النهار

حقيقة الخطأ الذي حدث: الغرب وفشل الديموقراطية في الشرق الأوسط
المصدر: النهار العربي
صدر مؤخّراً كتاب جديد مهمّ لعالِم السياسة الأميركي اللبناني الأصل فواز جرجس، بعنوان "حقيقة الخطأ الذي حدث: الغرب وفشل الديموقراطية في الشرق الأوسط"، وهو يتناول موضوعاً مهمّاً للغاية لم تتراجع أهميته منذ عقود. ​
حقيقة الخطأ الذي حدث: الغرب وفشل الديموقراطية في الشرق الأوسط
صورة من الأرشيف لتظاهرة في طهران دعمًا لرئيس الوزراء الراحل محمد مصدق، 25 تموز (يوليو) 1953
A+   A-
وليد محمود عبد الناصر
 
صدر مؤخّراً كتاب جديد مهمّ لعالِم السياسة الأميركي اللبناني الأصل فواز جرجس، بعنوان "حقيقة الخطأ الذي حدث: الغرب وفشل الديموقراطية في الشرق الأوسط"، وهو يتناول موضوعاً مهمّاً للغاية لم تتراجع أهميته منذ عقود. 
 
وإن كان الكتاب يركّز على حالتي إيران في عهد مصدق (1951 – 1953)، ومصر في عهد عبد الناصر (1954-1970)، فإنه تناول في مواضع كثيرة مجمل الرؤية الغربية، بخاصة الأميركية، للمنطقة العربية آنذاك، سواء بشكل عام أو في ما يتعلق بالمسألة الديموقراطية، وسوف نركّز هنا على هذا الجانب.
 
عندما يتناول المؤلف علاقة الغرب، خصوصاً واشنطن، بإيران خلال حكم محمد رضا بهلوي، فإنه يعرض للدور المنوط بإيران حينذاك في خدمة المصالح الغربية، خصوصاً الأميركية، في المحيط الجغرافي لإيران، خصوصاً منطقة الخليج الثرية بالنفط، وهو ما وصفه البعض بدور "شرطي الخليج"، سواء تجاه توجّهات ثورية داخلية مثل حالة تدخّل الجيش الإيراني في ظُفار بسلطنة عُمان إلى جانب الجيش العُماني ضدّ حركة التمرّد اليسارية، أو تجاه تدخّلات خارجية، سواء كانت من دول ثورية في الإقليم مثل مصر الناصرية واليمن الجنوبية اليسارية أم من دول ثورية خارج الإقليم مثل الاتحاد السوفياتي السابق والصين الشعبية في زمن الماوية.
 
وبعد نجاح الإنقلاب العسكري الذي دبّرته الاستخبارات المركزية الأميركية لإسقاط حكومة مصدق المنتخبة ديموقراطياً في إيران في عام 1953، أصبح لإيران دور محوري في الأحلاف الغربية التي أراد الغرب، بقيادة واشنطن، فرضها على الشرق الأوسط لتجميع حلفائه ولحجب المنطقة عن أي تغلغل شيوعي، سوفياتي أو صيني، في خمسينات القرن العشرين وستيناته. 
 
وفي خلال حكم ثوار يوليو لمصر، مارس الغرب، خصوصاً واشنطن، ضغوطاً لانضمام مصر للأحلاف الغربية في المنطقة، لكن مصر قاومت ذلك، سواء خلال حكم محمد نجيب (1952 – 1954) أو خلال حكم جمال عبد الناصر (1954 – 1970). 
 
