منذ أن فرض النظام الإيراني نظرية ولاية الفقيه نهجاً على الشعب الإيراني، بل وحتى شرع في تصديره والسعي من أجل إعادة استنساخه، واجه خصماً فريداً من نوعه، ذلك إنه وعلى الرغم من کل تلك الحملات المنظّمة الموجّهة ضدّ هذا الخصم، والطرق والأساليب المختلفة المتخذة من أجل القضاء عليه، کان ينهض دائماً من تحت الرماد، ويحلّق کطائر العنقاء الأسطوري في سماء إيران. هکذا کان وما زال الخصم والندّ العنيد المتمثل في منظمة "مجاهدي خلق" بالنسبة إلى النظام الإيراني.
ومفيد جداً التذکير بالتحذير الاستثنائي للخميني من هذه المنظمة ومدى الخطورة والتهديد الذي تشکّلهما على النظام، عندما قال: "عدوکم ليس في أميرکا ولا في إسرائيل، إنه هنا"، (في إشارة إلى مجاهدي خلق کما جاء في سياق خطبة له).
إن کان بالإمکان الحديث عن أهم وأکثر أمر لافت للنظر في النظام الإيراني إلى الحدّ الذي يميّزه من غيره من الأنظمة الدکتاتورية، فإنه يجب أن يدور حول منظمة "مجاهدي خلق"، التي خاضت وما زالت تخوض صراعاً ضارياً معه، بدأ منذ الأعوام الأولى، وما زال مستمراً بلا هوادة. والمثير في موقف الطرفين أن کليهما مقتنع باستحالة التعايش معاً، ولا بدّ من حسم الأمر لصالح أحدهما.
إن الدور المميز لهذه المنظمة في مواجهة النظام، وخوضها صراعاً ممتداً أکثر من أربعة عقود، جعلاها تلفت الأنظار بصورة مميزة، فعندما يکون ثمة حديث عن النظام الملکي والنظام الحالي في مسألة أو قضية قد يثيرها مهتمون بالشأن الإيراني، أو محلّلون أو مراقبون سياسيون، فإنهم يطرحون هذه المنظمة طرفاً ثالثاً مع النظامين، وکأنهم واثقون من أنها سوف تمسك بزمام الأمور في إيران في المستقبل المنظور.
لکن ثمة إشکالية أو نوعاً من الاشتباه والخلط غيّر الموقف بين المنظمة وهذين النظامين، بل وحتى بينها وبين معارضات إيرانية أخرى للنظام. فإضافة إلى الدور والتأثير والحضور المميز للمنظمة في داخل إيران، ونشاطها على الصعيد الدولي، مهمٌ جداً الإشارة إلى ان المنظمة کانت وما زالت المعارضة الإيرانية العامة الوحيدة التي تصدّت لمشکلة المکوّنات العرقية والدينية بکل جرأة، وأعلنت عن برنامجها للحکم الذاتي ضمن إيران حرّة ديموقراطية، وأکّدت موقفها هذا مرّات عديدة، سواءً في برنامج المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية أم في تصريحات قادتها البارزين.
وعلى الرغم من توحيد النظام بعملية جراحية ما يسمّى بالفصيل الإصلاحي، وهو ما تمّ بوصول إبراهيم رئيسي إلى السلطة، فإن التناقضات في داخل النظام بين فصائله بلغت ذروتها. والآن، بعد وفاة رئيسي وعشية انتخابات النظام التي ستجرى في 28 حزيران (يونيو)، سرعان ما تظهر هذه التناقضات وتنفجر، وسيتمّ فعلياً إسقاط نظام الملالي الذي يغرق في الأزمات.
الوضع الاقتصادي المتردّي والتضخم والبطالة، مسائل وضعت النظام في أضعف حالاته، ولا أمل لديه في حل أزماته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. وهو يضيف إلى هذه الأزمات أزمات إقليمية ودولية، من حرب غزة إلى الأزمة النووية والعزلة الدولية.
حان الوقت كي يتخلّى المجتمع الدولي عن سياسة الاسترضاء الفاشلة، ويقف إلى جانب الشعب والمقاومة المنظمة في إيران. لذلك، تنظيم تظاهرة احتجاجية كبيرة في هذا العام يمثل المواجهة النهائية وتحييداً لمخططات النظام وشركائه الدوليين ومؤامراتهم ضدّ الانتفاضة من جهة، وإيصالاً لصوت انتفاضة الشعب الإيراني إلى آذان العالم من جهة أخرى.
لهذا الغرض، تنطلق تظاهرات حاشدة للإيرانيين في برلين في 29 حزيران (يونيو) الجاري، بحضور إيرانيين من مختلف دول العالم، لا سيما أوروبا وأميركا، من أجل التعبير عن انتفاضة الشعب الإيراني ضدّ هذا النظام، ودعم البديل الديموقراطي.