف المدنيين، وعن نشوء أزمة إنسانية خطيرة. لا يمكن أي بلد أو شعب محبّ للسلام ألّا يبالي أمام هذا المشهد. وفي مواجهة هذا الوضع الخطِر، وقفت الصين دائماً إلى جانب الحق والعدالة، مختارةً الجانب الصحيح للتاريخ، وهي تدفع المجتمع الدولي لتركيز جهوده على وقف إطلاق النار ومنع القتال وحماية المدنيين وتوسيع أعمال الإغاثة الإنسانية، وتنفيذ "حلّ الدولتين" لإيجاد حلّ عادل وشامل ودائم للقضية الفلسطينية، في أسرع وقت. كذلك، تتضامن الصين مع الدول العربية وتتعاون معها، ما يعزّز الثقة المتبادلة بينهما في دفاعهما المشترك عن العدالة الدولية.
تواصل الصين والدول العربية توسيع التعاون العملي بينهما لتحقيق المنفعة المتبادلة وتعزيز المكاسب المشتركة. فقد وقّعت الصين مع الدول العربية كلها، ومع جامعة الدول العربية، وثائق تعاون لتعزيز مبادرة "الحزام والطريق". ونفّذ الجانبان ما يزيد على 200 مشروع كبير في إطار هذه المبادرة، يستفيد منها نحو ملياري نسمة في الجانبين. وبقيت الصين أكبر شريك تجاري للدول العربية سنوات عدة متتالية. ففي خلال العامين الماضيين، ارتفع حجم التبادل التجاري بين الجانبين إلى مستوى قياسي جديد، وهو يبلغ الآن 400 مليار دولار أميركي، أي عشرة أضعاف ما كان عليه قبل 20 عاماً.
ويشهد التعاون الصيني - العربي تقدّماً بارزاً في مجالات الطاقة والمالية والبنية التحتية وغيرها. فقد استوردت الصين 265 مليون طن من النفط الخام من الدول العربية في عام 2023، ما يوازي 47 في المئة من إجمالي وارداتها الخارجية من النفط الخام. كما يتقدّم التعاون الصيني - العربي في مجالات الطاقة الكهروضوئية، وطاقة الرياح، والطاقة النووية للأغراض المدنية، والطاقة الهيدروجينية. إلى ذلك، تدخل العملة الصينية إلى الدول العربية بشكل متسارع؛ إذ وقّعت الصين اتفاقيات تبادل العملات المحلية مع مصر والإمارات والسعودية، أو مدّدت اتفاقيات معقودة سابقاً. كما أصدرت مصر بنجاح سندات "الباندا" في الصين. وفي ميدان البنية التحتية، ظهرت "علامات فارقة" جديدة بنتها الصين في الدول العربية، مثل المبنى الذي يسمّيه المصريون "الهرم الجديد" في العاصمة الإدارية المصرية الجديدة، وهو الأعلى في إفريقيا؛ والطريق التي تربط شرق الجزائر بغربها ويتجاوز طولها 1200 كيلومتر؛ واستاد لوسيل في قطر الذي كان الملعب الرئيسي لتصفيات كأس العالم لكرة القدم 2022؛ وجسر محمد السادس في المغرب، أكبر جسر معلّق في إفريقيا.
إلى ذلك، حقق التعاون الصيني - العربي نتائج مثمرة في مجالات المعلومات والاتصالات والطيران والفضاء والبيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي وغيرها من المجالات المتقدّمة والحديثة، إضافة إلى التشغيل العالي المستوى للمراكز العديدة في مجالات نقل التكنولوجيا، ونظام "بيدو" للملاحة من خلال الأقمار الاصطناعية، والبحوث الدولية لمكافحة الجفاف والتصحّر. وساهم هذا التعاون المعرفي في بناء شبكة متطورة لنقل التكنولوجيا والتعاون، تربط مؤسسات البحوث العلمية والشركات الابتكارية الصينية بمثيلاتها العربية.
