يلاحظ مراقبو تطورات الأحداث وتراكماتها داخلياً واقليمياً أن المرأة غائبة إعلامياً عن المشهد السياسي اللبناني، في ثلاثية وجوهه الموزعة بين الموالاة والمعارضة والتغيير، بحيث تفتقد التحركات إلى الدور الفكري والنقدي والاعتراضي للمرأة، من حيث هي شريك في صناعة الرأي العام، ومحرّك للقضايا الوطنية الساخنة، والتي تستوجب منها رسم إطار اجتماعي لإثبات حضورها وتأكيد دورها والدفاع عن موقعها كشريك متفاعل مع المجتمع في الأمور المفصلية والحادة، خصوصاً في ظروف النزاعات وبروز الأزمات واشتداد الخلافات بين مكونات الوطن.
ففي حين تحفل الساحات الإعلامية والمواقف الوطنية بحضور استقطابي واسع للرجل، وتشهد غياباً واضحاً للمرأة، إن على مستوى القيادة السياسية أو على نطاق الحضور المؤثر في الشأن العام، يبرز التساؤل عن السبب الدافع إلى ضمور دور المرأة وإحجامها عن الانخراط في العملية الديموقراطية، واتخاذ موقف صريح مما يجري من أحداث، وما تتركه حالة الشغور الرئاسي من تداعيات على أكثر من مستوى، دستوري واجتماعي وسياسي واقتصادي، وما يتعدّاه إلى مختلف مفاصل الحياة المجتمعية.
فليس الوضع السياسي سليماً إن لم تعد المرأة إلى القيام بدورها، حزبياً وسياسياً واجتماعياً وإعلامياً، لتأكيد استعادة مكانتها وتثبيت شراكاتها كعنصر فاعل ووازن له دور مؤثر في ضبط إبرة ميزان المعادلة السياسية، التي لن تنتظم إلّا من خلال استرجاع ثقة المرأة بصنّاع القرار، وإعادة ثقة السياسيين والمجتمع الفكري بالمرأة، ومنحها فرصة الحضور من جديد، ودعم تحركها ومساندة حراكها، بعيداً من تصنيف وتوصيف مواقفها، وعدم إطلاق الأحكام المسبقة عليها. فكيف ينتظم الدور الوطني العام إن لم تكن المرأة شريكة فاعلة فيه، ومساهمة في صناعة سياساته؟
الملاحظ هو غياب المرأة اللبنانية، التي كانت سيدة الساحات ورائدة الحراكات الميدانية، عن مواقع القرار وظروف الاعتراضات الرافضة للواقع والمطالبة بحقوق والساعية إلى التغيير. والسؤال الذي يطرح بقوة حول هذا الغياب هو: هل استقالت المرأة من دورها طوعاً؟ أو غابت قسراً؟ وفي الحالتين، يتبين أن المرأة تركت شغوراً واسعاً في ميدانيات الواقع.
فقد غابت كتاباتها، ونضبت مواقفها الفكرية، واضمحل دورها القيادي والاعتراضي والنقدي، وفقدت حيثيتها كشريك مؤثر وقيادي في صناعة القرار وتشكيل قوى الضغط والتغيير، وبتنا أمام حراك مجتمعي أعرج، لا يقوى على السير في معارج الأحوال، الأمر الذي ترك آثاره السلبية على الواقع الإعلامي والاجتماعي اللبناني، بحيث تحول المشهد بالألوان إلى صورة ناشفة بالأبيض والأسود، تعوزها الجمالية وتفتقد إلى اللَّونية المحركة للمتخيلات والمحرّضة للأفكار والمولّدة للطروحات.
وأيّاً كانت أسباب غياب المرأة عن مشهديات الأحداث، فإن الواقع يحكم على المرأة بالقصور، ولا يجد لها مبررات تدعم هذا الغياب، إلّا إذا كان غيابها قراراً استراتيجياً يتناسب مع قدراتها ومواقفها غير المحمية وغير المدعومة، فوجدت نفسها وحيدة ومتروكة، فقررت الانكفاء.
+أستاذة جامعية