الأخضر الإبراهيمي
في يومين متتاليين، وافت المنية رجلين كان كل منهما خسارة كبرى لوطنه وأمته: دولة الرئيس الدكتور سليم الحص في بيروت، ومعالي الدكتور نبيل العربي في القاهرة.
لا أدري متى تعرفت على دولة الرئيس سليم الحص لأول مرة، كان ذلك على الأغلب في أواخر ستينيات القرن الماضي، عندما كنت سفيراً في القاهرة وأتردد كثيراً على بيروت. أذكر أيضاً أنني التقيته في عام 1985 أو 1986، في معهد الرئيس جيمي كارتر في أتلانتا بالولايات المتحدة، لكن ما لا أنساه أبداً هو صلتي به في أثناء الحرب الأهلية المدمرة في لبنان، وكان اتصالي وثيقاً به طيلة مدة عملي مبعوثاً للجنة العربية السداسية برئاسة الشيخ صباح الأحمد وزير خارجية الكويت آنذاك، ثم مبعوثاً شخصياً للجنة العربية الثلاثية العليا بين عام 1987 ومنتصف عام 1991.
في تلك الفترة الصعبة، كنت أزور السياسيين اللبنانيين المختلفين، وأتحدث إليهم بحثاً عن مخرج من الحرب الأهلية الطاحنة المدمّرة التي أصابت بلدهم. وكان معظم أولئك السياسيين اللبنانيين منحازين لجهة أو أخرى، داخلياً وخارجياً... إلا الدكتور سليم الحص. فقد كان من قلة قليلة لا حزب لها إلا لبنان – الشعب ولبنان – الدولة ولبنان - الوطن.
رحمك الله يا دكتور سليم برحمته الواسعة، وتغمدك فسيح جنانه، ورزق ابنتك السيدة وداد وحفيدك "سليم الصغير"، كما كنت تسميه، وباقي أهلك وذويك والشعب اللبناني كله الصبر والسلوان.
وشاء القدر أن يُتوفى يوم الأحد معالي الأخ العزيز الدكتور نبيل العربي، السفير ووزير خارجية مصر والأمين العام لجامعة الدول العربية الأسبق. وهو أيضاً قامة كبيرة ستفتقده مصر والعالم العربي كله. سعدت بمعرفته سنوات طويلة في القاهرة ونيويورك، وعملت معه عن قرب عندما كان سفيراً في نيويورك، وكنت أميناً عاماً مساعداً للأمم المتحدة، ثم عندما كلفني هو نفسه رئاسة لجنة رفعت له تقريراً حول تطوير أساليب العمل العربي المشترك في إطار جامعة الدول العربية، وأخيراً في المجهود الذي بذلته جامعة الدول العربية بالتعاون مع الأمم المتحدة لمعالجة الأزمة الكبرى التي أصابت سوريا فشردت نصف سكانها، وتسبّبت في مقتل نصف مليون أو يزيد من سكانها، ودمّرت بعض مدنها التاريخية الجميلة.
كان نبيل العربي آيةً في نبل الأخلاق كيفما عُرفت الأخلاق، وشيخاً من شيوخ الدبلوماسية المصرية والعربية والدولية، ورجلاً أحبّه واحترمه كلّ من اقترب منه. ليس سراً أنه حين فكّر دبلوماسيون مصريون، ممن شاركوا في مفاوضات كامب ديفيد بين الرئيس المصري محمد أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحم بيغن بوساطة الرئيس الأميركي جيمي كارتر، في لفت أنظار رئيسهم إلى التنازلات المفرطة التي كان يُقدمها إلى الجانب الإسرائيلي، فإن الوحيد الذي فاتح "الريّس" في هذا الموضوع كان نبيل العربي. ومعروف أيضاً الدور الذي قام به في مفاوضات طابا، التي استمرّت سنوات وتكللت بنجاح مصري كامل.
رحمك الله برحمته الواسعة أخي الدكتور نبيل، وتغمدك فسيح جناته، وألهم من عنده تعالى كل ذويك وأهلك وأصدقائك الكثر وشعب مصر عامة الصبر والسلوان.
إننا لن ننسى ما كان لهاتين القامتين الكبيرتين من أيادٍ بيضاء على وطن كل منهما، وعلى عالمنا العربي كله.