وتعزز الصين والدول العربية تواصلهما بشأن الحوكمة والإدارة؛ إذ نجح الجانب الصيني في تنظيم أربع دورات للمنتدى الصيني - العربي للإصلاح والتنمية، و20 دورة تدريبية للدول العربية التي استضافها مركز الدراسات الصيني - العربي للإصلاح والتنمية، تدرّب فيها نحو 500 فرد من المسؤولين الحكوميين، والأكاديميين في المؤسسات الفكرية، والإعلاميين في الدول العربية.
تحدّت الحضارتان الصينية والعربية الجبال والبحار، فكان تلاقيهما مهمّاً منذ آلاف السنين، وسجلتا قصصاً ذائعة الصيت في التلاحم والتلاقح بين الحضارات المختلفة. اليوم، يتصدّر التبادل المعرفي بين الصين والعرب التبادلات المشابهة في العالم؛ إذ كانت جامعة الدول العربية أول منظمة إقليمية في العالم تُصدر مع الصين وثيقةً لتنفيذ مبادرة الحضارة العالمية، في الدورة الأولى لمنتدى ليانغ تشو التي انعقدت في كانون الأول (ديسمبر) 2023. كما كانت أول منظمة إقليمية في العالم توقّع وثيقة تعاون مع الصين لإنشاء رابطة للمؤسسات الفكرية، في كانون الثاني (يناير) 2024. وأقيمت فعاليات دورية متنوعة، شملت الدورة الأولى لمنتدى تنمية الشباب الصيني – العربي، والدورة العاشرة لندوة العلاقات الصينية – العربية والحوار بين الحضارتين الصينية والعربية، والدورة الخامسة لمهرجان الفنون العربية، ما أسهم في تفعيل التبادل في كافة المجالات على نحو شامل.
وفي إطار التبادل المعرفي نفسه، تُرجم نحو 50 كتاباً من المؤلفات الكلاسيكية الصينية والعربية، في إطار "تبادل الترجمة والنشر للمؤلفات الصينية والعربية". ولاقت البرامج السمعية والبصرية الصينية، مثل "الهجرة إلى السعادة" و"وسام الجمهورية " و"أقنعة وكنوز"، رواجاً عربياً واسعاً، فتجاوز عدد النقرات الإجمالي لمشاهدتها 500 مليون مرّة. كذلك، سجّل تعلّم اللغة الصينية في الدول العربية إقبالاً كبيراً، بعدما أنشأت الصين 21 فرعاً لمعهد كونفوشيوس بالتعاون مع 13 دولة عربية، وبعد إدراج تعلیم الصينية في منظومة التعليم الوطني بشكل رسمي في الإمارات والسعودية وفلسطين ومصر وتونس وجيبوتي.
في الجانب الفردي، سجّل التبادل بين الصين والدول العربية تعافياً سريعاً من تأثير جائحة كورونا، فتجاوز عدد الرحلات الجوية المتبادلة ما كان عليه قبل الجائحة، ونُظِّمت رحلات جوية جديدة بين بيجينغ والعاصمة السعودية الرياض، وبين شيامن والعاصمة القطرية الدوحة، ما ساهم في إنشاء ممرات جوية جديدة للصداقة الصينية - العربية.
يدلّ الحصاد المبكر لبناء المجتمع الصيني - العربي للمستقبل المشترك على أن تطوير العلاقات الصينية - العربية يتماشى مع رغبات الشعوب وتطلعاتها، ويتفق مع مصلحة الجانبين المشتركة، وله آفاق واعدة ومستقبل مشرق. في الدورة العاشرة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني - العربي التي تنعقد اليوم، تواصل الصين العمل مع الدول العربية على تسريع وتيرة تنفيذ مخرجات القمة الصينية - العربية الأولى، ودفع العلاقات الصينية - العربية نحو مستقبل أرحب، رافعةً راية إقامة المجتمع الصيني - العربي للمستقبل المشترك عالياً.
