فريد ماهوتشي
تصاعد الصراع بين التيارات الحاكمة في إيران بعد إعلان مسعود بزشكيان التشكيلة الوزارية الجديدة، ما كشف عن النزاع الداخلي العميق بين الفصائل المختلفة الساعية للسيطرة على موارد البلاد واستغلالها. هذا التوتر الداخلي يعكس الصراع بين القوى المتنازعة على النفوذ والمكاسب، بينما يعاني الشعب الإيراني الفقر والبطالة والفساد المنتشر.
في صميم هذه الأزمة، يأتي ما يُعرف بـ"المجلس الاستراتيجي" الذي يرأسه محمد جواد ظريف.
ظريف الذي كان يُعتبر حتى وقت قريب إحدى الشخصيات البارزة في حكومة بزشكيان، فاجأ الجميع بإعلانه استقالته عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وهو أشار في بيانه إلى فشله في تحقيق الوعود التي قدمها بشأن إشراك النساء والشباب والأقليات العرقية في الحكومة. لكن، خلف هذا الإعلان، يكمن العجز عن فرض إرادته على العصابات الأقوى داخل النظام، وهي العصابات التي تملي شروطها بناءً على مصالحها الشخصية والمالية.
وأوضح ظريف أن من بين الوزراء التسعة عشر الذين تم تعيينهم، كان ثلاثة فقط من الخيارات الأولى للجنة، بينما كان ستة من الخيارات الثانية أو الثالثة، وواحد من الخيار الخامس. هذا التوزيع يوضح مدى الفساد والتلاعب الذي يحيط بعملية اختيار الوزراء، حيث تتحكم المصالح الضيقة والضغوط الخارجية في اتخاذ القرارات النهائية. إنها عملية أقرب إلى مزاد علني، حيث تباع المناصب لمن يدفع أكثر أو لمن يملك النفوذ الأكبر.
وفي 11 آب (أغسطس) 2024، أشارت إحدى وسائل الإعلام الحكومية الإيرانية "ديدار نيوز"، إلى أن المجلس الاستراتيجي الذي كان من المفترض أن يكون العقل المدبر لعملية اختيار الوزراء، فشل في أداء دوره. وأدى هذا الفشل إلى حالة من "الارتباك الغريب" في ذهن الرئيس بزشكيان، ما أسفر عن تشكيل حكومة لا تعكس إلا المصالح الضيقة للعصابات الحاكمة.
في الوقت نفسه، لم تتردد وسائل الإعلام القريبة من ظريف في مهاجمة الحكومة الجديدة بشكل أكثر وضوحاً. صحيفة "تحكيم ملت" نشرت مقالةً بعنوان "تهانينا لمن لم يصوتوا"، معبرة عن خيبة أملها العميقة من التشكيلة الوزارية المقترحة، واصفة إياها بأنها "خالية من أي توقعات للتغيير أو التحول النسبي".
أما صحيفة "كيهان"، الناطقة بلسان الولي الفقيه، فقد شنت هجوماً لاذعاً على المجلس الاستراتيجي لظريف، واصفة أعضاءه بأنهم "فاسدون وغير مؤهلين" وأنه ينبغي أن يمثلوا أمام المحكمة بدلاً من تولي مناصب في السلطة. وأضافت الصحيفة أن إدارة بزشكيان محاصرة من عصابات ذات ماضٍ مظلم، من بينها من تورطوا في الفساد والخيانة خلال الاحتجاجات والانتخابات الماضية.
وقد استمر هذا الهجوم الإعلامي بالانتقال إلى إدارة الرئيس السابق حسن روحاني، إذ أشارت "كيهان" إلى أن "المطالبين بحصص من حكومة بزشكيان يستمرون في نهجهم القذر". واستعرضت الصحيفة سجل هذا التيار الطموح، مؤكدة التضخم بنسبة 60%، والعجز في الميزانية الذي بلغ 450 ألف مليار تومان، والديون الضخمة بقيمة 1500 ألف مليار تومان، والزيادة في النقد بنسبة 9 أضعاف، وارتفاع سعر الدولار إلى 10 أضعاف خلال فترة الإدارة الأرستقراطية. كما انتقدت الصحيفة الأداء الاقتصادي لحكومة روحاني السابقة، مشيرة إلى معدل النمو الاقتصادي المنخفض واستنزاف الخزينة.
تُعد هذه الانتقادات اللاذعة التي وجهتها "كيهان" إلى حكومة روحاني السابقة جزءاً من الانقسامات العميقة والصراعات الداخلية بين الفصائل المختلفة داخل النظام الإيراني. هذه الصراعات تتركز على السيطرة على الموارد والمناصب في ظل وضع اقتصادي متدهور بشكل متزايد.
هذا التنافس بين العصابات ليس سوى انعكاس للوضع الكارثي الذي وصلت إليه إيران تحت حكم الولي الفقيه. العصابات التي تتصارع اليوم على تقسيم ثروات البلاد هي مجموعة من اللصوص والانتهازيين الذين لا يهتمون إلا بمصالحهم الشخصية، بينما يعاني الشعب الإيراني الفقر والظلم. ومع تصاعد هذه الصراعات، يتزايد احتمال اندلاع انتفاضات شعبية واسعة ضد النظام الفاسد الذي يحكم البلاد بقبضة من حديد.