د. محمد الوهيب
صدر يوم السبت الفائت في الكويت الأمر الأميري بتزكية الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح وليا للعهد، هذا الأمر الأميري لاقى ارتياحاً كبيراً شمل جميع أطياف الشارع السياسي في الكويت وذلك من خلال نظرة سريعة للتصريحات التي أدلى بها الكثير منهم في وسائل التواصل الاجتماعي، حتى من قبل هؤلاء الذين أطلقوا على أنفسهم توصيف "المعارضة". الشيخ صباح الخالد الحمد المبارك الصباح يتحدر من ذرية مبارك الكبير التي انحصر الحكم فيها وفقاً للدستور، وهو على وجه التحديد من فرع أسرة "الحمد"، ابن الشيخ مبارك الكبير، وهي الأسرة التي لم يسبق لأفرادها أن حكم دولة الكويت، وذلك بالنظر لهذا التناوب التاريخي في الحكم بين فرعي "السالم" و "الأحمد". ولكن وبغض النظر عن هذا الصعود التاريخي لفرع "الحمد"، من المهم التأكيد على الارتباط الأسري الوثيق للشيخ صباح الخالد بفرعي أسرة الصباح اللذين تناوبا على الحكم، فوالدته هي الشيخة موزة الأحمد الجابر (شقيقة الأمير الحالي للكويت) وزوجته هي الشيخة عايدة، من فرع "السالم" وابنة عميد أسرة آل صباح، الشيخ سالم العلي السالم الصباح.
جاء هذا الاختيار لولي العهد في ظل ظروف استثنائية مرت بها الكويت، حيث تم حل مجلس الأمة وتعليق العمل ببعض مواد الدستور المتعلقة بالانتخابات لمدة أربع سنوات، وذلك بعد خطاب أميري لجموع الشعب الكويتي تميز بصراحته الشديدة. أما ما ذكر في هذا الخطاب وله علاقته المباشرة بتعيين سمو ولي العهد، فكان الإشارة الواضحة والمباشرة للدور السلبي الذي لعبته السلطة التشريعية في التدخل بصلاحيات الأمير في اختيار "ولي العهد" المستقبلي: "بل وصل التمادي إلى حدود لا يمكن القبول بها أو السكوت عنها لما تشكله من هدم للقيم الدستورية وإهدار للمبادئ الديمقراطية التي ارتضيناها جميعاً طريقاً هادياً لتحقيق المصلحة العامة فنجد البعض مع الأسف الشديد يصل تماديه إلى التدخل في صميم اختصاصات الأمير ويتدخل في اختياره لولي عهده متناسياً أن هذا حق دستوري صريح وواضح وجلي للأمير. ومتى ما زكى الأمير أحدهم لولاية العهد يأتي دور السلطات الأخرى كما رسم لها الدستور اختصاصها وليس قبل ذلك بأي حال من الأحوال". والحال، كما يعرف أي مراقب للشأن الكويتي، فلقد كان مجلس الأمة ساحة للنفوذ والصراع بين المتنفذين في الدولة وأبناء أسرة الحكم من الطامعين للوصول لسدة الحكم.
لقد أثار اختيار الشيخ صباح الخالد الكثير من الارتياح في الشارع السياسي الكويتي وذلك بالنظر لما يملكه من خبرة سياسية طويلة صقلت تكوينه السياسي وفكره. تخرج الشيخ صباح الخالد من جامعة الكويت بدرجة في العلوم السياسية، واتجه بعد ذلك للعمل في السلك الدبلوماسي كسفير في عدة دول ومنظمات دولية وحصل على وسام الملك عبد العزيز من الدرجة الأولى من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز عام 1998. ترأس أيضاً جهاز الأمن الوطني الكويتي وهو بمثابة مركز أبحاث خاص بالحكومة الكويتية، وعمل فيه بجهد جهيد لتطوير علاقة الكويت بالناتو وذلك ضمن مساعي تعزيز الأمن الوطني وتطوير دور الناتو كداعم لاستقرار المنطقة؛ وكانت الكويت بهذا الجهد الدبلوماسي الكبير أول دولة في مجلس التعاون الخليجي تنضم إلى مبادرة اسطنبول للتعاون التي انطلقت عام 2004 بهدف تحفيز التعاون بين الحلف ودول مجلس التعاون، وهو ما توج بمركز إقليمي لحلف الناتو في الكويت.
أما انتقال الشيخ صباح الخالد للعمل في الحكومة كوزير للشؤون الاجتماعية والعمل في البداية، ثم وزيراً للخارجية ثم رئيساً للوزراء، فقد كان ذلك الوقت الذي مرت فيه الكويت والمنطقة بظروف دقيقة وعصيبة على شتى المستويات، الإقليمية والدولية. كان ملف الغزو الأمريكي للعراق وملف الخلاف الخليجي من أهم الملفات التي حملها الشيخ صباح الخالد. أما فيما يخص الخلاف الخليجي، كما هو معروف، فلقد كان من الصعب على الكويت أن تحافظ على حيادها أمام الأطراف المختلفة في البيت الخليجي، وعلى الرغم من عدم نجاح هذي المساعي الكويتية التي أخذت وقتاً طويلاً وجهداً شاقاً لرأب الصدع الخليجي، إلا أن اتزان وعقلانية وهدوء السياسة الكويتية كان أمراً يحسب لها بالفعل. وعلى المستوى الدولي، أفاقت دول الخليج على فصل جديد من العلاقات الأميركية -الإيرانية عنوانه الاتفاق النووي والذي يقضي بالإفراج عن الكثير من الأموال الإيرانية المحتجزة وحرية إيرانية في استيراد أسلحة متطورة، ولقد كان ذلك بالفعل، فعلى الرغم من التعداد السكاني الهائل للجمهورية الإسلامية وخبرتها العسكرية الكبيرة مقارنة بدول الخليج، إلا أن أسلحتها قديمة مهترئة وهو ما جعل دول الخليج غير قلقة حيال تفوقها الجوي على القوات الإيرانية. جاء الاتفاق النووي فكسر تلك المعادلة بعد أن استوردت الجمهورية الإسلامية دفاعات جوية روسية متقدمة.
أما إطلاق سراح الكثير من الأموال المحتجزة فقد كان يعني بسط اليد للكثير من أشكال التدخل في المنطقة. لقد كان تغيير وجهة التحالفات الأميركية على يد الديمقراطيين مثار استياء وقلق جميع قيادات دول الخليج، وهو الأمر الذي ربما نجد صداه في السياسية الخارجية الخليجية تجاه أميركا حتى يومنا هذا. وكان الشيخ صباح الخالد في قلب مختبر صنع القرار السياسي الكويتي، وربما الخليجي أيضاً.
نتمنى المزيد من الاستقرار للكويت في الفترة المقبلة، فترة إعادة البناء والإصلاح كما حددها العهد الجديد، فهناك الكثير من الملفات التي تم تعليقها لفترة طويلة حتى تراكمت واستفحلت، وكلنا أمل في العهد الجديد بمواجهة هذه الملفات بحكمة وحزم.