يُعتبر اليوم العالمي للمساواة في الأجر، الذي يُحتفل به في 18 أيلول (سبتمبر) من كل عام، مناسبة لتسليط الضوء على الجهود المبذولة لتحقيق العدالة في الأجور بين الجنسين لقاء العمل المتساوي في القيمة. ورغم الجهود المستمرة، لا تزال فجوة الأجور بين الجنسين قائمة، خاصة في العالم العربي، حيث تتداخل عوامل اجتماعية واقتصادية وثقافية تؤدي إلى تفاقم التفاوت.
سوق العمل العربي: التحدّيات التي تواجه النساء
تواجه النساء في العالم العربي تحديات متعددة في سوق العمل، من أبرزها تدني الأجور وقلة فرص العمل. وفقاً لاستطلاع الباروميتر العربي (2023-2024)، يعتبر نقص الوظائف وتدني الأجور من أهم العوائق التي تواجه الجنسين، حيث يرى ما بين 55% و78% من الرجال أن هذين العاملين هما الأكثر تأثيراً. ولكن هذه النسبة تنخفض بين النساء إلى ما بين 31% و48%، ما يكشف عن وجود عقبات إضافية تواجه النساء، مثل غياب مرونة ساعات العمل، وعدم توفر رعاية الأطفال، والتمييز في التوظيف.
وفي حديثها مع "النهار العربي"، أكدت الدكتورة روتشيكا تشودري Ruchika Chaudhary، خبيرة اقتصاديات الجندر لدى "الإسكوا"، أن فجوة الأجور بين الجنسين في المنطقة العربية لا تزال واسعة. وتضيف أن النساء في العالم العربي يواجهن صعوبات بالغة في الوصول إلى وظائف ذات أجور عادلة وفرص تدريب متكافئة، ما يؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة وانخفاض المشاركة الاقتصادية للمرأة.
تكاليف رعاية الأطفال: عائق رئيسي أمام النساء
تُعد تكلفة رعاية الأطفال من أكبر العقبات التي تواجه النساء الراغبات في الانضمام إلى سوق العمل في العديد من الدول العربية. ففي الأردن، تعتبر 43% من النساء أن هذه التكلفة عائق رئيسي، تليها تونس بنسبة 41% ولبنان بنسبة 39%. هذا الأمر يشكل تحدياً كبيراً أمام النساء، حيث يضطر الكثير منهن إلى التخلي عن فرص العمل بسبب عدم توفر رعاية ميسورة التكلفة لأطفالهن.
ولا تقتصر المشكلة على تكلفة الرعاية فقط، بل تشمل أيضاً جودة الخدمة وتوفرها. ففي المغرب وموريتانيا، يشير ما يقارب 30% من المواطنين إلى ضعف جودة خدمات رعاية الأطفال، بينما يعاني 29% في موريتانيا و26% في المغرب عدم توفرها.
التفاوت في دعم المساواة بين الجنسين
تظهر الفجوة في دعم المساواة بين الجنسين في سوق العمل بوضوح في العالم العربي. فبينما تؤيد غالبية النساء المساواة في فرص العمل، حيث تصل النسبة إلى 90% في كل من تونس ولبنان، فإن الدعم بين الرجال أقل بشكل ملحوظ. في تونس ولبنان، يساند 77% من الرجال المساواة في فرص العمل، بينما تعد النسب أقل في دول مثل المغرب (54%) والأردن (52%).
ولكن المثير للانتباه هو التراجع في دعم المساواة في بعض الدول خلال السنوات الأخيرة. ففي لبنان، انخفض التأييد للمساواة بمقدار 5 نقاط مئوية، بينما شهدت فلسطين تراجعاً بنسبة 4 نقاط، والمغرب بنسبة 11 نقطة.
التحديات والحلول لسد الفجوة في الأجور
تشير الدكتورة روتشيكا تشودري إلى أن سد فجوة الأجور بين الجنسين يتطلب جهوداً مستدامة واستراتيجيات شاملة. رغم وجود قوانين في العديد من الدول العربية تنص على المساواة في الأجور، إلا أن التنفيذ غير المتسق يشكل عقبة كبيرة. وترى أن تعزيز تنفيذ هذه القوانين هو المفتاح لتضييق الفجوة.
وتضيف تشودري أن تمكين المرأة من خلال تحسين التعليم وتنمية المهارات الخاصة بالنساء في القطاعات التي يهيمن عليها الرجال قد يسهم في سد الفجوة. كما أن تغيير المعايير الاجتماعية والثقافية التي تؤثر على اختيارات النساء للوظائف وسلوكياتهن التفاوضية على الأجور يعد أمراً ضرورياً.
من جانبها، تركز الصحافية والباحثة في مؤسسة سمير قصير (سكايز)، وداد جربوع، على أن التحدّيات التي تواجه تحقيق المساواة الجندرية في سوق العمل العربي متعددة، وتختلف من دولة إلى أخرى بناءً على الظروف الخاصة بكل بلد. وتضيف جربوع أن من بين أبرز هذه التحديات الأعراف الاجتماعية والتقاليد التي تفرض على النساء أدواراً أسرية تعيق مشاركتهن في سوق العمل. وتشير أيضاً إلى العوائق القانونية والسياسية التي لا تدعم المساواة بين الجنسين، مثل الفجوات في حقوق الأجور وإجازات الأمومة.
وتقترح جربوع حلولاً متعدّدة لسد الفجوة الجندرية في سوق العمل، من بينها سن قوانين فعالة لمكافحة التمييز، وتشجيع النساء على تولي مناصب قيادية، ودعم التعليم والتدريب المهني، وتوفير بيئة عمل مرنة تشمل دعماً للأسرة مثل رعاية الأطفال.
نحو جهود منسقة لتحقيق المساواة
ختاماً، تؤكد الدكتورة تشودري أن تحقيق المساواة في الأجور يتطلب جهوداً منسقة تشمل الحكومات، الشركات الخاصة، والنقابات العمالية، إلى جانب المجتمع المدني، لضمان تحقيق المساواة في الأجور وتحسين مشاركة النساء في سوق العمل. وفي هذا السياق، تشدد وداد جربوع على أن التغلب على التحديات يتطلب سياسات تشريعية فعالة وتشجيع مشاركة النساء في المناصب القيادية، مع توفير الدعم اللازم لتمكينهن من المشاركة الكاملة في سوق العمل.
إن سد فجوة الأجور بين الجنسين في العالم العربي يتطلب من الجميع – حكومات، شركات، ومجتمعاً مدنياً – التكاتف لتحقيق تغيير حقيقي ومستدام.