أثارت الزيادة الجديدة في ميزانية فصائل الحشد الشعبي العراقي تحفظات غير معلنة من القوى السياسية والشعبية في إقليم كردستان، بسبب امتناع البرلمان والحكومة الاتحادية في العراق عن التعامل مع قوات البيشمركة بالآلية نفسها.
زادت مخصصات رواتب عناصر فصائل الحشد الشعبي خلال هذا العام 400 مليار دينار (قرابة 275 مليون دولار)، بحسب أرقام وزارة المالية لميزانية عام 2024، والتي أقرّتها الحكومة الاتحادية ضمن سلسلة الاجتماعات الوزارية الخاصة بإقرار جدول النفقات مؤخّراً. كذلك، وبنسب متفاوتة، زادت مخصصات النفقات والمستلزمات السلعية والخدمات وصيانة الموجودات والمنح والإعانات، فيما انخفضت قيمة الأموال المخصصة للتسليح فحسب، حيث صارت الميزانية الكاملة لهذه القوات 2.5 مليار دولار.
بحسب الأرقام الرسمية، يضمّ الحشد الشعبي، الموزع على 79 فصيلاً، قرابة 240 ألف مقاتل، بعدما كانوا قبل ثلاث سنوات فقط 140 ألف مقاتل. حصلت هذه الزيادة في الفصائل الرئيسية ضمن الحشد، والأكثر قرباً من إيران وأحزاب "الإطار التنسيقي"، مثل "عصائب أهل الحق" و"سرايا عاشوراء" و"كتائب حزب الله" و"سيد الشهداء"، وهؤلاء يُتهمون بعدم الرضوخ لقرارات رئيس الوزراء العراقي، القائد العام للقوات المسلحة، وأوامره، ويندرجون ضمن أجندات إيران العسكرية والأمنية في المنطقة.
تشكيك في البيانات
يأتي إقرار الميزانية بعد أسابيع قليلة من إقرار مجلس الوزراء العراقي "قانون الخدمة والتقاعد لمنتسبي هيئة الحشد الشعبي"، وتحويله إلى البرلمان، حيث الأغلبية مؤمّنة للتصويت عليه، ما سيوفّر ضمانة حياتية وموقعاً اجتماعياً استثنائياً لمنتسبي الحشد، ويحولهم إلى أعضاء في مؤسسة رسمية شرعية تماماً، فيما يشكّك العديد من الأوساط في أرقام وجداول المحالين على التقاعد من منتسبي الحشد، الذي لم يتأسّس إلّا قبل 8 سنوات فقط، معتبرين أن أغلبية المحالين هم من العناصر العسكرية والأمنية للأحزاب "الشيعية" من الذين كانوا مقيمين في إيران خلال عقد الثمانينات.
عبّرت الولايات المتحدة عن قلقها من ميزانية الحشد الشعبي، إذ قال ماثيو ميلر، المتحدث الرسمي باسم الخارجية الأميركية، في مؤتمر صحافي، إن واشنطن "قلقة من عدم استجابة أفراد الحشد الشعبي للقائد العام للقوات المسلحة، ويشاركون في أنشطة عنيفة ومزعزعة للاستقرار في العراق وسوريا، تقوّض أمن العراق واقتصاده".
معضلة تمويل البيشمركة
يحدث ذلك في وقت لا يزال تمويل عناصر البيشمركة الكردية متوقفاً منذ سنوات، سواءً رواتب العناصر أو التسليح أو الرعاية الاجتماعية، على رغم ورودها في الدستور العراقي الذي أُقرّ في عام 2005، باعتبار البيشمركة جزءاً من منظومة الدفاع العراقية، خصوصاً في إقليم كردستان، كقوات حماية محلية.
قبل عام 2014، كانت الميزانيات الوطنية تنصّ على تخصيص نسبة من ميزانية وزارة الدفاع العراقية لصالح قوات البيشمركة، بحسب نسبتها إلى مجموع الجيش العراقي، وكجزء من الميزانيات السيادية، لكن وزارة المالية كانت تمتنع لاحقاً عن دفع تلك المخصصات فعلياً، رابطةً صرفها بقضايا مثل تحجيم تلك القوات ونوعية تسليحها وأماكن انتشارها، لتكون فعلياً قوات حرس حدود تابعة لرئيس الوزراء. كذلك تطالب القوى السياسية العراقية المركزية فعلياً أن تكون العقيدة القتالية لقوات البيشمركة مطابقة لنزعاتهم السياسية والأيديولوجية.
يشرح آلان حساني، الكاتب والباحث المتخصص بالشؤون الأمنية، لـ"النهار العربي" ما سمّاه الصراع السياسي على أساس عسكري أمني في العراق، الممتد منذ عام 2003، فيرى أن هذا التفاوت في رعاية قوات البيشمركة وفصائل الحشد الشعبي "جزء من المكاسرة الكبرى للهيمنة على العراق".
يضيف حساني: "العقيدة المركزية لأغلبية الأحزاب السياسية العراقية الرئيسية المهيمنة على القرار الاستراتيجي في البلاد، الشيعية بأغلبيتها، تجزم أن حدود الانتخابات العامة واللعبة الديموقراطية هو فرز تنظيمات تدير الفضاء العام على مستوى الإدارات المحلية فحسب. لأجل ذلك، لا بدّ من وجود قوة وآلية تحفظان هوية الدولة العراقية وتوجّهاتها الاستراتيجية بيد هذه القوى المركزية، لا يمكن مسّها بأي تحولات سياسية أو أي نتائج للانتخابات العامة".
تقويض المؤسسات
ويتابع: "ثمة سيرة طويلة لهذه القوى السياسية، سعت في كل مرّة إلى تقويض كل المؤسسات العسكرية الرسمية، بحجج مختلفة وبآليات مختلفة. فقد تمّ تحويل الجيش العراقي فعلياً جهة خاضعة للأحزاب السياسية، وليس لرئيس الوزراء، فيما تمّ تفكيك فصائل الصحوات العشائرية وقطع رواتبها ومنع تسليحها، وتمّت ممارسة مضايقات شديدة على قوات البيشمركة. فالملف الأمني والعسكري في العراق لا يشغل مكانة المؤسسة الوطنية المستقلة عن المتن السياسي، بل هي جزء من الصراعات السياسية".
وبحسب الأرقام الرسمية المعلنة من حكومة إقليم كردستان، فإن تعداد أعضاء قوات البيشمركة الكردية يبلغ 218 ألف عنصر، فيما هناك 105 آلاف موظف في وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية، وقرابة 110 آلاف متقاعد عسكري، حيث يبلغ مجموع الرواتب الشهرية اللازمة لقوات البيشمركة أكثر من 200 مليار دينار عراقي (قرابة 125 مليون دولار)، غير مستلزمات التسليح والتدريب والتشغيل.