النهار

القاهرة و"مراجعات" "الإخوان المسلمين"
عمرو فاروق
المصدر: النهار العربي
حرّكت سلسلة "المراجعات" التي انتجتها وأذاعتها قناة "العربية" المياه الراكدة على مدار الأسابيع الماضية حول إشكالية "المراجعات الفكرية"
القاهرة و"مراجعات" "الإخوان المسلمين"
(أرشيفية)
A+   A-
حرّكت سلسلة "المراجعات" التي أنتجتها وأذاعتها قناة "العربية" المياه الراكدة على مدار الأسابيع الماضية حول إشكالية "المراجعات الفكرية"، كاشفة في لقاءات حصرية مع أكثر من 30 شخصية منشقّة عن جماعة "الإخوان المسلمين" الخبايا والصراعات التنظيمية، ويقدّمها الدكتور ضياء رشوان رئيس الهيئة العامة للاستعلامات في القاهرة، والخبير في شؤون مكافحة الإرهاب الدولي.
 
عملية إنتاج حلقات "المراجعات" واختيار توقيت إذاعتها برعاية مباشرة بين الجانب المصري والسعودي على المستوى الرئاسي والأمني (وفقاً لرواية مصادرنا)، ينمّان عن تمهيد كبير لـ"مراجعات فكرية" يتمّ التجهيز لها داخل السجون مع القواعد التنظيمية المحسوبة على جماعة "الإخوان" وحلفائها، لا سيما أنه تمّ تصوير عدد من الحلقات في استديوهات تابعة للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية في مدينة الإنتاج الإعلامي في القاهرة.
 
إذاعة البرنامج عبر قناة "العربية" ربما لمنح "المراجعات الفكرية" بعداً عربياً مثلما تمّ مع مراجعات "الجماعة الإسلامية" التي خرجت من رحم السجون المصرية في عام 2001 تحت مسمّى "تصحيح المفاهيم والمراجعات"، وتبعها مراجعات "تنظيمات الجهاد"، التي صاغها الدكتور سيد إمام تحت عنوان "ترشيد الجهاد" في عام 2007، ونُشرت جميعها في صحف عربية مثل "الشرق الأوسط" و"الحياة" اللندنية.
 
تاريخياً، قدّمت الدولة المصرية إسهامات في مجال المناهضة الفكرية للجماعات الأصولية والمسلحة، وأجرت عشرات المناظرات مع قياداتها داخل السجون، ووضعت تقييماتها أمام لجان متخصصة ومعنية تابعة لجهازي الأمن الوطني والمخابرات العامة في مرحلة التسعينيات وما تلاها، فضلاً عن محاولاتها عقب ثورة 30 تموز (يوليو)، في الوصول إلى صيغة تمكنها من تفكيك المشهد داخل السجون، في ظل استبعاد خروج مبادرة رأسية من داخل "الإخوان" تمهّد أو تدعو لمراجعة الأطر الفكرية للجماعة، ومشروعها السياسي والحركي.
 
نبتعد في حديثنا هذا عن فكرة "المصالحة"، إذ إن الدولة المصرية تعارض تماماً المبادرات المغلفة بالمقايضة السياسية التي انطلقت من داخل السجون، على مدار السنوات الماضية، من دون التطرّق إلى مراجعة الأسس التي قام عليها المشروع الفكري والسياسي والتنظيمي لجماعة "الإخوان".
 
على الرغم من أهمية الخطوة في ذاتها من قبل الدولة المصرية أو المملكة العربية السعودية، فإن هناك فروقاً كبيرة بين التجربة الذاتية للمنشقين، التي لا تنفك ولا تبعد عن طريقة وكيفية الخروج عن الإطار التنظيمي لـ"الإخوان المسلمين"، وبين الإسهامات أو المراجعات التي تنتقد المشروع والإطار الفكري للجماعة.
 
أغلبية ما طرحه المنشقون عن جماعة "الإخوان" لا تمثل سوى تجارب ذاتية تغلفها في النهاية المواقف الشخصية أو الإدارية أو النفسية، ولا يمكن وضعها في إطار "المراجعة الفكرية" التي تستلزم مهارات قرائية وتكونية خاصة، يُمكنها من الاشتباك مع المكون الفكري والتشريعي، وليس مع الأطر الحركية فقط.
 
