النهار

غزو الدّبابير الآكلة للنّحل... من مفاعيل التغيّر المناخيّ؟
المصدر: "النهار العربي"
أكلاف تمدّد الأنواع الغازية تُقدّر بالمليارات
غزو الدّبابير الآكلة للنّحل... من مفاعيل التغيّر المناخيّ؟
(بيكسابي)
A+   A-

مع التغيّر المناخيّ وارتفاع درجات حرارة الأرض، من المتوقّع أن تتمدّد البيئات الحاضنة لبعض الحشرات والنباتات الضارّة شمالاً، باتّجاه خطوط العرض العليا. هذه الحشرات الغازية فرضت، وستفرض، أكلافاً بمليارات الدولارات على مواطنها الجديدة. هذا ما حدث في أوروبا والولايات المتحدة وأماكن أخرى.

 

يشير تقرير لـ"بلومبرغ" أعدّته الكاتبة لارا وليامز إلى أنّه خلال الشهر الماضي، تمّ رصد شيء مشؤوم في آش، وهي قرية هادئة وجذّابة في جنوب شرق إنكلترا: دبّور آسيوي، يُعرف أيضاً باسم الدبّور ذي الأرجل الصفراء. الموطن الأصليّ لهذه الحشرات المفترسة ذات الشهيّة الشرهة على نحل العسل هو في جنوب شرق آسيا. في أماكن أخرى، يتمّ تصنيفها على أنها من الأنواع الغريبة الغازية.

 

التجارة والاحترار العالميّ

الدبور الآسيويّ مجرّد نوع واحد من أنواع عدّة غير محلّيّة – أي الحيوان أو النبات الذي أُدخل من خلال النشاط البشريّ مع القدرة على الانتشار والتسبب بأضرار بيئيّة أو اقتصاديّة أو صحّيّة للإنسان – والتي يمكن أن تكون لها تداعيات اقتصاديّة ضخمة. فيما التجارة والسفر يمكنّان هذه الأنواع من الوصول إلى مواطن جديدة، بإمكان تغيّر المناخ أن يجعل الأمور أسوأ بكثير في السنوات المقبلة.

 
 
 

تمّ رصد العيّنة البريطانيّة قبل شهر كامل من الرصد الأوّل له خلال السنة السابقة، ما دفع بعض الخبراء إلى افتراض أن الدبّور الذي شوهد في وقت مبكر جداً هو دليل إلى قضائه فصل الشتاء في بريطانيا. في حديث إلى الكاتبة، قالت عالمة البيئة في مركز المملكة المتحدة للبيئة والهيدرولوجيا هيلين روي إنّه من السابق لأوانه الجزم بذلك. بالنظر إلى أنّ لدى فرنسا وبلجيكا وجزر القنال أعداداً كبيرة من الدبابير، لا تزال هناك فرصة في أن تكون هذه الدبابير مسافرة متنقلة. سيكون بالإمكان معرفة الحقيقة مع مرور العام.

 

هذه خسارة مربّي النحل

تشكّل هذه الحشرات التي يمكن تمييزها عبر أرجلها ذات الأطراف الصفراء وبطنها الداكن، خطراً جسيماً على الملقّحات المحلّيّة. يمكن لواحدة فقط من نوع Vespa velutina أن تأكل ما يصل إلى 50 نحلة يومياً، حيث تصطادها عند دخولها أو خروجها من خلاياها، كما أنّ مجرّد وجودها يمكن أن يجعل مستعمرات النحل أقل نزعة للبحث عن الأكل وإخافة الحشرات المخصّبة الأخرى بعيداً من الزهور.

 

إنّ تأثيرها المحتمل على التنوّع البيولوجيّ وإنتاج الغذاء والاقتصاد أمر مثير للقلق. تشير أبحاث في فرنسا حيث تم إدخال الدبّور لأول مرة عن طريق الخطأ بعدما رُفع في بعض الفخّاريّات من الصين، إلى أنّ الأضرار الاقتصاديّة السنويّة قد تصل إلى 33.2 مليون دولار بسبب خسارة مستعمرات النحل. بالنسبة إلى مربّي النحل، يعادل ذلك إنفاق أكثر من ربع عائدات العسل على استبدال النحل المفقود.

 

صنّاع النبيذ في خطر

تمتدّ المخاطر إلى ما هو أبعد من مجرّد النحل. تحبّ الدبابير أيضاً أن تتغذّى على الفاكهة الناضجة، ما يشكل تهديداً لمزارعي النبيذ. ومع انخفاض الملقّحات البريّة بسبب فقدان الموائل واستخدام المبيدات الحشريّة، قد يكون التهديد الجديد وجودياً. من الأفضل توقّع حدوث تأثير على غلة المحاصيل.

 
 

بحسب التقرير نفسه، تعمل الدبابير الآسيويّة جيّداً في مناخ بريطانيا الحاليّ، لكن مع ارتفاع درجات الحرارة، تنفتح إمكانية وجود كائنات غريبة غازية لتوطيد وجودها.

 

نوع آخر من الغزوات... 32 مليار دولار!

على سبيل المثال، يعتبر النمل الناريّ الأحمر المستورد، من بين أسوأ الأنواع الغازية في العالم. موطنه الأصلي هو المناطق الاستوائيّة في وسط أميركا الجنوبية، وقد غزا هذا النمل وأقاربه الولايات المتحدة وأستراليا، بكلفة تقدّر بنحو 32 مليار دولار على مستوى العالم. فهو يشكّل تهديدات للتنوع البيولوجيّ المحلّيّ ويقلّل من غلّات المزارعين ويسبّب أضراراً هيكليّة للمباني.

 

في أيلول (سبتمبر)، تمّ تأكيد وجود هذا النوع في أوروبا لأول مرة، مع اكتشاف 88 عشاً في صقلية. في الوقت الحالي، إنّ 7 في المئة فقط من القارة مضيافة له على مستوى المناخ، بما في ذلك نصف المناطق الحضرية، لكنّ تغيّر المناخ يزيد كثيراً من موائله المحتملة.

 

الذكاء الاصطناعيّ

في الوقت الحاليّ، يعتمد الرصد على الجمهور وأصحاب المصلحة مثل مربّي النحل والمزارعين الذين يبلغون عن مشاهدات مشتبه بها، لكنّ التقدّم في الذكاء الاصطناعيّ يمكن أن يساعد تلك الجهود. يقوم علماء في جامعة إكستر حالياً باختبار محطة مراقبة تعمل بالذكاء الاصطناعيّ في جيرسي. يمكن للبرنامج المسمى VespAI اكتشاف الدبابير بدقة تصل إلى 99 في المئة. قد يكون استخدام تكنولوجيا التعلّم العميق فعالاً أيضاً في تعقّب الأعشاب الضارّة والأسماك والحيوانات المفترسة.

 

لقد كلّفت الأنواع الغازية الاقتصاد العالميّ أكثر من 423 مليار دولار سنة 2019، بحسب تقرير صادر عن المنصّة الحكوميّة الدوليّة المعنيّة بالتنوع البيولوجي وخدمات النظم البيئيّة، حيث تضاعفت التكاليف أربع مرات على الأقل في كلّ عقد منذ سنة 1970.

 

 

اقرأ في النهار Premium