وظهرت صيغ أحلاف متعددة ومتنوعة، بين مذهب "أيزنهاور" الذي اقترحته واشنطن في خمسينات القرن العشرين لملء ما أسمته "الفراغ الاستراتيجي" الناتج من انسحاب القوى الاستعمارية التقليدية من المنطقة، و"حلف بغداد" الهادف لتجميع الدول المحافظة في المنطقة لمواجهة القوى غير التقليدية ممثلة في مصر الناصرية والدول والقوى المؤيّدة لها، و"الحلف المركزي" الذي استهدف "حماية" المنطقة من تمدّد التأثير السوفياتي، إضافة إلى "الحلف الإسلامي" الذي ضمّ دولاً موالية للغرب في المنطقة لمجابهة ما كان يسمّى بالدول العربية التقدمية، مثل مصر وسوريا والعراق والجزائر واليمن في ستينات القرن العشرين، وهي صيغ كان مآلها كلها الفشل، ولم يكن ضمن معايير الانضمام إليها أن يكون الحكم ديموقراطياً.
 
يوثق الكتاب الذي بين أيدينا، أن المسألة الديموقراطية لم تكن مثارة بشكل جدّي في تعامل الغرب، خصوصاً واشنطن، مع القيادة الناصرية، خصوصاً إذا قارنا ذلك بالضغوط الغربية والأميركية على القيادة الناصرية لتقديم تنازلات في مجالات أخرى مثل التراجع عن التعاون مع الاتحاد السوفياتي السابق، على الصعيدين العسكري والمدني، من جهة، أو الضغط لانضمام مصر إلى أحلاف غربية في المنطقة، من جهة ثانية، أو لدفع مصر آنذاك للقبول بتسويات سياسية مع إسرائيل، بما يضمن أمن إسرائيل وتفوقها، ومنح الغطاء لقيام دول عربية أخرى بتسويات مماثلة مع إسرائيل من دون تحريض الجماهير العربية ضدّها من جانب القيادة الناصرية وأنصارها في المنطقة، والأدوات الإعلامية والعسكرية والأمنية والاستخباراتية التابعة لها، من جهة ثالثة.
 
علينا أن نتذكّر أن الغرب لجأ إلى دعم الدول والقوى المعادية للقيادة الناصرية، خصوصاً خلال ما يُعرف تاريخياً بزمن "الحرب الباردة العربية" بين عامي 1956 و1967، كما أطلق عليه عالم السياسة الأميركي الراحل مالكولم كير، عندما احتدم الصراع ووصل إلى درجات الصدام المباشر أحياناً بين ما كان يُسمّى بالدول الراديكالية العربية وفي مقدمتها مصر الناصرية وسوريا والعراق تحت قيادة حزب البعث أو قوى قومية عربية، والجزائر بعد استقلالها في عام 1962، واليمن بعد ثورة الجيش فيها في عام 1962، في مواجهة البلدان العربية المحافظة أو المعتدلة والتي ضمّت المملكة العربية السعودية والمملكة الأردنية الهاشمية وأحياناً تونس والمغرب ولبنان والسودان. فقد وقف الغرب عموماً، والولايات المتحدة وبريطانيا خصوصاً، في معسكر داعمي الخندق المناهض للقيادة الناصرية، بما في ذلك استنزاف القدرات العسكرية والاقتصادية المصرية في حرب اليمن عقب التدخّل العسكري المصري بطلب من ثورة الجيش هناك في أيلول (سبتمبر) 1962، ودعم تلك القوى الغربية الطرف الملكي في الحرب الأهلية هناك المدعوم آنذاك من السعودية. وذهب البعض إلى حدّ القول إن الغرب أفسد في تلك الحقبة محاولات كانت تبذلها بلدان وقوى عربية لتصالح المعسكرين العربيين المتصارعين، وإن الغرب لعب دوراً في الوقيعة بينهما أصلاً عقب العدوان الثلاثي على مصر في عام 1956.
 
وهكذا يثبت فواز جرجس في كتابه المهمّ الأخير، أن الغرب على مدار خمسينات القرن المنصرم وستيناته لم يكن ضمن أولوياته بناء الديموقراطية، أو حتى الدفاع عنها، في الشرق الأوسط، بما فيها البلدان العربية.
 

اقرأ في النهار Premium