النهار

النهار

الحجاب في إيران بين الدّين والسّياسة
26-09-2024 | 18:15

المصدر: النهار العربي
اللافت في هذه القضية، أنه في السنوات الأولى التي تلت انتصار الثورة لم يشكل الحجاب نقطة اختلاف في الآراء بين من ترتديه أو لا ترتديه، فكانت القضية تقتصر على الذوق في تحديد ارتدائه من عدمه، وليس طبقا لقانون أو شريعة.
الحجاب في إيران بين الدّين والسّياسة
شكلان للحجاب في ايران
A+   A-
 

أمیر دبیری مهر

في أول لقاء له مع الصحافة، توجهت إحدى الصحافيات إلى الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان قائلة: "وأنا عائدة إلى بيتي، قمت بتغيير مسيري مرات عدة، فدخلت زقاقاً وخرجت من آخر خوفاً من أن تلقي علي القبض دوريات الشرطة التي تسمى شرطة الإرشاد"، فضحك الرئيس قائلاً لها: "هل لا تزال الدوريات تزعجك؟" مؤكداً أن هذا الموضوع سوف لن يستمر ولن تكون هناك إزعاجات.
 
وفي اليوم التالي ولدى لقائه علماء الشيعة والسنة، قال بزشكيان إن "معتقداتنا تتمحور حول أن المرأة المسلمة والمؤمنة هي تلك التي لها عفتها وحجابها وليس لنا معها أي اختلاف حول هذا الموضوع، ولكن دعونا نتواصل بشأن هذه القضية بطريقة لا تجعل العدو يصطاد في الماء العكر ويجعل الموضوع خطيراً".
 
هذه التصريحات للرئيس أثارت جدلاً حول الحجاب في إيران مرة أخرى. 

إحدى القضايا الاجتماعية التي يثار بشأنها جدل واسع في إيران، هي قضية الحجاب. وقد يتفاجأ القارئ لو علم أنه في السنوات التي سبقت انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، لم يكن الحجاب إلزامياً. فهي من الوجهة الدينية الاعتقادية تمثل قضية مهمة بالنسبة إلى كثيرين، ولطالما طُرح السؤال المهم إن كان الحجاب يتعارض أم لا مع حرية المرأة المسلمة، وهل الحجاب يعود إلى أصول ومبادئ دينية أم إنه موضوع اختياري وثقافي يعود إلى عادات وتقاليد؟
 
ونظراً إلى أهمية هذه القضية، بذل رجل الدين المهم والمعروف في الوسط الإيراني آية الله مطهري، جهداً مميزاً بتأليف كتاب أجاب فيه على الشكوك التي طالما أثيرت لدى جيل الشباب حول قضية أن الحجاب لا يقيّد المرأة بل يصونها، رغم أن أجوبة السيد مطهري لم تتطرق إلى كل أسئلة النساء المسلمات اللاتي لا اعتقاد لديهن بالحجاب.
 
أما في السنوات التي تلت انتصار الثورة الإسلامية في إيران، فأصبح الحجاب إجبارياً طبقاً لرؤبة رجال الدين الحاكمين، ومن ثم خضعت القضية لتأييد البرلمان الذي أقره قانونياً، مؤكداً أن كل من لا تلتزم به سوف تتعرض لعقوبة.
 
على هذا الأساس، وطبقاً للمادة 638 من الدستور في إيران، فإن النساء اللاتي لا يلتزمن الحجاب في الشارع والأماكن العامة سوف يتعرضن لعقوبة الحبس والغرامة المالية، أضف إلى ذلك أن الدوائر الحكومية ستمتنع عن تقديم الخدمات لمن لا ترتدي الحجاب.  
 
اللافت في هذه القضية، أنه في السنوات الأولى التي تلت انتصار الثورة، لم يشكل الحجاب نقطة اختلاف في الآراء بين من ترتديه أو لا ترتديه، فكانت القضية تقتصر على الذوق في تحديد ارتدائه من عدمه، وليس طبقاً لقانون أو شريعة. وهنا لا بد لنا من أن نتوقف عند مؤسس الجمهورية الإسلامية آية الله الخميني حين أنذر الشباب الذين كانوا يقومون بتوجيه الشتم أو الضرب لمن لا ترتدي الحجاب في الشارع.  
 
