خالد العزي
يبدو أن الهوة باتت تتسع بين موسكو ويريفان، فالتصعيد الدبلوماسي بينهما لم يعد زوبعة في فنجان بل بات ينذر بخروج أرمينيا من عباءة روسيا، إذ قال رئيس البرلمان الأرميني ألين سيمونيان، أثناء وجوده في ريغا عاصمة دولة لاتفيا الأسبوع الماضي، إن روسيا لا تفي بالتزاماتها تجاه بلاده، ولذلك ستتجه يريفان نحو الاتحاد الأوروبي. وهذا الكلام عزز البيان الذي أدلى به سابقاً أمين مجلس الأمن الأرميني أرمين غريغوريان وفيه أن موسكو استولت على إقليم ناغورني كاراباخ وسلمته إلى أذربيجان، معتبراً أنه "لولا إذن روسيا لما كانت هناك حرب"، ومؤكداً أن مصير العلاقات بين أرمينيا وروسيا يعتمد على الأخيرة.
ويلاحظ في المدة الأخيرة أن حصة روسيا من الإمدادات العسكرية إلى يريفان انخفضت من 95% إلى أقل من 10%، وموسكو باتت بحاجة لها بسبب حربها في أوكرانيا. وفي الوقت الذي تشتكي فيه موسكو من أن أرمينيا تشتري أسلحة من دول أخرى، تخلفت عن تسليم السلاح إلى أرمينيا بموجب عقود 2021-2022.
وتعلق موسكو على ذلك بتوضيحين: الأول أنه في كانون الثاني (يناير) 2024، أعلنت وزارة الدفاع الأرمينية أنه تم حل المشكلات المتعلقة بتوريد الأسلحة التي تم شراؤها سابقاً من روسيا، والثاني أن السلطات الأرمينية ترفض دفع الاشتراكات في منظمة معاهدة الأمن الجماعي، موضحة أنها جمدت بالفعل مشاركتها في المنظمة بسبب عدم الرضا عن موقف روسيا من النزاع الأرميني الأذربيجاني.
في روسيا، تم استقبال ادعاءات غريغوريان بغضب غير مخفي، وقال رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الاتحاد غريغوري كاراسين، إن أمين مجلس الأمن الأرميني يجب أن يبحث عن أسباب الهزيمة ليس في روسيا، بل في وطنه، وزاد: "نحن بحاجة إلى الرجوع إلى سجلات الشخصيات السياسية الأرمنية وخطبها، بمن في ذلك القيادة العليا. الإجابات عن هذه الأسئلة موجودة هناك، هذه السجلات معروفة، فليقرأها".
تتهم روسيا أرمينيا بأن كاراباخ "لم تكن فقط غير ضرورية لرئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان، ولكنها كانت نقطة خلاف في الداخل الأرمني، لذلك فضل أن يحذو حذو أصدقائه الغربيين".
وروسيا التي ترى أن أرمينيا وضعت قوات حفظ السلام الروسية في المنطقة في موقف صعب، تعتقد أن هذا كان شرط صداقتها الجديدة مع الغرب، لأن الغرب لا يحتاج إلى قوات حفظ سلام روسية في كاراباخ، كذلك الحال بالفعل مع عضوية أرمينيا في منظمة معاهدة الأمن الجماعي أو وجود قاعدة روسية في غيومري. وبهذا الهجوم باتت روسيا ترى بأن رئيس الوزراء الأرمني باشينيان هو خصم فعلي لسياستها في القوقاز، لا سيما بعد الموافقة على قرار المحكمة الجنائية الدولية وكذلك الإعلان أن بلاده سوف تخرج من منظمة الأمن الجماعي.
وكما يبدو، فإن هذا لم يكن كافياً للسلطات الأرمينية، إذ أعلن رئيس مجلس النوب الأرميني أن دولته اتخذت قراراً بأن تكون جزءاً من الاتحاد الأوروبي. ووفقاً له، قد يتم إجراء استفتاء في الجمهورية في المستقبل القريب، وستصوت خلاله غالبية الأرمن لمصلحة التكامل الأوروبي.
أما موقف أذربيجان فعبر عنه مساعد الرئيس الأذربيجاني حكمت حاجييف، وشدد على أن بلاده لا تريد الانتقام من أرمينيا بل أظهر أن هذه الأوهام هي ليست في محلها، وقد دعا في الوقت نفسه سلطات الجمهورية المجاورة إلى "وضع حد لسياسة العسكرة حتى لا تتكرر الأخطاء التاريخية".
وتشدد باكو على أن روسيا لم تأخذ أي شيء من أرمينيا، بل أذربيجان هي التي استولت على أراضيها". والجيش الأذربيجاني كان مستعداً في عام 2020 لاستعادة كامل كاراباخ، بما في ذلك ستيباناكيرت. وقال يجب على أرمينيا استخلاص استنتاجات من الهزيمة في الحرب، لكن القيادة السياسية في يريفان تحاول اتهام روسيا بالتهرب من المسؤولية.
ويمكن القول بأن أرمينيا تريد تحويل اللوم في سقوط ناغورني كاراباخ عن نفسها إلى روسيا. وبطبيعة الحال، تتحمل موسكو أيضاً جزءاً من المسؤولية، حيث عاد الناس إلى كاراباخ معتمدين على قوات حفظ السلام التابعة لها. ولكن، للأسف، حدث أنهم أجبروا على مغادرة هذه المنطقة ولم تستطع روسيا فعل أي شيء. في الوقت الذي كانت أرمينيا وروسيا الضامن الفعلي لأمن ناغورني كاراباخ وشعبها. وكان ينبغي عليهم أن يعترفوا باستقلال ناغورني كاراباخ خلال حرب 2020. أو التوصل إلى اتفاقية سلام من خلال منظمة الأمن الجماعي.
لكن السؤال الذي بات يطرح نفسه: هل استطاعت روسيا ردم الهوة بينها وبين يريفان وحل الخلافات التي باتت تهدد العلاقة بين الدولتين ومنع اتساع الهوة بين العاصمتين؟
خالد العزي