الدكتورة مهريناز العوضي - مديرة مجموعة السكان والعدالة بين الجنسين والتنمية الشاملة في الإسكوا
خلقت الأزمات المتعددة عالماً مثقلاً بالمشاكل المتشابكة التي يصعب حلها بشكل مستقل عن بعضها البعض. فكل أزمة بمفردها تشكل عبئاً قادراً على أن يبطء عجله التنمية، وإذا اجتمعت تلك الأزمات، تتعطل معادلة أن واحد زائد واحد يساوى اثنين، لان محصل تلك الأزمات لا يساوى مجرد مجموع كل منها كما تقتضى قواعد الرياضيات، بل تفوق هذا المجموع بأشواط.
والمنطقة العربية ليست معزولة عن هذه الديناميات غير المتوازنة. فقد شهدت في السنوات الأخيرة أزمات متلاحقة تمثلت في ضغوط متفاقمة على الأمن الغذائي، تغير في المناخ، أزمة معيشية، بطالة مرتفعة، وفقر متزايد، وديون أرهقت كاهل الدول، بلغت 70 بالمائة من الناتج المحلى الإجمالي في الدول العربية ذات الدخل المتوسط و 83 بالمائة في الدول ذات الدخل المنخفض.
تزامنت هذه الأزمات مع حروب عالمية وإقليمية فرضت أعباء ثقيلة على اقتصادات الدول. فالحرب على غزه والصراع في السودان ألقتا بثقلهما على اقتصادات الدول العربية بأكملها. ولم تقتصر التحديات على الصعيد الاقتصادي، بل شهدت المنطقة كوارث طبيعية متتالية، بما في ذلك ارتفاع غير مسبوق في درجات الحرارة، وزلزال مميت في سوريا أودى بحياة ما لا يقل عن 9 آلاف شخص، وآخر في المغرب أسفر عن مقتل 2900 شخص، بالإضافة الى فيضانات مدمرة في ليبيا أودت بحياة حوالى 11 الف شخص وأدت الى اختفاء الالاف.
وتلك الازمات ستُعرض مصير الفقراء والفئات الهشة إلى خطر حقيقي، مما سيزيد من التفاوتات بين بلدان المنطقة، وبين شرائح السكان المختلفة، وبين المناطق الحضرية والريفية. وما يثير القلق هو أن آثار تلك الازمات المتشابكة لن تتوقف عند الجيل الحالي، بل ستمتد لتطال الأجيال القادمة التي تعتبر العنصر الأساسي في عملية التنمية.
وقد أشارت دراسة لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الاسكوا) حول "عدم المساواة في المنطقة العربية: دوّامة من الأزمات" الى العلاقة الوطيدة بين الأزمات المتشابكة وعدم المساواة. فقد كان للأزمات الأخيرة، المترابطة والمتلاحقة، التي شهدتها المنطقة العربية أثر واضح على زيادة التفاوتات الاقتصادية، والتفاوتات بين الشباب، وعدم المساواة في الوصول إلى الأمن الغذائي خلال العقد الماضي. كما زادت تلك التفاوتات في الدول ذات الدخل المنخفض وتلك التي تمر بنزاعات واحتلال.
والأزمات المتشابكة بحاجة إلى حلول مترابطة. فالحلول الفردية التي تقدم بمعزل عن بعضها البعض ما هي إلا إهدار للجهد والموارد. فمن الضروري تبني سياسات إقليمية تحد من التفاوتات بين الدول الغنية والفقيرة في المنطقة العربية متضمنة إصلاح النظام المالي الدولي لتقليل تكاليف الاقتراض، خاصة للدول ذات الدخل المتوسط، وزيادة التمويل الرسمي للتنمية، ومقايضة الديون باستثمارات ذكية وبغية تحقيق أهداف المناخ. كما أن للسياسات الوطنية دور محوري لخفض التفاوتات الداخلية بين فئات المجتمع والمناطق الجغرافية.
ولسياسات الحماية الاجتماعية دور فعال للتخفيف من حدة الازمات على الفئات الهشة، ولذا يجب أن تتبنى الدول سياسات حماية اجتماعية مرنه تسمح بتحديد الأشخاص المحتاجين والوصول إليهم بسرعة. كما أن الاستثمار في التعليم ذي الجودة العالية وخلق فرص سيؤتى ثماره في أوقات الأزمات وسيساعد على تحسين قدرة الأفراد للتصدي لها.
وأخيراً فمن الضروري أن تعمل الدول على أن يعم السلام لأن لا تنمية من دون سلام واستقرار.