النهار

تكريس المبادئ الخمسة للتعايش السلمي والعمل سويّاً لنكون قوة مستقرة تسهم في الحفاظ على السلام
المصدر: النهار العربي
على مدار 70 عاماً ماضية، لطالما نفّذت الصين المبادئ الخمسة للتعايش السلمي بأمانة تامة. منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية، لم تشن الصين حرباً ولم تحتل شبراً واحداً من أراضي أي بلد آخر.
تكريس المبادئ الخمسة للتعايش السلمي والعمل سويّاً لنكون قوة مستقرة تسهم في الحفاظ على السلام
الرئيس الصيني شي جينبينغ يصل للقاء نظيره الروسي على هامش قمة قادة الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون في أستانا، 3 تموز (يوليو) 2024 (أ ف ب)
A+   A-
تشيان مينجيان*
 
في الأيام الأخيرة، انعقد مؤتمر لإحياء الذكرى السنوية الـ70 لطرح المبادئ الخمسة للتعايش السلمي في قاعة الشعب الكبرى في بكين. وحضر الرئيس الصيني شي جينبينغ المؤتمر، وألقى كلمة مهمّة بعنوان "تكريس المبادئ الخمسة للتعايش السلمي والعمل سويّاً على بناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية". وأصدر المؤتمر "إعلان بكين الصادر عن المؤتمر المنعقد لمناسبة الذكرى الـ70 لطرح المبادئ الخمسة للتعايش السلمي"، الذي يقدّم الحكمة الصينية والحلول الصينية للحفاظ على السلام العالمي.
 
أوّلاً: عمل عظيم ومساهمة تاريخية لا تمحى لقضية تقدّم البشرية
 
قبل 70 عاماً، تنامت حركات الاستقلال والتحرّر الوطنيين مع تفكّك النظام الاستعماري في العالم. كانت الدول الجديدة التي نالت استقلالها للتو ترغب في الحفاظ على سيادتها الوطنية وتنمية اقتصادها القومي. فطرحت القيادة الصينية للمرّة الأولى المبادئ الخمسة بكامل أبعادها، التي تشمل الاحترام المتبادل للسيادة وسلامة الأراضي، وعدم الاعتداء، وعدم التدخّل في الشؤون الداخلية، والمساواة والمنفعة المتبادلة، والتعايش السلمي، وأصبح هذا الإعلان بمثابة عمل عظيم ذي أهمية كبيرة في تاريخ العلاقات الدولية.
 
على مدار 70 عاماً ماضية، لطالما نفّذت الصين المبادئ الخمسة للتعايش السلمي بأمانة تامة. منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية، لم تشن الصين حرباً ولم تحتل شبراً واحداً من أراضي أي بلد آخر. عند انعقاد المؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الصيني، صرّح الرئيس الصيني شي جينبينغ بأنّ "الصين لن تسعى وراء الهيمنة أبداً، ولن تنخرط في التوسع الخارجي أبداً". إنّ الصين هي الدولة الوحيدة في العالم التي أدخلت التزامها مسار التنمية السلمية إلى دستورها، والدولة الوحيدة التي وعدت بعدم البدء باستخدام الأسلحة النووية.
 
بعد مجيئي إلى لبنان، شعرتُ بشدّة برغبة الشعب اللبناني في تحقيق السلام. لطالما دعمت الصين لبنان بقوة في حماية سيادته واستقلاله وسلامة أراضيه، وحماية أمنه واستقراره الوطنيين. كما شاركت الصين بنشاط في عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام في لبنان، حيث أرسلت 22 دفعة من قوات حفظ السلام، وبذلت جهوداً دؤوبة للحفاظ على الأمن في لبنان والمنطقة. وفي مواجهة جولة جديدة من الصراع الحدودي بين لبنان وإسرائيل، دعمت الصين لبنان بقوة في المناسبات الدولية، وقدّمت مليون دولار أميركي كمساعدات إنسانية للبنان، لتصبح من أوائل الدول التي قدّمت مساعدات إنسانية للبنان.
 
ثانياً: مواكبةً للعصر الحالي، إنّ مفهوم بناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية خير وراثة وتكريس وترقية للمبادئ الخمسة للتعايش السلمي 
 
على مدى العقود السبعة الماضية، تجاوزت المبادئ الخمسة للتعايش السلمي المكان والزمان مهما كانت الفوارق، وازدادت متانتها وحداثتها على مرّ الزمان، وقدّمت المبادئ الخمسة للتعايش السلمي إرشاداً صائباً لإقامة العلاقات بين الدول ذات النظم الاجتماعية المختلفة وتطويرها. كما حشدت هذه المبادئ الخمسة قوة جبارة للوحدة والتعاون والتقوية الذاتية عبر التضامن بين الدول النامية، الأمر الذي قدّم مساهمة تاريخية لا تمحى لقضية تقدّم البشرية.
 
