تجمع منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على غنى ثقافي وتنوع بيئي، يشكّل تحدّياً وفرصة للشركات التي تعمل فيها. وبينما كانت الاهتمامات التجارية تركّز تقليدياً على تحقيق الربح، فإن الشركات اليوم تدرك أن الاستدامة ليست كلمة مرور فحسب، بل هي أسلوب حياة وأسلوب اقتصادي جديد.
يشير التحول الاجتماعي إلى زيادة الوعي بالقضايا البيئية والاجتماعية، إلى أن المستهلكين والمستثمرين يضعون المزيد من التركيز على كيفية تأثير الشركات على البيئة والمجتمع. وهذا يعزز الحاجة إلى استراتيجيات أعمال مستدامة تتجاوب مع هذه الاحتياجات والتطلعات.
في هذا السياق، يلعب دمج المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة، دوراً حاسماً في استراتيجيات الشركات، حيث تعمل هذه المعايير على تعزيز الثقة بين المساهمين وتحقيق النجاح المستدام للشركات.
الاتجاهات البيئية والاجتماعية والحوكمة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
تتزايد الاهتمامات والتحدّيات المتعلقة بالاتجاهات البيئية والاجتماعية والحوكمة، حيث يشكّل التنوّع البيئي والثقافي في هذه المنطقة تحدّيات وفرصاً متنوعة.
من الناحية البيئية، تشهد المنطقة تحدّيات جمّة تتعلق بالتغيّر المناخي، ونفاد الموارد الطبيعية، وتلوث البيئة، ما يستدعي اتخاذ إجراءات عاجلة للمحافظة على الموارد الطبيعية وتعزيز الاستدامة البيئية. أما من الناحية الاجتماعية، فتتنوع التحدّيات، من نقص في فرص العمل والتعليم، إلى زيادة في مستويات الفقر والعدالة الاجتماعية، وهو ما يتطلّب تحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي للمجتمعات في المنطقة.
في ما يتعلق بالحوكمة، تتمثل التحدّيات في ضعف التشريعات والهياكل القانونية، والنقص في الشفافية والمساءلة، ما يجعل تحقيق التنمية المستدامة والاستقرار السياسي والاقتصادي أمراً صعباً.
مع هذه التحدّيات، تشهد المنطقة أيضاً بعض الاتجاهات الإيجابية، مثل زيادة الوعي بأهمية الاستدامة والمسؤولية الاجتماعية، وزيادة التركيز على تطبيق المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة في الشركات والمؤسسات. بالتالي، يتطلّب التصدّي لهذه التحدّيات والاستفادة من الفرص المتاحة، تعاوناً دولياً وجهوداً مشتركة من الحكومات والشركات والمجتمع المدني لتحقيق التنمية المستدامة والازدهار في المنطقة.
إرشادات عملية لدمج المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة
في عصر يتزايد فيه الاهتمام بالاستدامة والمسؤولية الاجتماعية والبيئية، أصبح دمج العوامل البيئية والاجتماعية والحوكمة (ESG) في أعمال الشركات أمراً حيوياً لنجاح الأعمال واستدامتها. يُعتبر دمج (ESG) في استراتيجية الشركة وعملياتها أكثر من مجرد الامتثال للمتطلبات القانونية، بل يمثل تعبيراً عن التزام الشركة بالمسؤولية المجتمعية والبيئية، وبناء علاقات مستدامة مع جميع أطراف العمل.
بدايةً، يُعتبر تبنّي القيم والثقافة المؤسسية القائمة على الاستدامة والمسؤولية الاجتماعية والحوكمة القوية أمراً أساسياً في رحلة الشركة نحو التنمية المستدامة. يجب أن تتجذر هذه القيم في كافة مستويات المؤسسة، من القيادة العليا إلى الموظفين الجدد. وفي ضوء هذه القيم، يمكن الشركة تحديد أولوياتها وأهدافها الاستراتيجية. وضمن هذه الأهداف، تكون للبيئة والعوامل الاجتماعية والحوكمة دور رئيسي.
من ثم، يتعيّن على الشركة تضمين (ESG) في عمليات اتخاذ القرارات اليومية، بحيث تصبح العوامل البيئية والاجتماعية والحوكمة جزءاً لا يتجزأ من النظرة الشاملة عند اتخاذ القرارات المتعلقة بالاستراتيجية والعمليات والاستثمارات.
