الصراع في المحيط الهادئ لايزال في إطار استخدام "القوة الناعمة" بين الأطراف المتنافسين على توسيع نفوذهم مثل الصين، أو الحفاظ عليه وتعزيزه، مثل الولايات المتحدة وحلفائها.
قبل أيام، ورد خبر عن تبرع الصين بمجمع رئاسي ومباني وزارتي المال والخارجية في جمهورية فانواتو. وأقيم حفل التسليم، يوم الاثنين، بمشاركة نائب رئيس اللجنة الوطنية للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني هو تشون هوا.
كما زار المسؤول الصيني الأسبوع الماضي بابوا غينيا الجديدة، أكبر دولة جزرية في المحيط الهادئ، والتي تتمتع بعلاقات دفاعية مع الولايات المتحدة. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينغ، إن بلادها "ملتزمة تطوير التعاون الودي مع دول جزر المحيط الهادئ، بما في ذلك فانواتو وجزر سليمان".
مع الإشارة إلى أن الصين تعدّ أكبر دائن خارجي لفانواتو بعد عقد لتأهيل البنية التحتية، في حين تعد أوستراليا أكبر مانح للمساعدات. وتزامناً مع الحفل في فانواتو، أعلنت المفوضية الأوسترالية العليا أنها تبرعت بقارب لقوات شرطة فانواتو لتعزيز المراقبة البحرية. كما افتتحت أوستراليا ونيوزيلندا مطاراً في جزر سليمان (سولومون) المجاورة. وللمناسبة زار وزير الخارجية النيوزيلندي ونستون بيترز الأرخبيل يوم الثلاثاء لافتتاح المطار الذي تبلغ تكلفته نحو 37 مليون دولار في المقاطعة الغربية بتمويل من نيوزيلندا وأوستراليا.
وفي الوقت عينه من المتوقع أن يزور رئيس وزراء جزر سليمان جيريميا مانيلي، في وقت قريب الصين، بعد أن زار أوستراليا الأسبوع الماضي في أول زيارة خارجية له بعد توليه المنصب، وقال لوسائل الإعلام إنه طلب من أوستراليا تمويل تعيين الشرطة المحلية على مدى العقد المقبل، حتى تتمكن البلاد من "الانتباه لنفسها" من أجل الأمن الداخلي، مشيراً إلى أن بلاده لها "علاقات أمنية مع الصين وأوستراليا"، رغم أن الحكومة الجديدة المنتخبة في نيسان (أبريل) تقوم "بمراجعة علاقاتها الأمنية"، من دون إعطاء توضيحات كافية في هذا الشأن.
دبلوماسية الباندا مقابل اتفاقيات أمنية
"العلاقات عادت إلى مسارها الصحيح بعد فترة من التقلبات والتحولات"، بهذه العبارة استهل رئيس الوزراء الصيني لي تشيانغ زيارته أوستراليا منتصف حزيران (يونيو) الفائت، في زيارة هي الاولى من نوعها في غضون سبع سنوات، رغم أن أوستراليا تعدّ الشريك التجاري الرئيسي لبكين.
وخلال تلك الزيارة أعلن عن تقديم اثنين من حيوان الباندا إلى حديقة الحيوانات في عاصمة ولاية جنوب أوستراليا أديلايد. ومن المدينة نفسها قال تشيانغ إن أوستراليا تتميز بموقع "فريد يربط الغرب والشرق وتقف كقوة مهمة للعولمة الاقتصادية والتعددية القطبية العالمية".
وتعدّ أوستراليا أكبر مورد لخام الحديد إلى الصين التي تستثمر في مشاريع التعدين الأوسترالية. غير أنها حظرت في الآونة الأخيرة الاستثمارات الصينية في بعض المعادن لأسباب تتعلق بـ"المصلحة الوطنية". وكانت الصين قد فرضت قيوداً تجارية على مجموعة من المنتجات الزراعية، لاسيما قطاع النبيذ ما أدى إلى خسائر بقيمة 20 مليار دولار.
"دبلوماسية الباندا" و"سلاسة النبيذ" لم تؤديا إلى حلّ باقي الخلافات وتحديداً الأمنية منها، فقد عززت أوستراليا تحالفها الدفاعي مع الولايات المتحدة في إطار سعيها لصد توسع النفوذ الدبلوماسي والعسكري لبكين على دول جزرية في منطقة المحيط الهادئ.
وبعد اتفاقية "أوكوس" الأمنية بين واشنطن ولندن وكانبيرا، والتي من شأنها تزويد أوستراليا بغواصات تعمل بالطاقة النووية لكنها مسلحة تقليديا، إضافة إلى تعزيز الوجود العسكري الغربي في منطقة المحيط الهادئ، مسألة رأت فيها بكين خطوة مثيرة للانقسام وتزيد من مخاطر الانتشار النووي. وجاء هذا الاتفاق الثلاثي بعد أن فسخت أوستراليا عام 2021 اتفاقاً بملايين الدولارات مع فرنسا لتزويدها بغواصات تعمل بالديزل.
والتحالفات الأمنية الأوسترالية لا تقتصر على "أوكوس"، فهي جزء أساسي من التحالف الاستخباري الذي يعرف "بالعيون الخمس" والذي يضم أيضاً الولايات المتحدة وبريطانيا ونيوزيلندا وكندا. ورغم أنه تأسس بعيد انتهاء الحرب العالمية الثانية مع تصاعد وتيرة الحرب الباردة، لكن لم يُكشف عنه وعن أنشطته وطبيعته إلّا مع التسريبات التي أطلقها إدوارد سنودن في عام 2013.
وانتقل عمل "العيون الخمس" من مراقبة نشاط الاتحاد السوفياتي خلال الحرب الباردة إلى الصين، وفي مطلع الشهر الفائت اتهم التحالف الصين بالتحايل على الإجراءات الرامية إلى وقف تجنيدها الطيارين العسكريين الغربيين الحاليين والسابقين وغيرهم من الأفراد لتدريب الجيش الصيني، باستخدام شركات خاصة في جميع أنحاء العالم تخفي علاقاتها مع الجيش الصيني، وتقدم للمجندين رواتب باهظة.
وفي وقت سابق من هذا العام، ارتفعت مؤشرات التوتر العسكري بين بكين وكانبيرا، بعد اتهام الأخيرة الصين بممارسة سلوك "غير آمن وغير مهني" بعد إطلاق إحدى طائراتها الحربية قنابل مضيئة باتجاه مسار مروحية تابعة للبحرية الأسترالية فوق البحر الأصفر الفاصل بين الكوريتين والصين.
وفي تشرين الأول (اكتوبر) 2023 نقلت وكالة "بلومبرغ" عن مسؤولين أميركيين، أن الولايات المتحدة تمكنت من تطوير مجموعة من الشراكات المنفصلة والمتداخلة في الوقت نفسه في آسيا، بما في ذلك "التنسيق لمشاركة المعلومات الاستحباراتية مع تحالف "كواد"، الذي يضم الولايات المتحدة والهند واليابان وأستراليا.
وتأتي هذه التحالفات، بالشراكة الكاملة مع أوستراليا في سياق السياسة الأميركية لاحتواء النفوذ الصيني التجاري والاقتصادي في العالم المتمثل بمبادرة "الحزام والطريق" إلى جانب تطوير ترسانتها العسكرية والنزاع القائم في بحر الصين الجنوبي وتايوان. هذا بالإضافة إلى تعزيز واشنطن علاقاتها التجارية والسياسية مع دول شرق آسيا مثل فيتنام وغيرها.