النهار

ماذا يعني انتخاب مسعود بزشكيان رئيساً لإيران؟
موسى أفشار
المصدر: النهار العربي
ماذا تعني الانتخابات الرئاسية للنظام بالمعنى السياسي الحقيقي؟ وهل يستفيد خامنئي من تولي مسعود بزشكيان منصب الرئاسة؟
ماذا يعني انتخاب مسعود بزشكيان رئيساً لإيران؟
المرشد الأعلى والرئيس خلال إحياء ذكرى عاشوراء في طهران (أ ف ب)
A+   A-
ماذا تعني الانتخابات الرئاسية للنظام بالمعنى السياسي الحقيقي؟ وهل يستفيد خامنئي من تولي مسعود بزشكيان منصب الرئاسة؟ لماذا لم تتم تصفية بزشكيان من  مجلس صيانة الدستور منذ البداية؟ ما هو تأثير هذا التغيير على سياسات خامنئي والنظام ومستقبل الحركة الاحتجاجية؟
 
من أجل تقييم النتائج السياسية للانتخابات الرئاسية، ينبغي دراسة القوى المشاركة في هذه الانتخابات، والعلاقات بين القوى القائمة. في هذه الانتخابات، كانت المواجهة الرئيسية بين الشعب الإيراني والنظام حول الحقوق والحريات المضطهدة، وفي الوقت نفسه، كان الصراع الداخلي في النظام حول السلطة والنهب. وينبغي دراسة هذين المجالين بشكل منفصل للحصول على صورة واضحة عن الوضع.
 
وتظهر المقاطعة الواسعة للانتخابات من قبل الشعب فشل خامنئي في مواجهة الإرادة الشعبية. من ناحية أخرى، الصراع الداخلي للنظام وعدم قدرة خامنئي على الإتیان بالبیدق المفضل عنده، يظهران أيضاً الضعف والانقسام داخل النظام. نتيجة لذلك، شهد خامنئي إخفاقياً مزدوجاً: فشل في أعلى مستويات الحكم أدى إلى انقسام داخلي للنظام، وفشل على مستوى الشارع بات یمهّد الطريق لانتفاضة شعبية في مستقبل قریب.
 
 
كان للمقاطعة الشعبية للانتخابات طابع شامل وواسع. وشملت هذه المقاطعة أبناء المدن وأصحاب الدخل المتواضع المهمشين والقرى وأهل السنة والقوميات المضطهدة وقطاعاً كبيراً من الطبقة الوسطى. وخلق هذا الوضع أزمة غير عادية للنظام. وأظهر "مجاهدي خلق" والمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية من خلال عينات واسعة النطاق أن انتخابات النظام قد قاطعها أكثر من 90 في المئة من الشعب. وحتى مع الأخذ في الاعتبار التقارير الرسمية للنظام، فإن أرقام المشاركة هي في أدنى مستوياتها منذ وصول النظام إلى السلطة، ما يدل على الفشل الخطير للنظام.
 
وبسبب الوضع المزري والظروف الخاصة الذي يعيش فيه النظام، أجبر على خامنئي القبول بنتائج صناديق الاقتراع في داخل النظام والقبول بالانقسام الداخلي من خلال قبول رئاسة بزشکیان. وتظهر هذه القضية أن خامنئي رأى مصالح نظامه وبقاءه في الرضوخ لهذه الفجوة. ونتيجة لذلك، يظهر التقييم السياسي للانتخابات الرئاسية أن خامنئي واجه إخفاقات متتالية، وكان لهذه الإخفاقات آثار دائمة وكبيرة على النظام، وهي التي‌ ستمهد للانتفاضة الشعبية.
 
إن مقاطعة الشعب للانتخابات تظهر بوضوح عدم الرضا العميق عن النظام. وهذا الوضع يمكن أن يؤدي إلى زيادة الضغوط الداخلية والأزمات السياسية. إن رفض الشعب المشاركة في الانتخابات المتتالیة يعني انعدام الثقة في النظام السياسي القائم، وعدم الرضا عن أداء النظام. يمكن هذه الضغوط أن تساعد في تسريع عملية التغييرات السياسية والاجتماعية، وتؤدي إلى تحديات جديدة للنظام.
 
كما أن عدم المشاركة الواسعة في الانتخابات ومقاطعتها يمكن أن يؤديا إلى تعزيز الحركات الاحتجاجية والانتفاضات الشعبية. ومع تزايد السخط والضغط على النظام، يمكن أن تظهر الحركات الاحتجاجية على نطاق أوسع في المجتمع، وتصبح التحديات أشد خطورة على النظام. ويمكن أن يؤدي هذا الوضع إلى زيادة الوعي العام، وتنظيم أفضل للمتظاهرين، وممارسة المزيد من الضغط على النظام. وقد تنشط الحركات الاحتجاجية بقوة بعد فشل وعود بزشكيان الانتخابية، أو فشله المحتمل في إدارة الأزمات.
 
 
مقاطعة الشعب للانتخابات كاستفتاء
عبرت أغلبية الشعب عن رأيها في مقاطعة الانتخابات. ويزعم النظام أن 61 في المئة من الإيرانيين قاطعوا الانتخابات، في حين أن الواقع أقرب إلى 88-91 في المئة. وعندما يؤكد النظام نفسه على المقاطعة، فإن ذلك يدل على أن الانتخابات أصبحت وسيلة للتعبير عن الرأي الجماعي للشعب.
 
واستخدم خامنئي عصابة الإصلاحات في الانتخابات، ووظف بزشكيان من أجل زيادة نسبة المشارکة ومواجهة المقاطعة للانتخابات. لكن الإصلاحية المزعومة لا أثر لها في هذا النظام وقد مضى عصرها. وفي نهاية المطاف، يستهلك خامنئي الإصلاحيين لأهدافه المرحلیة ثم يرميهم جانباً.
 
