النهار

"منتدى التعاون الصيني العربي" في نسخته العشرين... حضور عربي بارز ذو دلالات
باسل العريضي
المصدر: النهار
بكين لا تقدم نفسها فقط على أنها لطالما كانت داعمة للقضيّة الفلسطينيّة و"حلّ الدولتين"، بل كوسيط نزيه قادر على الجمع والتوفيق بين الأطراف المتنازعة، كما حصل العام الماضي من خلال رعايتها المصالحة السعودية الإيرانية.
"منتدى التعاون الصيني العربي" في نسخته العشرين... حضور عربي بارز ذو دلالات
من الاجتماع الوزاري الثامن للمنتدى
A+   A-

قبل عشرين عاماً، أعلنت الصين وجامعة الدول العربية تأسيس "منتدى التعاون الصيني العربي"، ومنذ ذلك الوقت شهدت العلاقات العربية الصينية محطات مختلفة، كانت في كلّ منها تؤسس لمستوى أعلى من التعاون.

 

هذا التعاون لم يقتصر على قطاع دون سواه، من الاقتصاد والتجارة والطاقة، إلى السياسة والثقافة والعلوم والتكنولوجيا. وعندما كان العالم يعاني تداعيات جائحة "كورونا"، كانت الصين تنافس العالم الغربي وترسل اللقاحات الخاصة بها إلى دول العالم، في ما عرف في حينه بـ"دبلوماسية اللقاحات" وطبعاً كانت للدول العربية حصتها في هذه الدبلوماسية الصحيّة. 

 

 في عام 2016 وفي كلمته أمام الجامعة العربية، سأل الرئيس الصيني شي جينبينغ: إلى أين تتجه هذه المنطقة؟ بعدما أشار إلى أن منطقة الشرق الأوسط "لم تتخلص من ويلات الحرب والصراع حتى اليوم"، مؤكداً أن المفتاح لتسوية الخلافات يكمن في تعزيز الحوار وليس بلغة القوة وفرض الحلول من الخارج. وشدّد آنذاك على أن "المفتاح لفك المعضلة يكمن في تسريع عجلة التنمية".

 

وفي عام 2022 كانت القمة السعودية - الصينية في الرياض، ومن ثمّ قمة صينيّة - عربيّة. وهذا المسار الطويل كانت نتيجته وصول العلاقات المشتركة إلى مرحلة الشراكة الاستراتيجية، ورحلة الشراكة هذه لا تنفصل عن المبادرة الصينية "الحزام والطريق"، ولم يكن مفاجئاً أن  تدخل دول عربية مجموعة "البريكس" و"منظمة شانغهاي للتعاون".

 

وفي الذكرى العشرين لمنتدى التعاون الصيني العربي، يشارك قادة أربع دول عربية في افتتاح "المؤتمر الوزاري العاشر لمنتدى التعاون الصيني العربي" وهم رئيس الإمارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة والرئيس التونسي قيس سعيّد. 

 

السفير المصريّ لدى لبنان علاء موسى، يقول لـ"النهار العربي" إن أهمية المشاركة العربية في هذا المنتدى، هي أنه مثّل منذ إنشائه عام 2004، "خطوة مهمة لتعزيز علاقات التعاون العربية مع الصين، وذلك بعد صعود الصين كقوة اقتصادية كبرى في العالم، وما صاحبه من تنام في علاقات التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري بين الدول العربية والصين"، ومن هذا المنطلق تنظر مصر إلى المنتدى كإطار "للارتقاء بالتعاون السياسي بين الجانبين العربي والصيني ليصبح على مستوى التعاون الاقتصادي والتجاري". وفي هذا السياق يشير موسى إلى أن "الصين هي عضو دائم في مجلس الأمن وقوة كبرى في عالمنا اليوم، وبالتالي ضمان استمرار دعمها القضايا العربية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية هو هدف محوري يساهم المنتدى في تحقيقه"، وأن ما هو منتظر من الصين "مزيد من الدعم للقضايا العربية العادلة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، ثم مزيد من الانخراط الإيجابي لدعم التنمية والسلام في الشرق الأوسط".

 

القضية الفلسطينية هي ركيزة القضايا العربية، وهذه مسألة يبدو واضحاً أن الجانب الصينيّ يعي أهميتها جيداً، إذ أعلن نائب وزير الخارجية الصيني دينغ لي، قبل انعقاد المنتدى، أن هدف المؤتمر "تعميق التوافق بين الصين والدول العربية... والتكلم بصوت واحد بين الصين والدول العربيّة بشأن القضيّة الفلسطينيّة".

 

وبكين لا تقدم نفسها فقط على أنها كانت دوماً داعمة للقضيّة الفلسطينيّة و"حلّ الدولتين"، بل كوسيط نزيه قادر على الجمع والتوفيق بين الأطراف المتنازعة، كما حصل العام الماضي من خلال رعايتها المصالحة السعودية الإيرانية.

 

وحالياً، تسعى إلى التموضع بصفتها وسيطاً في الصراع بين "حماس" وإسرائيل، وكان الرئيس الصيني قد دعا إلى عقد "مؤتمر دولي للسلام" بهدف حلّ النزاع. وفي هذا الإطار الدبلوماسي استضافت الصين في تشرين الثاني (نوفمبر) اجتماعاً لوزراء خارجيّة السلطة الفلسطينية وإندونيسيا ومصر والسعودية والأردن لإجراء محادثات تهدف إلى "تخفيف التصعيد" في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

 

وشدّد السفير موسى في معرض حديثه إلى "النهار العربي" على أن الجهود التي تقوم بها بلاده لإنهاء الحرب في غزة وإغاثة أهلها إنسانياً هي جهود منظمة ومنسقة مع الدول العربية والمنظمات الدولية والقوى الدولية، فهي من ناحية "تنخرط في مفاوضات تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار، ومن جهة أخرى لا تدخر جهداً تملكه في إدخال المساعدات لإغاثة أهل غزة".

 

ويرى أن تناول هذه الجهود في إطار المنتدى العربي الصيني "هو جهد مكمّل ومحور إضافي للجهود المصرية والعربية"، ويلفت إلى حرص مصر على التنسيق مع الدول العربية والأمانة العامة لجامعة الدول العربية "على أن يتضمن البيان الختامي للمنتدى مطالبة واضحة بوقف إطلاق النار في غزة، وتأكيد حلّ الدولتين كأساس لتحقيق السلام المنشود في المنطقة".

 

هذا في الجانب العربي من المنتدى، لكنّ من يتابع التطورات الجيوسياسيّة والتنافس الاستراتيجي بين الصين والولايات المتحدة، يدرك أن الصين تعزّز علاقاتها الدبلوماسية والسياسية مع العالم العربي الذي يقيم جزء كبير منه علاقات وثيقة مع أميركا.

 

وتشكل جغرافية الشرق الأوسط نقطة أساسية للمبادرة الصينية "الحزام والطريق"، وبالفعل جرى التوقيع خلال السنوات الماضية على مذكرات تفاهم ومشاريع بنى تحتية في دول مختلفة تصبّ في سياق المبادرة الصينية.

 

وفي عام 2014 شدّد جينبينغ على أن "الحزام والطريق" هو طريق نحو المنفعة المتبادلة والكسب المشترك، لا سيما أن الصين والدول العربية تعارفت وتواصلت من خلال طريق الحرير. وفي ذلك المنتدى الذي عقد في بكين طرح الرئيس الصيني معادلته للتعاون "1+2+3" والمتمثلة في اتخاذ مجال الطاقة محوراً رئيسياً، ومجالَي البنية التحتية وتسهيل التجارة والاستثمار كجناحين، وثلاثة مجالات ذات تقنية متقدمة وحديثة تشمل الطاقة النووية والفضاء والأقمار الاصطناعية والطاقة الجديدة كنقاط اختراق. وتشكل النقاط الثلاث الأخيرة عماد التعاون، وهي دخلت حيّز التنفيذ عام 2017 حين عقدت الدورة الأولى لمنتدى التعاون الصيني العربي في مجال الملاحة بالأقمار الاصطناعية، والتي تُعرف باسم "بيدو".

اقرأ في النهار Premium