ينشغل مراقبو ميدانيات الحروب وتأثيراتها المجتمعية بالدور المنوط استراتيجياً بالإعلام وعلاقته بالتخطيطات العسكرية، وما ينتجه من مواد ويبثه من معلومات لحظوية مرافقة لمراحل كل حدث، وما إذا كان للإعلام دور مفصلي وداعم في تحديد خيارات الحروب، وهل ثمة فرق بين حرب المعنويات وحرب المعلومات وتأثيراتهما على النتائج المستقبلية لأي حرب.
ففي خضم استعار ضجيج الحروب والتقاتل الدائر على غزة ولبنان منذ اندلاع الأحداث في 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، تُطرح أسئلة كثيرة حول دور الإعلام الحربي وأشكال الإعلام الخاصة، والوظيفة التي تؤديها الوسائل والوسائط الإعلامية في تغذية الصناعات القتالية، والتهيئة لتحقيق الانتصار الميداني، بمعزل عن القدرات العسكرية للمتحاربين.
تترافق مع هذه الأسئلة المشروع طرحها والواجب درسها وأخذها في الحسبان، أفكار وطروحات حرفية، من شأن دراستها ووضعها على طاولة البحوث الاستراتيجية أن تقدّم إجاباتٍ مفيدة، وتعطي إضاءات مقبولة تساعد في تظهير الواقع وتساهم في تحديد الخيارات ودراسة واقع الميدان الحربي من منظور كل الفرقاء المتحاربين.
النقطة الأبرز في تحديد مكامن الخطر الذي قد يلحق بالمجتمعات الحربية والميادين القتالية، هي ما إذا كان دور الإعلام الحربي ينحصر في التغطية الإخبارية المباشرة أو في إعداد التقارير وإنتاج التحقيقات وإجراء مقابلات موظفة لخدمة اللحظة القتالية وأهداف الحرب؟ أو تتعدّى ذلك إلى الإعلام السلبي الموجّه، والذي يعتمد على حرب الأعصاب وهدم القدرات وقتل المعنويات عند العدو؟
بالتوازي مع الاهتمام بحرب المعنويات، وفق استراتيجية قتالية ونفسية مدروسة ومتقنة، تبرز بقوة حرب المعلومات الحاملة بمضامينها رزماً من الأسلحة غير المادية، والتي تشكّل بفعاليتها قوة فعَّالة تُلحق الأذى بالعدو من خلال التركيز على إبراز نتائج الميدان وتوثيقها وتدعيمها بأدلة إقناعية موثوقة، ما يعطي المنظومة الإعلامية الحربية صدقية لها دلالتها على مستويين اثنين: مستوى تعزيز ثقة مجتمع الحرب بالمعلومات التي تصله من مرجعياته القتالية ومسؤوليه الحربيين؛ ومستوى تركيز الهدف على إخبار مجتمع العدو بمعلومات تحبطه وتصدم قدرات جماعته، وذلك من خلال توجيه وضخ إعلامي يتلازم مع حيثيات الأحداث ونتائج المعارك، خارج أي تضخيم أو محاولات تضليل أو محاولة الارتكاز على الإشاعات.
ولأن للصورتين المشهدية والصوتية تأثيرهما الكبير في صناعة الصمود وتحقيق النصر، يعتمد الإعلام الحربي الميداني على مستويات عالية من المهارات المعرفية والقدرات التخصصية الواجب أن يتصف بها المراسل الحربي، من معرفة فنون القتال وجغرافيا المعارك وأنواع الأسلحة المستخدمة، بما يمكنه من رصد وملاحظة ما يحدث، ويؤهله لإنتاج مادة خبرية واقعية تكون مستنداً صلباً للانطلاق منها إلى تحليل نتائج المعارك، ووضع قواعد بيانات تساعد في استخدام تقنية التوقع، واستثمار كل معلومة والبناء عليها لدراسة الوضعيات اللاحقة لمراحل الحرب وتطوراتها.
وتشكّل عملية توثيق الأحداث القتالية بتقنية احترافية قاعدة مهمّة في عملية استرجاع المعلومات وربطها بالتواريخ والبناء عليها والعمل على تفكيكها وتحليل معطياتها، مع ما تستوجبه من دراسة مقارنة تمكن من تظهير نقاط القوة والضعف للبناء عليها في مراحل لاحقة. ويتلازم إعلام الحرب مع أدبيات الخبر وأخلاقيات الصورة، وما تحمله من شحنات مؤثرة بالمعنويات وضاغطة على الواقع. وهذا ما يتطلّب احترافية عالية ووعياً دقيقاً لفهم وقائع الأحداث، ومحاولة مقاربتها بعقلانية صريحة وهادئة بعيداً من نار المعارك وتأزيم الأوضاع الراهنة.
د.ليليان قربان عقل
باحثة إعلامية
استاذة جامعية