فتحت زيارة رئيس إقليم كردستان العراق نيجرفان بارزاني لإيران خلال اليومين الماضيين، واجتماعه بكبار المسؤولين الإيرانيين، الطريق نحو حلحلة الملفات الخلافية في العراق. وهي الزيارة التي أنهت القطيعة بين الإقليم وإيران، بعد مرحلة من التوتر بين الطرفين امتدت لثلاث سنوات، في وقت اتخذت المحكمة الاتحادية العراقية "أمراً ولائياً" يؤجّل عملياً الانتخابات التي كانت مقرّرة في إقليم كردستان أوائل الشهر المقبل، الأمر الذي اعتبره مراقبون دلالة على نجاح الزيارة.
مصارحة شاملة في ملفات عالقة
جولة بارزاني في إيران جاءت بعد نحو ثلاثة أعوام من آخر زيارة قام بها رئيس الإقليم، وبدعوة رسمية من المراجع العليا، إذ استهلها بعقد اجتماع مطوّل مع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي. وأفاد بيان رسمي صادر عن رئاسة الإقليم، أنّه "تمّ بحث ملفات عدة تخص العراق وإقليم كردستان والعلاقة مع إيران، فضلاً عن الأوضاع في المنطقة... تعزيز العلاقات بين إيران والعراق والإقليم على أساس حسن الجوار والمصالح المشتركة، ورفع مستوى التبادل التجاري والعلاقات الاقتصادية، إلى جانب الإشادة بالعلاقات العريقة والتاريخية بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان".
مصدر سياسي خاص قال لـ"النهار العربي" إنّ الاجتماع مع رئيسي الذي سبق لقاء بارزاني مع المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية علي خامنئي، "شهد مصارحة واضحة ومراجعة لثلاثة ملفات استراتيجية في العلاقات بين الطرفين. تمثل الأول بمراجعة وتأكيد مضامين الاتفاق الأمني الموقّع أخيراً بين إيران والعراق، والمتعلق أساساً بمعسكرات ومخيمات اللاجئين من الأكراد الإيرانيين وأحزابهم السياسية في إقليم كردستان. كذلك ناقش الطرفان الأحداث المتعلقة بالهجومين الصاروخيين اللذين شنّتهما إيران على موقعين مدنيين في إقليم كردستان خلال المرحلة الماضية، وآلية منع تكرار ذلك مستقبلاً. وإلى جانب الموضوعين، تناول الطرفان التوازنات السياسية داخل العراق، خصوصاً ما يتعلق بالمستقبل المنظور، والذي من المتوقع أن يشهد انتخابات برلمانية قريباً، قد تغيّر جزئياً من التوازنات السياسية داخل العراق، لغير صالح القوى الموالية لإيران".
لقاءات تمهيدية في بغداد
قبل أسابيع من الزيارة الإيرانية، كان رئيس الإقليم قد أجرى لقاءات متتالية في بغداد مع مختلف القوى السياسية العراقية، خصوصاً المقرّبة من إيران ضمن تحالف "الإطار التنسيقي"، إذ كان واضحاً من خلال التصريحات والإشارات والأحداث اللاحقة، أنّها توصلت إلى نتائج واضحة بشأن ملفات عدة عالقة بين الطرفين منذ شهور.
الحكومة الاتحادية العراقية صارت أكثر سلاسة في ملف إرسال رواتب موظفي إقليم كردستان، من دون تعقيدات بيروقراطية مثلما كانت تفعل سابقاً. كذلك أبدت القوى السياسية العراقية قبولاً وتفهماً لإمكان تأجيل انتخابات الإقليم التي أعلن الحزب الديموقراطي الكردستاني الذي يشكّل رئيس الإقليم أحد قادته، مقاطعته لها. وإلى جانبهما توافق الطرفان على تفاصيل عراقية عامة، مثل انتخاب رئيس للبرلمان والموقف من الصراعات الإقليمية.
قرار المحكمة الاتحادية
لكن اللافت كان إعلان المحكمة الاتحادية العراقية "قراراً ولائياً" بـ"وقف تنفيذ البند (ثانياً) من المادة (2) من نظام تسجيل قوائم المرشحين والمصادقة عليها لانتخابات برلمان إقليم كردستان العراق رقم (7) لسنة 2024"، ما يعني عملياً تراجعاً عن قرارها السابق بشأن انتخابات إقليم كردستان. وقد جاء الإعلان في اليوم الثاني لزيارة بارزاني لإيران، وبناءً على طلب من رئيس وزراء الإقليم مسرور بارزاني، في بادرة هي الأولى من نوعها في تاريخ هذه المحكمة، معلّلة قرارها بـ"تلافي ما يترتب على تنفيذه من آثار يصعب تداركها مستقبلاً".
الباحث والمحلل السياسي شفان رسول شرح في حديث لـ"النهار العربي" ما سمّاه "التحولين السياسيين الأساسيين" اللذين حدثا في العراق خلال الأسابيع الماضية، وسرّعا زيارة بارزاني، وإعادة بلورة العلاقات بين إيران وإقليم كردستان. وقال إنّ "زيارة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان للعراق، وتوقيعه لعشرات الاتفاقات الاقتصادية والسياسية والأمنية مع العراق، ولقاءه الاستثنائي بالقادة السُنّة، ومن ثم زيارته للإقليم وتأكيده دور تركيا الإيجابي في توفير مساحة مشتركة بين الإقليم وباقي مناطق العراق، أثارت نوعاً من القلق الإيراني من إمكان تضخّم الدور التركي في العراق، خصوصاً من خلال الاستحواذ التام على النفوذ ضمن الجماعتين السُنّية والكردية، وبعض القطاعات الشيعية من خلال الاقتصاد، وهو ما دفعها لأن تُعيد التفكير بالعلاقة الاستراتيجية مع الأكراد العراقيين".
حسابات طهران حيال الأكراد
أضاف رسول أنّ "تنامي الدور والحضور الشعبيين لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني، واقترابه المتزايد من الولايات المتحدة، مع تعاظم إمكان عودة التيار الصدري إلى الساحة السياسية، وإمكان التحالف في ما بينهما، تشكّل دافعاً لأن تحرص إيران على إبقاء الأكراد ضمن تحالف سياسي استراتيجي مع القوى العراقية المقرّبة منها، في الإطار التنسيقي".
بعد اللقاء بالرئيس الإيراني، اجتمع بارزاني مع وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، ومن بعده اجتمع مع المرشد علي خامنئي، في إشارة واضحة إلى عودة القنوات السياسية تماماً بين الطرفين. كما اجتمع بارزاني مع رئيس مجلس الشورى في إيران محمد باقر قاليباف، إضافة إلى عدد آخر من المسؤولين الإيرانيين. وقال رئيس الإقليم في مؤتمر صحافي عقب اللقاءات: "اتفقنا مع إيران على آلية لحل المشاكل. المرشد الأعلى السيد علي خامنئي يدعم كل الجهود لإيجاد الحلول... يتطلع إقليم كردستان لأفضل العلاقات مع إيران، وسياسته الثابتة هي البقاء كعامل استقرار في المنطقة".
ونفى بارزاني أن يكون قد تباحث في طهران بشأن انتخابات برلمان كردستان بـ"أي شكل"، مضيفاً أنّ هذا الملف لم يكن ضمن أجندة الزيارة.