النهار

موسكو تطرق باب واشنطن من الجزيرة الكوبيّة... نحن هنا
باسل العريضي
المصدر: "النهار العربي"
في وقت كانت لاتزال الحرب العالمية الثانية حاضرة في الذاكرة الحيّة، بعدما انتهت بانتقال العالم من خوض الحروب بأسلحة تقليدية إلى عصر جديد أشد فتكاً وتدميراً، عصر الأسلحة النووية، تسابقت القوى الدولية على امتلاك أسرار هذا السلاح واستخدامه كقوة ردع تحول دون تكرار حروب عالمية، وتثبيت النفوذ الدولي للدول المنتصرة.
موسكو تطرق باب واشنطن من الجزيرة الكوبيّة... نحن هنا
امرأة تلوح لأفراد طاقم الغواصة الروسية كازان التي تعمل بالطاقة النووية بعد وصولها إلى ميناء هافانا (أ ف ب - 12 حزيران/يونيو 2024)
A+   A-

في وقت كانت لا تزال الحرب العالمية الثانية حاضرة في الذاكرة الحيّة، بعدما انتهت بانتقال العالم من خوض الحروب بأسلحة تقليدية إلى عصر جديد أشد فتكاً وتدميراً، عصر الأسلحة النووية، تسابقت القوى الدولية على امتلاك أسرار هذا السلاح واستخدامه كقوة ردع تحول دون تكرار حروب عالمية، وتثبيت النفوذ الدولي للدول المنتصرة.

وفي ذروة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، وقف العالم في تشرين الأول (أكتوبر) 1962 وعلى مدى ثلاثة عشر يوماً يتابع مجريات أخطر مواجهة بين القوتين العظميين إثر نشر موسكو صواريخ نووية على أراضي الجزيرة الكوبية، التي لا تفصلها عن السواحل الأميركية سوى كيلومترات معدودة.

انتهت الأزمة بعدما تلقى الرئيس الأميركي جون كينيدي رسالة من الزعيم السوفياتي نيكيتا خروتشوف يعد فيها بإزالة مواقع إطلاق الصواريخ، مقابل سحب الولايات المتحدة صواريخ "ثور" و"جوبيتر" من تركيا.

ومنذ ذلك الحين لم يشهد العالم تهديداً نووياً جدياً ووقّعت اتفاقيات عدة لضبط أسلحة الردع هذه.

بعد قرابة ستين عاماً على هذه الحادثة، عاد العالم ليتذكرها، مع بدء الحرب في أوكرانيا والدعم العسكري الذي تتلقاه كييف من دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) لمواجهة الجيش الروسي، عاد زعيم الكرملين فلاديمير بوتين ليهدد باستخدام ترسانة بلاده النووية، وأمر بإجراء التدريبات في المنطقة العسكرية الجنوبية المتاخمة لأوكرانيا، بعد إشارات قالت موسكو إنها تلقتها من مسؤولين غربيين بأنهم سيسمحون لأوكرانيا بضرب عمق البلاد بأسلحة غربية.

 

سفينة الإنقاذ الروسية نيكولاي تشيكر راسية في ميناء هافانا. (أ ف ب)

 

تدريبات نووية روسية

وأعلنت وزارة الدفاع الروسية، أمس الخميس، أنها نفذت عمليات إطلاق إلكترونية لصواريخ في إطار مرحلة ثانية من تدريبات على كيفية نشر أسلحة نووية تكتيكية، من أفراد من وحدة لينينغراد العسكرية للصواريخ، وأنه جرى تنفيذ "مهمات تدريب قتالية على التقدم بشكل مستتر صوب منطقة محددة والإطلاق الإلكتروني للصواريخ على أهداف معينة للعدو". وتغطي المساحة الجغرافية المعلنة للتدريبات النووية كل حدود روسيا مع الدول الأوروبية والتي تمتد من المحيط المتجمد الشمالي إلى البحر الأسود.

التهديدات الروسية والتدريبات كانت كافية لإثارة قلق في الغرب سرعان ما تحوّل إلى استنفار ميداني بحري أميركي مع وصول أسطول روسي مؤلف من أربع سفن تابعة للبحرية الروسية، من بينها غواصة نووية إلى الموانئ الكوبية، حيث سترسو لمدة خمسة أيام.

