مشروعٌ ضخم يعمل عليه مرصدٌ في كاليفورنيا منذ أكثر من 10 أعوام لمحاولة الإجابة على أسئلة كونيّة استعصت العلماء. إنّه كاميرا "المسح الإرثيّ للمكان والزمان" (LSST) التي سلّط الضوء عليها موقع "سْبَيس" لعلوم الفضاء.
سيبدأ مرصد "فيرا سي روبين" عمّا قريب مسحاً يمتدّ عقداً من الزمن لمراقبة كامل السماء فوق النصف الجنوبيّ للكرة الأرضيّة آلاف المرات. وكان "مختبر سْلاك الوطنيّ للتسريع" (سلاك اختصار "مركز ستانفورد للمسرّع الخطّيّ") جاهزاً لتوفير الكاميرا التي تتطلّبها مهمّة بهذا الحجم.
أكمل العلماء والمهندسون في سلاك كاميرا LSSTوهي أكبر كاميرا رقميّة تمّ تصنيعها على الإطلاق، من أجل المسح الذي سيتولّاه مرصد روبين والذي سيستمر لمدة 10 أعوام.
17 مليار نجم في مجرّتنا فقط
تبلغ دقّة الكاميرا 3200 ميغا بيكسل وهي بحجم سيارة صغيرة تزن 3 أطنان. وستحاول حلّ الألغاز المحيطة بالطاقة المظلمة والمادة المظلمة، بالإضافة إلى الإجابة على أسئلة فلكيّة أخرى. فهي تولّد ما وصفه مدير بناء مرصد روبين جيليكو إيفيزيتش بأنّه "أعظم فيلم على الإطلاق والخريطة الأكثر إفادة لسماء الليل والتي تمّ تجميعها على الإطلاق".
The world's largest digital camera is ready to investigate the dark universe https://t.co/giCcqYHWmW pic.twitter.com/H7xj7oTeT5
— SPACE.com (@SPACEdotcom) April 3, 2024
وقال الأستاذ في سلاك ونائب مدير مرصد روبن ورئيس برنامج الكاميرا لموقع "سْبَيس" آرون رودمان إنّ "البيانات التي جمعتها كاميرا LSST وروبين ستكون رائدة حقاً. وستمكّن من إجراء دراسات دقيقة حقّاً حول توسّع الكون والطاقة المظلمة".
وأضاف أنّ مسح LSST سيسمح للعلماء برؤية مليارات المجرات ونحو 17 مليار نجم في مجرّة درب التبانة وملايين الأجسام في النظام الشمسيّ.
"الشيء المذهل" فيها
عن سؤال الموقع بشأن ما يميّز الكاميرا عن تلسكوبات مثل "جيمس ويب"، أوضح رودمان أنّه لن يكون بإمكان العلماء رؤية مجرّة منفردة بوضوح صور "جيمس ويب" لكنّ الكاميرا ستتيح رؤية جزء كبير من السماء.
"إنّ الشيء المذهل في صورنا هو حجمها الكبير، ومدى المساحة التي ستغطّيها عبر السماء، وعدد النجوم والمجرّات التي ستحتويها".
مع ذلك، لا يعني هذا الحجم الهائل أنّ كاميرا LSST ستكون ضعيفة عندما يتعلّق الأمر بالتفاصيل.
أوضح رودمان: "صورها مفصّلة جداً إلى درجة أنّه يمكنها تبيان كرة غولف من مسافة نحو 15 ميلاً (24 كلم) بينما تغطّي مساحة من السماء أكبر بسبع مرات من القمر البدر".
بحسب التقرير نفسه، إنّ إحدى المزايا الرئيسيّة لمسح LSST هي مراقبته رقعة السماء نفسها بشكل متكرر. وهذا سيسمح للعلماء بمراقبة دقيقة لأيّ تغييرات تحدث في تلك المنطقة على مدار 10 أعوام. بمعنى آخر، سيراقب المرء الأحداث العابرة مثل المستعرات العظمى وانحناءات الضوء الآتية من مصادر بعيدة بسبب جاذبية مادّة عابرة (بما فيها المادّة المظلمة)، ويتتبّع تمدّد نسيج الفضاء أثناء اندفاع المجرّات البعيدة بشكل متسارع بفضل تأثير الطاقة المظلمة.
توتّر أثناء البناء... والنقل
سيتوجّب نقل الكاميرا من "سْلاك" في مينلو بارك، كاليفورنيا، إلى قمّة سيرو باتشون (2713 متراً) في جبال الأنديز. هناك، سيتمّ رفعها فوق "تلسكوب سيمونيي المسحيّ" في وقت لاحق من هذه السنة.
ليس حجم الكاميرا فقط هو الذي يجعل عمليّة النقل صعبة. فالكاميرا حسّاسة بشكل ملحوظ، حيث يتكوّن مستواها البؤريّ من 201 مستشعر فوتونات عالية الحساسيّة. وهي مسطّحة بحجم 5 ميكرونات، مع اختلاف في التسطيح لا يزيد عن عُشر عرض شعرة الإنسان. على سبيل المقارنة، تتراوح سماكة الورقة بين 50 و100 ميكرون، بحسب رودمان.
ويبلغ عرض الفجوة بين هذه المستشعرات نحو نصف ملليمتر، ممّا يعني أنّ منعها من الاصطدام مثّل تحدياً كبيراً أثناء التصنيع وسيظلّ تحدّياً أثناء النقل.
Peekaboo dark universe. What will this mammoth camera see? I see a whole plot for an awesome #scifi #space #finalfrontier https://t.co/qKvK5zufOl
— Gianaclis Caldwell (@gianaclis) April 3, 2024
لقد اختبر الفريق المسار الذي ستتخذه كاميرا LSST باستخدام بديل له نفس وزن وشكل الكاميرا. وبالرغم من نجاح المهمّة بحسب رودمان ستبقى عمليّة نقل الكاميرا وإرسالها إلى تشيلي عبر طائرة أمراً موتّراً جدّاً.
متى ستتاح الصور الأولى للجمهور؟
بمجرّد تركيب الكاميرا في أنظمة الموضع التي ستعتمد عليها، مثل الوحدات التي ستقوم بتبريد مستشعرات الصور الخاصّة بها إلى حرارة 100 درجة مئوية تحت الصفر، سيتم إعدادها وتشغيلها.
وقال رودمان: "سنجري بعد ذلك اختبارات للتأكّد من أنّ الكاميرا تعمل بشكل جيّد، ومن أنّ التلسكوب بأكمله يعمل كنظام متكامل. ثمّ لدينا فترة 18 أسبوعاً سنبدأ فيها بالتقاط الصور".
أما بالنسبة إلى ما ستصوّره كاميرا LSST أولاً، فيوضح رودمان أنّ الهدف لمّا يتحدّد بعد، لكنّه يتوقّع أن يكون مساحة من السماء تحتوي على مجرّة كبيرة لامعة. وأضاف أنّه من المقرّر حالياً إصدار صور LSST الأولى للجمهور في ربيع 2025. وأعرب الباحث عن حماسته الكبيرة لرؤية الصور الأولى للكاميرا خصوصاً أنّه كان يعمل على المشروع منذ كانون الثاني (يناير) 2011.