التمرّد التنظيمي لا يمثل في ذاته نقداً فكرياً أو مراجعة بالمعنى المفهوم، إذ ثمة مسافة فاصلة بين الانفصال الفكري، والانشقاق التنظيمي، فتوثيق التجارب الذاتية للمنشقين يمثل خيطاً مهمّاً في فضح غموض التنظيم السرّي، من واقع الممارسة الميدانية والعملية، في ظل الضوابط التي وضعت لإخفاء وقائعه وآليات تغلغله داخل المجتمع، ومراحل صناعة قوالبه، فضلاً عن التراتبية التنظيمية التي تغلق الأسرار على دائرة بعينها.
 
قليل ممن خرج عن الإطار التنظيمي لـ"الإخوان المسلمين"، يُمكنه نقد الأسس الحاكمة للمرجعية الفكرية للجماعة، أمثال أحمد بان، وطارق أبو السعد، وسامح عيد، وأحمد ربيع غزالي، وعمرو عبد الحافظ (مسجون حالياً)، وفقاً لما سطروه بين دفتي إنتاجهم الفكري على مدار السنوات الماضية، بعيداً من دخولهم في متاهة التخبّط السياسي أو الارتباك التنظيمي للجماعة، أو التماهي مع فقه "الانتقام النفسي"، كما أن الدكتور ثروت الخرباوي، والأستاذ مختار نوح، هما الأقدر على نقد المشروع السياسي لجماعة "الإخوان"، على الرغم من عدم الاستفادة منهما بشكل فاعل والاكتفاء بالزج بهما في معركة كلامية لا تسمن ولا تغني من جوع.
 
في خضم جدلية "المراجعات الفكرية" من عدمها، يتجلّى أمامنا ما قدّمه عمرو عبد الحافظ، وما طرحه من أوراق بحثية تناولت نقد الفكرة الحاكمة لـ"الإخوان"، والتي كانت خلاصة لقاءاته مع عدد من القواعد "الإخوانية" داخل سجن الفيوم، بين عامي 2016 و2017، تحت عنوان "الإخوان ومنهج التغيير"، فضلاً عمّا قدّمه الدكتور أحمد ربيع غزالي، كأول دراسة نقدية في فكر "الإخوان"، تحت عنوان "ألغام في منهج الإخوان"، وطرح أحمد بان "القواعد الأربعون للفكر الإخواني"، وكتاب "الإخوان المسلمون ومحنة الوطن والدين"، وقدّم كذلك سامح عيد "رسائل التكفير في فكر حسن البنا".
 
وفي مضمار التجارب الذاتية، خرج كتاب "جنة الإخوان" لسامح فايز، وكتاب "سر المعبد" للدكتور ثروت الخرباوي، وكتاب "من داخل الإخوان أتكلم" لأسامة درة، وكتاب "تجربتي مع الإخوان... من الدعوة إلى التنظيم السرّي" للدكتور عبد الستار المليجي، و"مذكرات أخت سابقة... حكايتي مع الإخوان" للروائية انتصار عبد المنعم، و"كنت إخوانياً... وأصبحت مصرياً" لطارق البشبيشي، وكتاب "حتى لا تقع في الشباك" لخميس الجارحي، وكتاب"عرفت الإخوان في السجن" لعماد عبد الحافظ، و"صندوقي الأسود" للكاتبة الصحافية ناهد إمام.
 
محاولة النقد الفكري للمشروع البناوي القطبي، المساحة الأهم والأوسع في تناول وتفكيك المعاني التي بُنيت عليها أركان جماعة "الإخوان المسلمين"، وفق منهجية علمية، في ظل ترسيخ مفاهيم الجندية وعسكرة التنظيم، والانعزالية المجتمعية، والتعبئة الفكرية الأحدية، وقدسية القيادات، وتحقير المجتمع، والاستعلاء الإيماني، وتقديم الانتماء للتنظيم على الانتماء للوطن، والترويج للخلافة على أنها من أركان الإسلام.
 

اقرأ في النهار Premium