وكانت وزارة القوات المسلحة الثورية الكوبية قد أعلنت الأسبوع الماضي أن السفن لا تحمل أسلحة نووية، "لذا فإن توقفها في بلادنا لا يمثل تهديداً للمنطقة". وبدوره، قال قائد البحرية الروسية الأدميرال ألكسندر مويسيف، إن السفن تخطط لإجراء تدريبات جوية وبحرية مشتركة في المنطقة، على أن يقوم طاقم الفرقاطة والغواصة النووية بالتدريب على استخدام أسلحة صاروخية عالية الدقة ضد أهداف بحرية تحدّد مجموعات سفن العدو "المفترض" على مسافة "أكثر من 600 كيلومتر".

والزيارة البحرية، تزامنت مع لقاء دبلوماسي في موسكو بين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيره الكوبي برونو رودريغيز.

 

استنفار أميركي

"المعهد البحري الأميركي" نقل عن مسؤولين في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) تأكيدهم أنهم يراقبون السفن الروسية منذ عبورها المحيط الأطلسي "وفقاً للإجراءات المعتادة". وبحسب الموقع عينه "قامت الأصول الجوية والبحرية التابعة للقيادة الشمالية الأميركية بعمليات لضمان الدفاع عن الولايات المتحدة وكندا". إضافة إلى إرسال الولايات المتحدة، يوم الثلثاء، ثلاث مدمرات مزودة بصواريخ موجهة انضمت إليها فرقاطة تابعة للبحرية الفرنسية وسفينة حربية كندية. كما راقبت الطائرات الكندية والأميركية المضادة للغواصات عبور السفن الروسية.

في المقابل، جاء في بيان صادر عن مكتب وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن "أن عمليات النشر الروسية هي جزء من النشاط البحري الروتيني الذي لا يشكل أي تهديد مباشر أو قلق للولايات المتحدة"، مضيفاً أن الأسطول الثاني للبحرية الأميركية والأسطول الرابع الأميركي وخفر السواحل الأميركي في المنطقة الأطلسية وقوة المهام المشتركة الكندية - الأطلسية يقومون بعمليات روتينية في جميع أنحاء المحيط الأطلسي، و"سنواصل العمل والاشتباك من موقع قوة".

وعلى الرغم من أنها ليست الزيارة الأولى من نوعها، فقد سبقتها زيارات دورية منذ عام 2013، إلّا أن التطورات الجيوسياسية جعلت منها مسألة لافتة، فُسرت على أنها رسالة شديدة اللهجة من الكرملين.

وربط مدير برنامج أميركا اللاتينية في مركز ويلسون بنجامين جيدان، مباشرةً بين تدريبات البحرية الروسية والدعم الأميركي لأوكرانيا، معتبراً أن وجود القطع البحرية الروسية "هو تذكير لواشنطن بأنه من غير السار أن يتدخل الخصم في مجالك القريب".

 

العودة إلى أميركا اللاتينية

حري القول بأنه من غير الجائز المقارنة بين هذه الزيارة و"الأزمة الكوبية" في ستينيات القرن الماضي، لكن لا يمكن الفصل بأي شكل من الأشكال بين التحركات الروسية ومحاولات موسكو استعادة نفوذها العالمي، والقول للولايات المتحدة إننا هنا على بعد كيلومترات قليلة من أراضيكم، خصوصاً أن موسكو عززت علاقتها مع أميركا اللاتينية، الساحة الخلفية لواشنطن، وقد ساهم وصول الأحزاب اليسارية إلى الحكم في بعض دول أميركا الوسطى والجنوبية إلى استعادة موسكو بعضاً من قوتها في منطقة الكاريبي، من دون أن ننسى أن البرازيل، القوة الاقتصادية الأكبر في جنوب القارة الأميركية، هي أحد مؤسسي مجموعة "البريكس" إلى جانب روسيا، إضافة إلى تطور العلاقات الثنائية مع فنزويلا وغيرها.

وإذا كانت المواجهة المباشرة بين القوتين النوويتين غير واردة اليوم كما كانت في السابق، إلّا أن السلاح الاقتصادي المقرون بالعقوبات يبدو "الأسلم" راهناً، إذ أعلنت وزارة الخزانة الأميركية عن فرض عقوبات على أكثر من 300 فرد وكيان يساعدون روسيا في الحصول على السلع والخدمات لمواصلة المجهود الحربي بأوكرانيا. كما اتفق زعماء مجموعة السبع، أمس الخميس، خلال قمتهم في إيطاليا على قرض جديد لأوكرانيا بقيمة 50 مليار دولار باستخدام فوائد الأصول الروسية المجمدة.

 

الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium