النهار

هل ساهمت موجات الجاذبيّة بتوليد الحياة على الأرض؟
إعداد: جورج عيسى
المصدر: "النهار العربي"
دراسة جديدة تبحث في هذا الاحتمال
هل ساهمت موجات الجاذبيّة بتوليد الحياة على الأرض؟
صورة تعبيرية عن موجات الجاذبية (تعاون بين مرصدي ليغو وفيرغو لرصد موجات الجاذبية)
A+   A-

ثمّة عناصر كيميائيّة معيّنة لا يمكن للحياة أن تتطوّر بدونها. يعتقد العلماء أنّ غالبيّة هذه العناصر أتت من الفضاء الخارجيّ. منها ما هو قديم قدم الكون نفسه تقريباً (الهيدروجين مثلاً) ومنها ما نجم عن أحداث عنيفة كالمستعرات العظمى (الأكسيجين على سبيل المثال). لكن يبدو أنّ ثمّة مكاناً آخر يمكن النظر إليه لمواصلة فكّ ألغاز الحياة على الأرض. أين ذلك؟

تقرير في مجلّة "پوپولار ميكانيكس" يلقي الضوء:

 

لقد تطوّرت كلّ أشكال الحياة على الأرض ضمن غلاف جوّي محدّد يختلف تماماً عن الغلاف الجوّي الموجود حتى في أقرب الكواكب المجاورة. في بحث جديد لم يخضع لمراجعة الأقران، وعنوانه "هل ندين بوجودنا لموجات الجاذبية؟"، وجد ثلاثة فيزيائيّين أنّ أصل الحياة على الأرض يمكن أن يعتمد بشكل مباشر على سلسلة من الأحداث التي توصلنا إلى موجات الجاذبيّة.

 

يمكن لهذه التموّجات العملاقة عبر الزمكان أن تحوّل اصطدامات النجوم النيوترونيّة إلى شحنات كيميائيّة بعيدة المدى يقول الباحثون إنها ربّما جلبت اليود والبروم إلى الأرض. تُعتبر هذه العناصر عناصر غذائيّة أساسيّة لدى البشر اليوم، بما في ذلك أثناء نموّ الجنين، ويقول الباحثون إنّ هذا قد يكون أفضل تفسير لكيفيّة وصولها إلى هنا. في ورقة معدّة للطباعة، انضمّ الفيزيائيّ الشهير جون إلّيس من كلّيّة الملك بلندن والمنظّمة الأوروبّيّة للأبحاث النوويّة (سيرن) إلى بريان فيلدز من جامعة إلينوي وريبيكا سورمان من جامعة نوتردام.

 

ما هي هذه العناصر؟

أوضح العلماء أنّ جسم الإنسان يحتاج إلى أكثر من عشرين عنصراً، بدءاً من الكربون والهيدروجين وصولاً إلى اليود. غالبيّة هذه العناصر خفيفة الوزن وذات أعداد ذرّيّة قليلة (أي عدد البروتونات الموجودة داخل الذرّة)، وهي انتشرت في جميع أنحاء الجزء الذي نعيش فيه من الكون بواسطة المستعرات العظمى. يعود تاريخ الهيدروجين إلى الانفجار الكبير تقريباً، وتشكّلت عناصر أخرى كجسيمات انطلقت حول الكون الوليد وعلقت في نوى مختلفة.

 
 
 
 

لكن بعض تلك العناصر الأساسيّة أثقل وأحدث قليلاً، ولا يمكن تفسيرها بنفس تلك المستعرات العظمى. لا بدّ من أن يكون شيء آخر قد حدث لترسّبها على الأرض، وبكمّيّات كافية مكّنت من تطوّر الحياة في المقام الأول. نحن جميعاً نحمل هذه العناصر، وتستخدمها البيولوجيا الخاصّة بنا لبناء الأنسجة والاستفادة من الطاقة وإنشاء عمليّة التمثيل الغذائيّ وسوى ذلك. ما من "حياة إنسانية" كما نعرفها بدون هذه العناصر الثقيلة، فمن أين أتت إذاً؟

 

"عمليّة آر"

يمكننا تفسير اليود والبروم بشيء يسمّى "عملية آر" أو عمليّة التقاط النيوترونات السريعة. مثل شخصيّة في لعبة فيديو، يمكن لنواة من الذرّة أن تنتقل من نيوترون إلى نيوترون وتراكمها جميعاً، ممّا يؤدّي إلى تجنّب التحلّل الإشعاعيّ وبناء كتلة ذرّيّة. يمكن إرجاع العناصر الأثقل إلى "عمليّة آر" أو "عمليّة إس" (عمليّة إلتقاط النيوترونات البطيئة) مختلفة، وبين الاثنتين، يصعب قياس "عملية آر" وفهمها بسبب تقلّبها.

 
 

حتى ضمن "عمليّة آر"، يمكن للأخيرة أن تحدث أيضاً في أنواع مختلفة من البيئات، وليس فقط في الاصطدامات بين النجوم النيوترونيّة. هذا البحث هو محاولة للبدء في تحديدٍ بشكل كمّيّ أحد هذه المصادر بمزيد من اليقين، إذا كان ذلك ممكناً. الكيلونوفا هي اندماج نجمين نيوترونيّين، أو نجم نيوترونيّ وثقب أسود، يؤدّي إلى إطلاق كمّيّة غير عاديّة من الضوء والنشاط الإشعاعيّ. تولّد "كيلونوفا" أيضاً موجات جاذبيّة، وهو أمر تمّت ملاحظته وتأكيده خلال السنوات العشر الماضية.

 

"سلسلة الحراسة"

من السهل رؤية كيف يمكن للبروم أن يبحر عبر الموجة وصولاً إلى الأرض البدائيّة، وربّما قام اليود بالأمر نفسه أيضاً. لكن كيف يمكن للعلماء اختبار هذه النظريّة؟ يوضح الباحثون أنّ هذه الورقة هي مجرّد استكشاف لـ "سلسلة الحراسة" لهذين العنصرين من عناصر "عمليّة آر" على طول الطريق من أصل واحد محتمل إلى الأرض. قد يركّز باحثون مستقبليّون على استكشاف المواقع الأخرى التي تولّد "عملية آر" مثلاً أو التحقّق من "أدلّة ظرفيّة" تشير إلى أنّ اليود يأتي من الكيلونوفا.

 
 

اليود الموجود في البشر هو نظير اليود 127 والذي يقول الباحثون إنّه قد يأتي من الكيلونوفا مثل اليود المشعّ 129. ويقترحون أنّه في الدراسات المستقبليّة سيكون بإمكان الفيزيائيّين دراسة كمّيّة اليود 129 الموجودة في الصخور القمريّة في ما يتعلّق بنتائج أخرى متوقعة للكيلونوفا.

 

وخلص الباحثون إلى أنّ الدراسات المستقبليّة "قد توفّر أدلّة ظرفيّة على أنّ ‘عملية آر‘ في الكيلونوفا تُنتج بالفعل اليود، ممّا يشير إلى إجابة إيجابيّة على السؤال الموجود في عنوان هذه الورقة".

 

 

اقرأ في النهار Premium