تخظى مقاطعة الانتخابات بالأهمیة بالنسبة إلى خامنئي، لأنها تعادل شرعية النضال ضد النظام، وتعبر عن المطالبة الشعبية الواسعة بإسقاطه. وكان على خامنئي أن يختار بين مواجهة المقاطعة أو سحب مرشحه المفضل من صناديق الاقتراع، وفضل الخيار الأول لأن المناسب له هو بقاء النظام.
 
وهنا يتجلى الدور الفريد لإبراهيم رئيسي بالنسبة إلى خامنئي. ويمكن أن نفهم أن غيابه وجه ضربة قاتلة للنظام الإيراني. وكانت الميزة الأهم لإبراهيم رئيسي بالنسبة إلى النظام هي أنه وحّد القاعدة السياسية لخامنئي في الهيئة الحاكمة. ونتذكر أنه في انتخابات عام 2021، اتحدت كل عصابات المتشددین لصالح إبرهيم رئيسي، ووضعت خلافاتها جانباً.
 
ولا يستطيع النظام أن يتخلى عن أمرين: قمع المجتمع وهيمنة خامنئي. إن وقف القمع ضد المجتمع المدني يساوي إسقاط النظام، كما أن منح الآخرين جزءاً من الهيمنة ليس ممكناً أيضاً.
 
وعلى الرغم من خضوع خامنئي لهذا الانقسام، فإن بزشكيان لا يستطيع العمل خارج هذا الإطار. فالرئيس في هذا النظام لا حول له ولا قوة، ولا يستطيع تغيير خط النظام وإستراتيجيته، لأن التوتر والانقسام في النظام ناتجان من تأكّله الجذري، وليس من إطار صلاحيات بزشكيان.
 
 
باختصار، النظام وخامنئي لا يغيران نهجهما، وتبقى الساحات المرافقة للمرشد الأعلى بيده من دون نقصان.
 
ونظراً إلى مواقف بزشكيان من قاسم سليماني والمیلیشیات التابعة للنظام الإيراني في المنطقة، فمن غير المرجح أن يكون هناك أي تغيير في سياسة الاسترضاء الغربي مع هذا النظام. تتحرك الحكومات الغربية بناءً على مصالحها الديبلوماسية والتجارية وتختبر الوضع، غیر أن العلاقات الماضية لا يمكن أن تتكرر بسبب التغيرات المهمة التي حدثت في العام الماضي أو العامين الماضيين.
 
حدثان كان لهما تأثير خطير على علاقات النظام مع الحكومات الغربية: حرب أوكرانيا وحرب غزة. حرب أوكرانيا مهمة للغاية بالنسبة إلى الغرب، والنظام الإيراني يقف على خط المواجهة ضد الغرب. وللحرب في غزة، التي بدأها خامنئي، آثار خطيرة على العلاقات. بشكل عام، أدت الظروف الجديدة إلى تغيير علاقات النظام الديبلوماسية والتجارية مع الغرب. ولن يتمكن رئيس النظام الجديد من إحداث تغييرات جدية في هذا المجال.
 
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل يواجه النظام بعد الانتخابات المزيد من الأزمات، أم أن أزماته ستتراجع؟ لا ننسى أن خامنئي تورط في حرب غزة قبل 9 أشهر لمنع الانتفاضات. الأزمة الرئيسية للنظام هي أزمة الإطاحة به. وقد فرضت المقاطعات الشعبية في مختلف الانتخابات ضغوطاً هائلة على النظام. لقد اضطر علي خامنئي للخضوع للانقسام الداخلي، لكن هذا الوضع لن يغير نهج النظام.
 
ولم يتمكن خامنئي من سحب مرشحه المنشود من الصندوق الاقتراع لأن قاعدته الانتخابية انهارت. أزمة النظام الأساسية هي أزمة الإطاحة به ومواجهة الحراک الثوري. وتقع المقاومة المنظمة ووحدات المقاومة في قلب هذه الأزمة. ويحاول النظام إخفاء هذه الحقيقة، لكن الدور المتزايد للحراك الثورئ في الإطاحة بنظام ولاية الفقيه أمر لا مفر منه.
 
 
استخلاص النتیجة
لمقاطعة الانتخابات والوضع الحالي تأثير مهم على واقع الانتفاضات، حیث خلقت المقاطعات والوضع القائم فجوة في رأس النظام، وتفتح الطريق أمام الانتفاضات في قاعدته. هناك سببان واضحان لذلك:
 
أولاً، المقاطعات الانتخابية المتعاقبة عززت بصورة مرئیة التضامن والترابط الداخليين بين أبناء الشعب.
 
ثانياً، کشفت هذه المقاطعات عن عجز النظام وخامنئي.
 
عندما يشارك النظام في حروب مختلفة مثل غزة والبحر الأحمر، فإنه ينوي إيصال رسالة القوة إلى المجتمع الإيراني من أجل تخويف الجميع وتدمير العنصر الذاتي والنفسي للانتفاضة. لكن الأحداث الأخيرة تظهر أن هذه الجهود تأتي لمعالجة أزمة الإطاحة بالنظام والشروط الموضوعية والاستعداد الاجتماعي – الظروف الذاتیة - لإسقاطه. لهذه الظروف تأثير كبير على الحد من آثار النظام الإيراني. لذلك، فإن انتخابات النظام والمقاطعة الشعبية الواسعة عاملان يهيئان الأجواء السياسية والاجتماعية للانتفاضات.
 

اقرأ في النهار Premium