تعهد الاتحاد الأوروبي في المؤتمر الثامن حول "دعم مستقبل سوريا والمنطقة" بتقديم أكثر من ملياري يورو لدعم اللاجئين السوريين. وخلال المؤتمر نفسه الذي عقد في بروكسل مطلع الأسبوع الجاري نفى المجتمعون إمكانية عودة النازحين على اعتبار أن الظروف الملائمة لعودة طوعية وآمنة للسوريين ليست متاحة الآن.
هذا الأمر خلق استياء عند الدول المجاورة التي تطالب بعودة النازحين السوريين بعد أن بات عددهم يفوق قدرة بعض هذه الدول على التحمل.
هذه الأجواء نقلناها إلى الناطق باسم الاتحاد الأوروبي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لويس ميغيل بوينو، الذي أشاد بالجهود التي تبذلها هذه البلدان لاستضافة أكثر من 7 ملايين سوري، مع كل التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المرتبطة به.
لكنه شدّد في الوقت نفسه على رفض "السرديات التي تدّعي أن اللاجئين هم أنفسهم المشكلة" مشيراً إلى أنهم ضحايا الصراع في سوريا. وقال إن "الاتحاد الأوروبي يتفق مع الأمم المتحدة على أن شروط العودة الآمنة والطوعية والكريمة ليست موجودة اليوم".
وأورد بوينو في حديث لـ"النهار العربي" أسباباً عديدة لعدم رغبة السوريين في العودة، مشيراً إلى تقارير عن التجنيد الإجباري وعمليات الاحتجاز و"غيرها من الانتهاكات"، واضعاً المسؤولية على السلطات في سوريا.
في ظلّ عدم وجود علاقات دبلوماسية مع دمشق، يقول إنه "من المهم إجراء هذه المناقشات من خلال شركائنا في المنطقة ومن خلال الأمم المتحدة كذلك".
ويشير في هذا الاطار، إلى أن المؤتمر "جمع تعهدات بقيمة 7.5 مليار يورو لدعم السوريين النازحين في بلدهم واللاجئين منهم في دول المنطقة"، منوهاً أن لكل دولة سيادتها "لكننا نتوقع من شركائنا احترام القانون الدولي ومبدأ عدم الإعادة القسرية، كما نشجع شركاءنا على وضع الإجراءات الوطنية اللازمة لحقوق اللجوء واللاجئين بالتعاون مع الأمم المتحدة".
حلّ الدولتين وسلام "أكثر جاذبية"
في مؤتمر بروكسل الثامن كان لافتاً تصريح الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل عن "سحابة سوداء" فوق منطقة الشرق الأوسط، وطلبه "إعادة تفعيل بعثة حدودية للاتحاد الأوروبي في مدينة رفح بجنوب قطاع غزة".
وفي هذا السياق، يوضح الناطق باسم الاتحاد الأوروبي أن هناك "اقتراحاً مطروحاً بالفعل لتشغيل هذه البعثة لإدارة الحدود في رفح، ويجب مناقشة هذا الاقتراح مع الجانب الإسرائيلي" ولهذا السبب "اتفق الوزراء على عقد مجلس شراكة مع إسرائيل".
وأكد أن حلّ الدولتين، هي مسألة تتقاطع عندها رؤية الاتحاد الأوروبي مع الدول العربية، معتبراً أنه لا يمكن تحقيق السلام وإنهاء هذا النزاع "إلّا إذا كان للفلسطينيين دولة مستقلة تعيش جنباً الى جنب مع دولة إسرائيلية آمنة ومعترف بها ومندمجة في المنطقة وتقيم علاقات ايجابية ودافئة مع لبنان والسعودية والدول الأخرى كلها في تلك المنطقة".
ويستطرد في هذا الشأن موضحاً أن الحديث الآن هو "عن هندسة عكسيّة للسلام، لا مزيد من خرائط طريق تتألف من خطوات نعرف سلفاً أنها لن تتحق، وإنما البدء من النقطة النهائية التي تنص على سلام إقليمي شامل".