في يومنا هذا، بعد 70 عاماً، وفي وجه الموضوع المهمّ المتمثل في "ما هو العالم الذي يجب بناؤه وكيف بناء هذا العالم"، أعطت الصين جوابها في هذا العصر، ألا وهو بناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية. 
 
ينحدر مفهوم بناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية والمبادئ الخمسة للتعايش السلمي من أصل واحد، فهو توارث الجوهر الروحي للمبادئ الخمسة للتعايش السلمي ونصب قدوة جديدة للمساواة والتعايش، وفتح أفقاً جديداً للسلام والتقدّم، ما أثرى الممارسات الجديدة في مجالي التنمية والأمن.
 
واستخدم الرئيس الصيني شي جينبينغ في كلمته المثل الصيني القديم الذي يقول إنّ "الرجل الفاضل يحب الآخرين والرجل الحكيم يفيد الآخرين"، والمثل العربي الشبيه "باتحاده يشتعل الفحم وبتفريقه ينطفئ"، ما يعكس بشكل كامل الاعتراف الكبير للصين والدول العربية بمفهوم مجتمع المستقبل المشترك للبشرية. وفي السنوات الأخيرة، حافظ كل من الصين ولبنان على تعاون وثيق في مجالات السياسة والاقتصاد والجيش والثقافة والتعليم وغيرها، ووقّع الجانبان على وثيقة تعاون "الحزام والطريق". وفي عام 2023، وصل حجم التجارة الثنائية بين الصين ولبنان إلى 2.44 مليار دولار أميركي. كما سيتمّ الانتهاء من مشروع المعهد الوطني اللبناني العالي للموسيقى الممول بهبة من الصين عند حلول نهاية هذا العام، ما سيضع معياراً جديداً للصداقة التقليدية بين الصين ولبنان.
 
ثالثاً: في مواجهة المستقبل، يمضي "الجنوب العالمي" قدماً يداً بيد ليكون قوة مستقرة تسهم في الحفاظ على السلام
 
أثبتت 70 عاماً من مسيرة التطور مراراً وتكراراً، أنّ تعزيز التضامن والتعاون وتدعيم التواصل والتفاهم، لأمر يمثل الطريق الفعّال الذي تلجأ إليه دول العالم لمواجهة التحدّيات وخلق المستقبل. وبالنظر إلى العالم، فإنّ دول "الجنوب العالمي"، بما فيها الصين ولبنان، تلعب دوراً حاسماً في الدفع بتقدّم البشرية. عند نقطة انطلاق جديدة من التاريخ، ينبغي أن يمضي "الجنوب العالمي" قدماً يداً بيد بموقف أكثر انفتاحاً وشمولاً، في طليعة بناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية.
 
واقترح الرئيس الصيني شي جينبينغ أنّه علينا أن نكون قوة مستقرة تسهم في الحفاظ على السلام، وقوة جوهرية للانفتاح والتنمية، وقوة بنّاءة للحوكمة العالمية، وقوة دافعة لتبادل الاستفادة بين الحضارات. وشدّد الرئيس شي جينبينغ على أنّ عزيمة الصين على سلك طريق التنمية السلمية لن تتغيّر، وعزيمة الصين على تعزيز الصداقة والتعاون مع كافة الدول لن تتغيّر أيضاً، ولن تتغيّر عزيمة الصين على تعزيز التنمية المشتركة في العالم. وأعلن جينبينغ عن إنشاء مركز الدراسات لـ"الجنوب العالمي"، وتقديم 1000 منحة دراسية و100 ألف فرصة للدراسة التدريبية لدول "الجنوب العالمي" في السنوات الخمس المقبلة، ما يضيء الطريق لبلدان "الجنوب العالمي" لمواجهة التحدّيات، والسعي إلى التنمية المشتركة والتسامح والتعلّم المتبادل.
 
سوف تكرّس الصين المبادئ الخمسة للتعايش السلمي، وستدفع نحو حلّ النزاعات الإقليمية بالطرق السلمية، وستنفّذ بحزم مبادرة التنمية العالمية، ومبادرة الأمن العالمي، ومبادرة الحضارة العالمية، من أجل دفع بناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية.
 
*سفير جمهورية الصين الشعبية في لبنان
 
 

اقرأ في النهار Premium