تواصل الصين السير مع الدول العربية في طريق الثقة الاستراتيجية المتبادلة لتوطيد الأسس السياسية المشتركة. فنهضة الأمة حلمٌ صيني - عربي مشترك، والاستقلالية وتقوية الذات مسعيان مشتركان أيضاً. لذا، ستنسج الصين شراكات استراتيجية مع المزيد من الدول العربية، وستعمل معها على تبادل الدعم لحفاظ كل طرف على مصالحه الجوهرية، ولتعزيز التآزر المشترك. كما ستستمر في تعزيز التعاون والتنسيق مع الدول العربية في الشؤون الإقليمية والدولية، وستحدّد مواقفها وسياساتها وفقاً لطبيعة الأمور، ساعيةً إلى إيجاد حلول للقضايا الساخنة مع مراعاة المطالب المشروعة لكافة الأطراف، وتعزيز السلام والاستقرار في الشرق الأوسط، وصون العدل والإنصاف الدوليين، ودفع الحوكمة العالمية بما يخدم مصالح الدول النامية.
ولن تتراجع الصين عن مواكبة الدول العربية في طريق الازدهار والانفتاح لتعزيز الديناميكية التنموية فيها. في هذا الإطار، يتلاقى توجّه الصين غرباً مع توجّه العرب شرقاً، فيشكّلان معاً تياراً هائلاً لتعاونٍ متسمٍ بتكامل المزايا وتبادل المنافع وتشارك المكاسب. فبيجينغ عازمة على العمل مع الدول العربية لتعزيز مبادرة "الحزام والطريق"، بما يضفي حيوية عصرية نابضة على طريق الحرير العريق، وهي مصرّة على ترسيخ التعاون في مجال الطاقة بتقوية علاقات العرض والطلب بينهما في هذا الميدان. كما ترحّب بالدول العربية لزيادة الاستثمار في التنمية الصينية، وتدعم في الوقت نفسه الجانب العربي في تنفيذ مشاريع نموذجية كبرى وأخرى صغيرة، وفي رفد نمو الصناعات المتقدّمة والحديثة بالمكونات العلمية والتكنولوجية المطلوبة.
وستمضي الصين والدول العربية يداً بيد في توطيد التواصل الثقافي والشعبي في التعليم والسياحة والشباب والفنون، وتكريس قيم البشرية المشتركة المتمثلة في السلام والتنمية والإنصاف والعدالة والديموقراطية والحرّية، ورفض "نظرية صراع الحضارات" ومقاطعة "الإسلاموفوبيا"، وتنويع حديقة الحضارات في العالم، وقيادة الحضارة البشرية نحو اتجاه الاحترام المتبادل والتعايش المتناغم.
أخيراً، ستخطو الصين مع الدول العربية خطوات واثقة في طريق التعاون الجماعي، لإقامة منصة تعاونية مشتركة أكثر تكاملاً. فالسنوات الـ20 التي مضت بعد إنشاء منتدى التعاون الصيني - العربي كانت عامرة بالتطور المزدهر، فأُطلِقت خلالها 19 آلية مهمّة بينها الاجتماع الوزاري والحوار السياسي الاستراتيجي ومنتدى الإصلاح والتنمية ومؤتمر التعاون في مجال الطاقة، وصدرت 85 وثيقة مهمّة، الأمر الذي رسّخ نموذجاً للتعاون الجماعي بين الدول النامية، شعاره "من حَسَنٍ إلى أحسَن".
يمثل بناء المجتمع الصيني - العربي للمستقبل المشترك عهداً جديداً للعلاقات الصينية – العربية التي ستفتح بالتأكيد صفحة جديدة في سجل تعزيز حضور منتدى التعاون الصيني – العربي. وسيواصل الجانب الصيني العمل مع الجانب العربي على تعزيز بناء المنتدى لـ20 عاماً أخرى أفضل، يثمر فيها التعاون الصيني – العربي تحقيق الهدف السامي: إقامة المجتمع الصيني - العربي للمستقبل المشترك.