ويطرح في الوقت نفسه مجموعة اسئلة حول آليات تطبيق ذلك، ليجيب بنفسه: "لا شكّ أننا نحتاج إلى الأميركيين والإسرائيليين وغيرهم، ولكن إذا كان طرف أو أكثر غير مستعد بعد للإنخراط، فهذا لا يعني أننا لسنا مسؤولين عن الإعداد لهذا السلام".
وعن شكل الدولة الفلسطينية، يؤكد الدبلوماسيّ الأوروبي أنه لا يمكن التعامل مع غزة بمعزل عن الضفة الغربية والقدس الشرقية، كون غزة جزءاً من "المسألة الفلسطينية الأوسع" وجزءاً لا يتجزأ من الأراضي التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967. إن الأسرة الدولية متفقة على حلّ الدولتين باعتباره "الحلّ الوحيد القابل للتطبيق الذي يُمكن أن يجلب السلام والأمن لإسرائيل وفلسطين".
وعن الاجراءات التي يمكن اتخاذها أمام تعنت الحكومة الإسرائيلية، يجيب بأن الطلب الأوروبي للسلطات الإسرائيلية واضح "عليكم التوقف عن تقويض السلطة الفلسطينية، ويجب مضاعفة الدعم لخطة الإصلاح التي قدمها رئيس الوزراء الفلسطيني وحشد دعم دولي له حتى تكون السلطة الفلسطينية قادرة على تحمل مسؤوليتها في الدولة الفلسطينية المستقبلية".
أمّا عن إمكانية فرض عقوبات أوروبية على إسرائيل لتحقيق هذه الغاية اكتفى بالقول "سنستخدم كل الأدوات المتاحة لنا من أجل ذلك".
ومع كلّ هذه الوقائع يتعاطى الاتحاد الأوروبي بواقعية مع عقد مؤتمر دولي للسلام، فهذا المؤتمر هو "لتمهيد الطريق" ، ولا يعني أنه "وجد حلاً وسيخبر الجميع به" بحسب الناطق الرسمي، وأنه "لن يكون مؤتمراً كبيراً ندّعي فيه أننا سنحل كل شيء في أيام قليلة" إنما لوضع خطة عمل واضحة "لبناء دولة فلسطينية واندماج إسرائيل في المنطقة من خلال ضمانات أمنية وحزمة اقتصادية ومالية غير مسبوقة لجعل السلام أكثر جاذبية".
جبهة لبنان وخطر توسع الحرب
لا يخفي الناطق باسم الاتحاد الأوروبي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، خوفه من خطر اندلاع صراع أوسع في المنطقة، ويعبّر عن قلقه من تبادل إطلاق النار على طول "الخط الأزرق" بين لبنان وإسرائيل.
ويرى أنه "من الضروري تجنُّب جرِّ لبنان إلى صراع إقليمي، وهذا آخر ما يحتاجه لبنان"، والحلّ الوحيد والمستدام هو "التطبيق الكامل للقرار 1701 لتخفيف التوتر وتجنّب تكرار الصراع".
ويشدّد في السياق نفسه على دعم الاتحاد الأوروبي القوي لقوات حفظ السلام الدولية في جنوب لبنان "يونيفيل"، التي "تلعب دوراً حاسماً في منع وتخفيف التصعيد في لبنان والمنطقة".
الدعم الأوروبي ينسحب على الدولة اللبنانية نفسها، كما يقول بوينو لـ"النهار العربي" إذ أنه "في هذه الأوقات الصعبة"، من الضروري أن يكون لدى لبنان مؤسسات قوية تعمل بكفاءة، ولهذا السبب كانت حزمة المساعدات المالية بقيمة مليار يورو لتعزيز الخدمات الأساسية مثل التعليم والحماية الاجتماعية والصحة للشعب اللبناني، مع مواكبة "للإصلاحات الاقتصادية والمالية والمصرفية الملحة".
وتشمل السلّة الأوروبية تقديم "الدعم للجيش اللبناني والقوى الأمنية الأخرى على شكل معدات وتدريب لإدارة الحدود ومكافحة التهريب".