ومن الضروري أيضاً قياس وتقييم أداء الشركة في مجالات (ESG) بشكل منتظم، ما يتيح للشركة فهم مدى تقدّمها نحو أهدافها المستدامة وتحديد المجالات التي تحتاج إلى تحسين.
إضافة إلى ذلك، ينبغي تدريب الموظفين على أهمية (ESG) وطرق تطبيقها في أداء أعمالهم اليومية، ما يعزز تفهمهم والتزامهم هذه القيم.
علاوة على ذلك، يمكن تحقيق التزام أفضل بـ (ESG) من خلال التعاون مع الأطراف المعنية مثل الحكومة والمجتمع المحلي والمنظمات غير الحكومية، لتعزيز مبادرات الاستدامة والاجتماعية. ومن الضروري أيضاً نشر تقارير منتظمة وشفافة حول أداء الشركة في مجالات (ESG)، لتعزيز الشفافية وبناء الثقة مع جميع الأطراف المعنية.
أخيراً، يجب أن تكون الشركة مفتوحة للابتكار والتطوير المستمر في مجالات (ESG)، وأن تسعى باستمرار إلى تطوير الممارسات وتبني أفضل الحلول المستدامة.
التحدّيات وكيفية التغلّب عليها
في مواجهة التحدّيات المتزايدة للمحافظة على البيئة، وتعزيز المسؤولية الاجتماعية، وتحقيق الممارسات الحكيمة للحوكمة، أصبح دمج العوامل البيئية والاجتماعية والحوكمة (ESG) في أعمال الشركات أمراً أساسياً. ويُعتبر تحقيق التوازن بين الربحية والاستدامة البيئية والاجتماعية والمسؤولية الحوكمية تحدّياً مهمّاً.
في سياق دمج العوامل البيئية والاجتماعية والحوكمة (ESG) في أعمال الشركات، تظهر العديد من التحدّيات التي قد تعترض طريق الشركات. فمن التحدّيات التي قد تواجه الشركات قياس الأداء وجمع البيانات الدقيقة، والتي يمكن التغلّب عليها من خلال تحسين أنظمة جمع البيانات وتحليلها لضمان دقتها، وذلك بالاستثمار في تكنولوجيا المعلومات، وتطوير أدوات تحليل بيانات قوية.
ومن بين التحدّيات أيضاً تكاليف التنفيذ والاستثمار، التي يمكن التغلّب عليها من خلال تحديد الأولويات الاستراتيجية وتخصيص الموارد بشكل فعّال، إضافة إلى استكشاف الفرص لتحقيق التكاليف المنخفضة والعائد المستدام على الاستثمار في مبادرات (ESG).
إضافة إلى ذلك، يمكن الشركات التغلّب على تحدّي تغيير ثقافة الشركة والعاملين فيها من خلال توفير التوجيه والتدريب للموظفين بشأن أهمية (ESG) وكيفية دمجها في أداء الأعمال اليومية، من خلال تنظيم جلسات توعية وورش عمل وتوفير الموارد اللازمة لدعم التغيير الثقافي.
وفي ما يتعلق بالمخاطر القانونية والتشريعية، يمكن التغلّب عليها من خلال توفير فرق مختصة بالامتثال للتشريعات البيئية والاجتماعية وتحديد المخاطر المحتملة وتطوير استراتيجيات للتعامل معها، إلى جانب التواصل بانتظام مع الجهات ذات الصلة ومراقبة التطورات القانونية.
الخلاصة
في عالم يتسارع فيه التغيير، حيث يتزايد الضغط على الشركات لتحقيق الاستدامة البيئية والاجتماعية والمسؤولية الحوكمية، يتعيّن على الشركات أن تكون على قدر عالٍ من التحدّي والاستعداد لمواجهة هذه التحولات. فإدماج العوامل البيئية والاجتماعية والحوكمة (ESG) في أعمالها لم يعد خياراً، بل أصبح ضرورة ملحّة لتحقيق الاستدامة والتنمية على المدى الطويل.
تتجلّى أهمية (ESG) في تعزيز القيمة المضافة للشركات، سواءً بتحسين العلاقات مع المساهمين والمستثمرين، أو من خلال تعزيز التميز التنافسي وتحقيق الابتكار. فبمواجهة التحدّيات البيئية والاجتماعية المتنوعة، تتحول الشركات إلى وكلاء للتغيير الإيجابي في المجتمعات التي تعمل فيها، ما ينعكس إيجاباً على أدائها المالي وسمعتها.