في هذا السياق، نفهم أنه باتت عموماً كل من لا ترتدي الـ"چادر" (الشادور) ليست امرأة محجبة، ولا يمكنها الدخول إلى الكثير من الأماكن العامة، بل تسببت هذه القضية في خلق فجوة في المجتمع الإيراني، مدعومة من بعض المؤسسات الحكومية، فجوة مجتمعية تعودت على إطلاق تسمية المرأة المحجبة على كل من ترتدي حجاباً أسود يغطي رأسها، وامرأة غير محجبة على من لا ترتدي الـ"چادر" الأسود ولا تغطي رأسها، وتظهر جزءاً من شعرها وتتبرج بالمكياجات. بينما لو نظرنا إلى أولئك النساء غير المحجبات في نظر المجتمع، فسوف نجد أن لديهن معتقدات والتزامات دينية عميقة، ولا يؤمنّ بأن مظهرهن المختلف عن اللاتي يغطين رؤوسهن، من شأنه أن يقلل من معتقداتهن.
 
ومع مرور الوقت، اصطبغت قضية الحجاب بالصبغة السياسية، وبحسب ادعاء البعض، تم اعتبار من يرتدين الحجاب من مؤيدي النظام السياسي، ومن لا يرتدينه من معارضي النظام السياسي، ما شجع القوات الأمنية والعسكرية على تبني مسؤولية إنفاذ القانون والحفاظ على أمن البلد وسلامته، أمنياً، بخاصة حين وضعت نصب أعينها ضرورة مواجهة هذه القضية ضمن جدول الأعمال حفاظاً على سلامة النظام المجتمعي، لأنها باتت تعتقد أن عدم ارتداء الحجاب يعني معارضة النظام السياسي. 
 
هذا الاختلاف في الآراء إزاء قضية الحجاب، نجمت عنه تقارير عديدة وانطباعات حول حجم تمسك المرأة الإيرانية بالحجاب من عدمه. وتزايدت هذه التقارير المتناقضة، بخاصة بعد عام 2022 إزاء الحجاب الإجباري بعد الوفاة المفاجئة للفتاة الإيرانية مهسا أميني التي اعتقلتها دوريات الشرطة الإيرانية في طهران. تلك التقارير التابعة للمؤسسات الرسمية أشارت إلى أن 75 في المئة من النساء الإيرانيات، يؤمنّ بارتداء الحجاب، في مقابل ذلك، تدّعي المؤسسات غير الرسمية أن النسبة نفسها من النساء الإيرانيات، لا يؤمنّ بالحجاب. وبالتأكيد تستند استطلاعات المجموعتين إلى أدلة وشواهد مثبتة.  
 
إذا نظرنا إلى المدن الكبيرة، سوف نجد أن الغالبية العظمى لا يؤمنّ بالحجاب، وإذا نظرنا إلى المدن الصغيرة والفقيرة، فسنرى العكس، حيث الغالبية تؤمن بارتداء النساء للحجاب. وتعليل هذا الاختلاف في وجهات النظر، إنما يعود إلى التفاوت في الاعتقاد بمسألة الحجاب ومدى علاقته بالدين والسياسة. 
 
وإذا كان الحجاب يعني الحق في ارتداء الملابس التقليدية المتعارف عليها في المجتمع ومناسبة للمرأة وتصون كرامتها ومكانتها، فإن غالبية النساء الإيرانيات سوف يوافقن على الحجاب، أما إذا كان الحجاب يعتبر شكلاً من أشكال الإجبار على ارتدائه لدوافع سياسية، فإن غالبية النساء سوف تعارض ارتداءه، وهذه هي الفرضية الخفية في استطلاعات الرأي التي تعطي نتائج مختلفة. 
 
المهم أن مجتمع المرأة الإيرانية، بخاصة الجيل الجديد من الفتيات، يخالف نظرة الحكومة تجاه هذه القضية، لأنه لا يرى أي علاقة ذات معنى تربط التدين بالحجاب، أي على عكس الدعاية الواسعة التي تقوم بها المؤسسات الحكومية المعنية، بل يطالب بتحديد حدود الحجاب وطبيعته، وهذه المطالبات بالتأكيد لا تحظى بموافقة رجال الدين والمسؤولين الإيرانيين، وعليه، يبقى الخلاف قائماً ومستمراً. 
 
إعلان

الأكثر قراءة

10/3/2024 7:34:00 PM
مصر بدأت سياسة تنويع مصادر تسليحها منذ عام 2014، ومنذ ذلك الحين وحتى عام 2023 كانت في قائمة أكبر 10 دول مستوردة للسلاح في العالم
9/30/2024 11:12:00 PM
الكاتب في "نيويورك تايمز" الحائز على 3 جوائز "بوليتزر" يبدي يقيناً بنظرية الاختراق البشري للنظام الايراني ولـ"حزب الله"، الأمر الذي سهّل عملية الانقضاض التي حصلت. ويرى أن طهران مرتبكة وتشهد انقساماً بشأن سيناريو الرد المحتمل.