سأل أحد التلامذة المهتمّين موقع "ذا كونفرسيشن" عمّا إذا كان "تلسكوب جيمس ويب الفضائيّ" سيتمكّن من رؤية بداية الزمن لو كان حجمه أكبر بعشر مرّات.
على هذا السؤال، أجابت الأستاذة المساعدة في قسم علم الفلك والفيزياء الفلكيّة في جامعة ميريلاند آدي فورد بمقال جاء فيه:
"يعدّ تلسكوب جيمس ويب الفضائي واحداً من أكثر التلسكوبات تقدماً على الإطلاق. بدأ التخطيط له منذ أكثر من 25 عاماً وامتدت جهود تصنيعه لأكثر من عقد زمنيّ. تمّ إطلاقه إلى الفضاء في 25 كانون الأول (ديسمبر) 2021، وفي غضون شهر وصل إلى وجهته النهائية: على بعد 930 ألف ميل (نحو 1.5 مليون كيلومتر) من الأرض. يسمح له موقعه في الفضاء برؤية الكون من دون عائق بشكل نسبيّ.
كان تصميم التلسكوب عبارة عن جهد عالمي بقيادة وكالة "ناسا" وهدف إلى دفع حدود المراقبة الفلكيّة من خلال هندسة ثوريّة. مرآته هائلة ويبلغ قطرها نحو 6.5 متراً. يساوي ذلك تقريباً ثلاثة أمثال حجم تلسكوب هابل الفضائي الذي تم إطلاقه سنة 1990 وما زال يعمل حتى اليوم.
تلسكوب جيمس ويب الفضائيّ كبير جداً إلى درجة أنّه يمكنه "رؤية" المجرات والنجوم الأبعد والأكثر خفوتاً في الكون. ويمكن لأجهزته المتطوّرة أن تكشف معلومات عن تكوين ودرجة حرارة وحركة هذه الأجسام الكونية البعيدة.
إلى أيّ مدى يمكن لـ"جيمس ويب" النظر نحو الوراء؟ نحو 13.5 مليار سنة.
السفر عبر الزمن
لا تُظهر التلسكوبات النجوم والمجرات والكواكب الخارجيّة كما هي الآن. بدلاً من ذلك، يلقي علماء الفلك من خلالها لمحة عمّا كانت عليه في الماضي. يستغرق الضوء وقتاً للانتقال عبر الفضاء والوصول إلى تلسكوباتنا. هذا يعني أنّ نظرة إلى الفضاء هي أيضاً رحلة إلى الوراء في الزمن.
Could a telescope ever see the beginning of time? An astronomer explains https://t.co/0zGVxPQNLT
— ForensicPsyMD (@ForensicPsyMD) April 10, 2024
كلّما كان الجسم المضيء بعيداً، استغرق ضوؤه وقتاً أطول للوصول إلينا. لهذا السبب، إنّ الضوء الذي نراه من أقرب نجم إلينا، بروكسيما سنتوري، يبلغ من العمر 4 سنوات. في الآونة الأخيرة، رصد تلسكوب جيمس ويب الفضائي إيرينديل، وهو أحد أبعد النجوم المكتشفة على الإطلاق. يبلغ عمر ضوئه نحو 12.9 مليار سنة.
ينظر تلسكوب جيمس ويب الفضائي إلى زمن أبعد بكثير ممّا كان ممكناً في السابق لدى استخدام تلسكوبات أخرى، مثل تلسكوب هابل الفضائي. على الرغم من أنّ هابل يستطيع رؤية أجسام أكثر خفوتاً بمقدار 60 ألف مرة بالمقارنة مع قدرة العين البشرية، بإمكان تلسكوب جيمس ويب الفضائي رؤية أجسام أكثر خفوتاً بتسع مرات تقريباً بالمقارنة مع قدرة هابل.
الانفجار العظيم
هل من الممكن أن نرى العودة إلى بداية الزمن؟
الانفجار العظيم هو مصطلح يُستخدم لتحديد بداية كوننا كما نعرفه. يعتقد العلماء أنّ ذلك حدث منذ نحو 13.8 مليار سنة. إنّها النظريّة الأكثر قبولاً بين الفيزيائيين لشرح تاريخ كوننا. كانت البيئة بعد الانفجار العظيم مباشرة مشابهة لضباب كونيّ غطّى الكون، مما صعّب على الضوء السفر خارجه. في نهاية المطاف، بدأت المجرّات والنجوم والكواكب في النمو.
Could a telescope ever see the beginning of time? An astronomer explainshttps://t.co/OsgLwmq01P
— Astronomy Magazine (@AstronomyMag) April 9, 2024
لهذا السبب يُطلق على هذه الحقبة في الكون اسم "العصور الكونيّة المظلمة" بحسب فورد. مع استمرار الكون في التوسّع، بدأ الضباب الكونيّ ينجلي وتمكن الضوء في النهاية من السفر بحرّيّة عبر الفضاء. رصدَ عددٌ قليل من الأقمار الاصطناعيّة الضوء الذي خلّفه الانفجار العظيم، بعد نحو 380 ألف سنة من حدوثه. تمّ تصميم تلك التلسكوبات للكشف عن التوهّج المتبقّي من الانفجار العظيم والذي يمكن تتبّع ضوئه في نطاق الموجات الميكرويّة.
مع ذلك، حتى بعد 380 ألف سنة من الانفجار العظيم، لم تكن هناك نجوم ومجرّات. كان الكون لا يزال مكاناً مظلماً للغاية. لن تنتهي العصور المظلمة الكونيّة إلا بعد بضع مئات الملايين من السنوات، عندما بدأت النجوم والمجرّات الأولى بالتشكل.
هدف التصميم
لم يتمّ تصميم "جيمس ويب" لرصد ما يعود إلى زمن الانفجار العظيم، لكن لرؤية الفترة التي بدأت خلالها الأجسام الأولى في الكون بالتشكل وإصدار الضوء. قبل هذه الفترة الزمنيّة، كان هناك القليل من الضوء الذي يمكن للتلسكوب مراقبته، بالنظر إلى ظروف الكون المبكر وقلّة المجرّات والنجوم.
إنّ العودة إلى الفترة الزمنيّة القريبة من الانفجار العظيم لا ترتبط فقط بمجرّد وجود مرآة أكبر، فقد قام علماء الفلك بذلك عبر استخدام أقمار اصطناعيّة أخرى تراقب انبعاث الموجات الميكرويّة بعد وقت قصير جداً من الانفجار العظيم. لذلك، إنّ مراقبة تلسكوب جيمس ويب الفضائيّ للكون بعد بضع مئات الملايين من السنوات التي تلت الانفجار العظيم لا تشكّل قيداً على التلسكوب بل هي مهمّته. إنّها انعكاس للمكان الذي نتوقّع ظهور الضوء الأول من النجوم والمجرات فيه.
من خلال دراسة المجرّات القديمة، يأمل العلماء فهم الظروف الفريدة للكون المبكر والحصول على نظرة ثاقبة للعمليّات التي ساعدتها على الازدهار. يتضمّن ذلك تطوّر الثقوب السوداء الهائلة ودورة حياة النجوم ومكوّنات الكواكب الخارجية - وهي عوالم خارج نظامنا الشمسيّ بحسب فورد.