النهار

خمسة مُحافظين.. وبازشكیان!
غاندي المهتار
المصدر: النهار العربي
قياساً على الدورات الانتخابية السابقة في إيران، تتصل نتيجة "مقبولة" للانتخابات الرئاسية المرتقبة بأمرين اثنين: فسادٌ أقلّ في أعلى الهرم، ومشاركةُ أكثر في أسفله.
خمسة مُحافظين.. وبازشكیان!
(تعبيرية)
A+   A-
في 28 حزيران (يونيو) الجاري، يتقاطرُ الإيرانيون لانتخاب بديلٍ عن الراحل إبراهيم رئيسي. تقدّم نحو 80 مرشحاً ليتسابقوا نحو هذا المنصب، قَبِلَ مجلس صيانة الدستور ستة منهم فقط، وكان بين المستبعدين الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد، ورئيس البرلمان الأسبق علي لاريجاني. 
 
بين الستة المقبولين، خمسة من المحافظين... ومسعود بازشكیان. 
 
أسماء الخمسة وصفاتهم معروفة جداً. قلّة لا تعرف محمد باقر قاليباف، أو علي رضا زاكاني، أو سعيد جليلي، أو مصطفى بور محمدي، أو أمير حسين غازي زاده هاشمي. وقلة لا تعترف بأن هؤلاء نسخٌ مكررة لصورة أي مسؤول محافظ في نظام الملالي بإيران. 
 
قاليباف موجود بـ "حكم الطبيعة" في لائحة المقبولين. وربما يتميز هذا الستيني من أترابه الأربعة بأنه كان دائماً خيار المرشد علي خامنئي في الرئاسة، إلى أن سحب المرشد البساط من تحت قدميه ذات يوم. سريعاً، شاع كلام في طهران أنه متورط في قضايا فساد. التصق به هذا الأمر وخاب سعيه إلى الرئاسة ثلاثاً (2005 و2013 و2017). في المقابل، بازشكيان نافر بـ "حكم مخالفة الطبيعة" في لائحة المقبولين. فهذا الطبيب كان وزيرَ صحة في حكومة الإصلاحي محمد خاتمي، ومعروف عنه رفضه الفساد، وانتقاده الحكومة بعد مصرع مهسا أميني، الذي اندلعت بسببه "انتفاضة الحجاب" في أيلول (سبتمبر) 2022.
 
قياساً على الدورات الانتخابية السابقة في إيران، تتصل نتيجة "مقبولة" للانتخابات الرئاسية المرتقبة بأمرين اثنين: فسادٌ أقلّ في أعلى الهرم، ومشاركةُ أكثر في أسفله. 
 
على محور الفساد، "الأقل" شائكٌ: أمر البلاد كلها في يد المرشد، خصوصاً اليوم بعدما شاع "كثيراً" أن حادث رئيسي تدبيرٌ لتعبيد الطريق أمام رجلين: قاليباف إلى كرسي الرئيس ومجتبى خامنئي إلى كرسي المرشد. وإن سلمنا جدلاً بأن هذا الكلام صحيح (منطقي، لكنه غير مثبت حتى الساعة)، فمن يستطيع إزاحة رئيسي من المشهد السياسي بهذه الطريقة قادرٌ على إزاحة المرشحين الآخرين كلهم بأي طريقة، ما دام مجتبى مصمماً على أن يرث والده غداً بمنظومةٍ يُرسّخ أسسها اليوم.
 
على محور المشاركة، "الأكثر" شائكٌ أيضاً: السلطات الدينية في إيران تدعو الشعب إلى الاقتراع بكثافة، لكن هذه الدعوة ليست بجديدة، ولم يعرها الإيرانيون اهتماماً يوماً. في انتخابات عام 2021 التي فاز بها رئيسي، اقتربت نسبة الاقتراع من 40 في المئة، وإن كان القياس المنطقي يقوم على أن المقترعين أنفسهم ينتخبون في كل مناسبة انتخابية لأنهم لا يُبدلون تبديلاً، وعلى أن الفارق الزمني بين الانتخابين ليس كبيراً لتُضاف شريحة واسعة من المقترعين المفترضين إلى إحصاء هذا الاستحقاق، فمرجح ألا تزيد النسبة المشاركة هذه المرة أيضاً على 40 في المئة. وإن كان الأمر على هذا النحو، يصل أحد المحافظين الخمسة - قاليباف طبعاً - إلى سدة الرئاسة.
 
لا أمل لبازشكیان بفساد أقل، لكن ثمة ضوءاً خافتاً في آخر النفق إذا أقبل الإيرانيون بكثافة على المشاركة في اختيار رئيسهم. فإن بلغت نسبة الاقتراع 60 في المئة - وهذه ليست "الكثافة" المطلوبة - فربما يقف مرشحان أمام فرصة متساوية للفوز بالرئاسة في جولة اقتراع ثانية، لأن أياً منهما لم يحصل على 50 في المئة من الأصوات في الجولة الأولى. وإن كانا من المقبولين، أي قاليباف ومعه منافس محافظ، فلا جديد في الأمر، وأياً كان المنتصر فهو بيدق على رقعة يحركها المرشد. وإن كان قاليباف وبيزشكيان، نعود إلى المحور الأول: الفساد يحسم النتيجة لقاليباف.
 
تبدأ الحماسة الفعلية إن تحرّكت شرائح شابة في المجتمع الإيراني لاستعادة زمام المبادرة، تماهياً مع "انتفاضة الحجاب" التي خبا نجمها، وإن قرر "الرماديون" أن الأوان آن لإيصال رئيس لا يكرّر تجربة رئيسي التي يُجمع الإيرانيون على فشلها، ولمنع وصول فاسد آخر مثل قاليباف، وللتعبير عن رفض عارم للقمع السياسي والديني، ولتسرّب أموال الضرائب إلى "حزب الله" اللبناني وغيره في العراق وسوريا... فتتجاوز حينها نسبة الاقتراع عتبة 60 في المئة، وتستعيد إيران سيناريو خاتمي في عام 1997، أو سيناريو حسن روحاني في عام 2017، ويعتلي بازشكيان صهوة السلطة السياسية في إيران.
 
حسناً... فماذا لو؟ 
 
ليكن القياس دليلنا هنا أيضاً: ما كانت تجربتا خاتمي وروحاني في تعايش الاعتدال والتطرف بإيران مبشرتين.  فثمة من يقول إن إيران ستقع - حينها - بين فكين: تجربة رئيسي بقضّها، أو تجربة خاتمي بقضيضها. علينا ألا ننسى أن هامش الحرية المتاح لرئيس "معتدل" في التركيبة الشمولية الإيرانية ليس كبيراً، خصوصاً في السياسة الخارجية، وتحسين علاقات إيران بالعالم ليس همّاً من هموم المرشد، ومكافحة الفساد المسكوت عنه ليس متاحاً، والمراهنة على ديموقراطية "ما" من طهران إلى قم هي طريق سريعة إلى الخيبة. وثمة من يقول إن قاليباف في الرئاسة يُبقي إيران هدفاً للنقد، من الداخل ومن الخارج، بينما هذا ما قد لا يتيسّر بوجود بازشكيان، والحجة أنه معتدل وعلينا تعزيز حضور المعتدلين... إلى آخر الآية، إلا إذا أردنا أن نعود إلى فرضية "الرئيس جيّد، لكن من حوله... كذا".
 
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium