إذا كنتم تظنّون أنّ كوكب عطارد الحارق سيكون خالياً من أيّ مفاجآت، فربّما ينبغي أن تعيدوا التفكير بذلك. في الواقع، فاجأ عطارد علماء الفلك أكثر من مرّة حين قرّروا دراسة الكوكب ومراجعة استنتاجاتهم مع فرضيّاتهم الأوّليّة.
زارت الكوكب مهمّتان لغاية اليوم: "مارينر 10" (1973) و"مَسنجر" (2004). حاليّاً، تمّ إطلاق مهمّة "بيپي كولومبو" الأوروبّيّة-اليابانيّة سنة 2018، ومن المتوقّع أن تصل إلى مدار الكوكب سنة 2025. في الواقع، تحتاج المهمّات للوصول إلى عطارد مقداراً من الطاقة يفوق ذلك المستهلك للوصول إلى جسم بلوتو بسبب سرعة دورانه حول الشمس.
يقدّم تقرير في مجلّة "سميثسونيان" الأميركيّة سبعة اكتشافات مفاجئة تخصّ الكوكب "المليء بالتناقضات":
1-عطارد كوكب معدنيّ
على الرّغم من أنّ قطره بالكاد يتجاوز قطر القمر، يبقى أنّ كثافة عطارد أكبر بأربعة أمثال. في الواقع، إنّ عطارد هو الكوكب الثاني الأكثر كثافة في نظامنا الشمسيّ بعد الأرض. تأتي الكثافة الهائلة للكوكب من احتوائه على نواة حديديّة كبيرة تشكّل نحو 60 في المئة من حجم الكوكب. في المقابل، يبلغ حجم نواة الأرض نحو 15 في المئة من حجمها وحسب.
Only two robotic missions have made it to the Swift Planet, but they were crucial for upending many false assumptions of that sun-scorched world. https://t.co/ZzKFBnOueA
— Smithsonian Magazine (@SmithsonianMag) April 16, 2024
يعتقد العلماء أنّ الطبقة الخارجيّة لعطارد ربّما تبخّرت بفعل الشمس أو تناثرت بفعل رياحها. أو ربّما يكون الكوكب الفتيّ قد تعرّض لارتطام كبير جرّد معظم الطبقة الخارجيّة الليّنة، فترك وراءه اللبّ الأكثر ثباتاً. وبما أن جزءاً من الوشاح والقشرة لا يزال موجوداً حتى اليوم، يشير ذلك إلى أنّ الاصطدام لم يكن نتيجة ضربة مباشرة ربّما، بل ضربة جانبيّة حافظت على بعض طبقات عطارد الأصليّة.
2-لديه مجال مغناطيسيّ!
وجدت "مارينر 10" أنّ عطارد لا يزال يحتفظ بمجال مغناطيسيّ. صدمَ هذا الاكتشاف المجتمع العلميّ الذي كان يفترض أنّ كوكباً صغيراً كهذا سيبرد بسرعة فتتجمّد الأجزاء الداخليّة منه، ويفقد تالياً أيّ وسيلة لإطلاق تيّار مغناطيسيّ على مستوى شامل. إنّ وجود غلاف مغناطيسيّ يعني أنّ جزءاً من قلب عطارد لا يزال متماوجاً.
المجال المغناطيسيّ لعطارد أضعف بنحو 100 مرّة من المجال المغناطيسيّ للأرض. يعني الدينامو البطيء أنّ الكوكب في نهاية مرحلة تطوّره وفي طريقه ليصبح كوكباً ميتاً كالمرّيخ. سنة 2010، وثّقت مهمّة "مَسنجر" كيف أنّ حالة المجال المغناطيسيّ للكوكب لم تكن متوازنة. لا يتطابق القطب الجنوبيّ المغناطيسيّ مع موقع القطب الجغرافيّ؛ بدلاً من ذلك، هو مدفون تحت خُمس المسافة داخل الكوكب.
يقدّم المجال المغناطيسيّ لمحة عن باطن الكوكب وتاريخه، ملمّحاً إلى مدى تباطؤ تيّاراته الداخليّة على مدى مليارات السنين، كما يقول أنطونيو جينوفا، مهندس الفضاء الجوّيّ الذي يدرس الجيوديسيا (فرع من الرياضيّات الهندسيّة) المتعلّقة بالكواكب والجيوفيزياء في جامعة سابينزا في روما. وسيستفيد فريقه من مهمّة "بيپي كولومبو" لمواصلة استكشاف أسرار عطارد الجوفية.
3-غلاف جوّيّ رقيق
يتمتّع عطارد بغلاف جوّيّ رقيق إلى درجة أنّه لا يصنّف غلافاً جوّياً. بدلاً من ذلك، يطلق العلماء على هذه الطبقة الضعيفة من الغاز اسم الغلاف الخارجيّ، حيث يكون الغاز نادراً للغاية إلى درجة أنّه بالكاد يسجّل قراءة للضغط.
Huh. I never knew this!
— Keith R. Pillow | Senior Marketing Executive (@keithrpillow) April 17, 2024
The Seven Most Amazing Discoveries We’ve Made by Exploring The Planet Mercury, writes @goes_by_kim in @SmithsonianMag ➡️ https://t.co/DieUrjuUlU pic.twitter.com/qDhFFkdmte
يتعرّض عطارد لضربات شمسيّة مستمرّة، لذلك يجب على غلافه الخارجيّ أن يجدّد نفسه من السطح. في ذلك الغلاف، اكتشف علماء الفلك خلال الثمانينات عناصر الصوديوم والبوتاسيوم والكالسيوم الذرّيّة وهي معادن ذات إشارات انبعاثيّة قويّة يمكن ملاحظتها باستخدام التلسكوبات. لا يُنظر عادةً إلى هذه العناصر المعدنيّة على أنّها غازات.
تحفر الرياح الشمسيّة الغلاف الخارجيّ وتؤدّي التفاعلات بين الغازات والجسيمات المنبعثة من الشمس إلى تشكيل ذيل متوهّج بطول 15 مليون ميل (نحو 24 مليون كيلومتر) خلف عطارد. يطول هذا الذيل وينكمش موسميّاً بالاعتماد على قرب عطارد من الشمس.
4-جليد عند القطبين!
لا يحتوي كوكب يدور بالقرب من الشمس على أي ماء، ناهيكم عن الجليد، أو هذا ما اعتقده الباحثون. لكن في تسعينات القرن الماضي، أصيب العلماء بالدهشة عندما لاحظوا نقطتين عاكستين ساطعتين عند القطبين، وهما على الأرجح رواسب جليديّة.
في 2012، أكدت "مَسنجر" أنّ الجليد الموجود في القطب الشماليّ لعطارد عبارة عن مياه متجمّدة. حدّدت قياسات الليزر الموجودة على متن المهمّة وجود مادّة غنيّة بالكربون على السطح تعمل على عزل كتلة ثلجيّة تحتها.
تمكّن عطارد من التمسّك بمياهه لأنه يحتوي على جيوب خاضعة لظلّ دائم. وهذا يعني أنّ الفوهات الناتجة عن ارتطامات بالقرب من القطبين لا ترى ضوء النهار أبداً. تنخفض درجات الحرارة داخل هذه الشقوق إلى ما دون 280 درجة فهرنهايت، (ناقص 173 درجة مئويّة) وهي قريبة من درجة الحرارة التي تسيّل غاز النيتروجين.
كما هي الحال في معظم الكواكب الصخريّة الأخرى، يحتمل أن تكون المياه الموجودة على عطارد قد جاءت من كويكبات ارتطمت بالسطح. على الكواكب الأرضيّة الأخرى في النظام الشمسيّ، أدّت العمليّات الجيولوجيّة مثل دورة الطقس إلى تشتيت المياه القادمة من الخارج في جميع أنحائها.
5-موادّ متطايرة أخرى أيضاً
تحدّى عطارد التوقّعات مرّة أخرى عندما اكتشفت "مَسنجر" موادّ متطايرة فوق الكوكب نفسه. الموادّ المتطايرة هي موادّ كيميائيّة يمكنها الانتقال بين المرحلتين الصلبة والغازيّة بسبب تغيّر قصير في درجة الحرارة. إلى جانب الماء، هناك الكبريت والبوتاسيوم والكلور التي تتبخّر بسهولة عند درجات حرارة مرتفعة إلى حدّ ما. تتوزّع هذه الموادّ المتطايرة في جميع أنحاء الكوكب. بالنسبة إلى حجمه، يحتوي عطارد على مقدار كبير من المحتوى المتطاير.
مصدر تلك الموادّ وكيفيّة احتفاظ عطارد بها لا يزالان موضع نقاش علميّ بين من يعتقد أنّها جاءت من تحت الأرض في وقت حديث نسبيّاً ومن يعتقد أنّها ظهرت على السّطح منذ تكثّف عطارد الجنينيّ من قرصه الكوكبيّ الأوليّ.
Mercury has proved to be a world of contradictions, a dynamic planet that hides more surprises than scientists initially gave it credit for. https://t.co/W3GwFAvfnz
— Shahriyar Gourgi (@ShahriyarGourgi) April 17, 2024
تحثّ المواد المتطايرة على عطارد على إثارة أسئلة مهمّة. على سبيل المثال، إذا كانت الكواكب التي تواجه نجومها تحتوي على موادّ متطايرة، وبخاصة الماء، فهل يمكن أن تكون هذه المواقع صالحة للسكن أيضاً؟ تقول ديبوراه دومينغ من معهد العلوم الكوكبيّة: "يُظهر لنا عطارد التالي: لا تستبعدوا (الكواكب) القريبة من الشمس".
6-زينة جيولوجيّة فريدة
يحتوي عطارد على منخفضات غير منتظمة على سطحه تسمّى التجاويف. لمحتها "مارينر 10" لأوّل مرة سنة 1975؛ ثم قامت "مَسنجر" بتصوير هذه المساحات الضحلة بدقّة عالية. تمتدّ المنخفضات على مساحات تتراوح بين بضع من عشرات الأقدام إلى أكثر من ميل، وقد يصل عمقها إلى 120 قدماً (36.5 متراً).
بحسب نظريّات العلماء، قد تكون التجاويف من صنع الموادّ المتطايرة. بالنظر إلى أنّ عطارد منعدم الغلاف الجوي والأمطار والرياح لنحت الأرض، لا يمكن للسمات السطحيّة كالتجاويف أن تتشكّل إلّا من عمليّات أخرى، مثل تسرّب المواد المتطايرة إلى الفضاء. تعتبر التجاويف عبارة عن تكوينات حديثة نسبيّاً، إذ يبلغ عمرها نحو 100 ألف عام في المتوسط، مقارنة ببعض الفوهات الأثريّة التي يبلغ عمرها أربعة مليارات عام على عطارد. ويعتقد العلماء أنّ التجاويف لا تزال تتشكّل حتى اليوم. ولا يبدو أنّ أي جرم سماويّ آخر في النظام الشمسيّ يظهر علامات مماثلة.
7-نشاط بركانيّ سابق
توفّر تضاريس عطارد أدلّة على أنّ براكين قذفت الحمم على الكوكب ذات مرّة. أكّدت "مَسنجر" أنّ سهولاً لامعة تنتشر عبر سطح عطارد. يقترح كل سهل حمماً بركانيّة مجمّعة ملساء فوق فوهات وتلال قديمة. يعتقد الباحثون أنّ البراكين الصهاريّة توقّفت هناك منذ ما بين مليار إلى 3.5 مليار سنة، وذلك بسبب تبريد الكوكب وانكماشه الذي سدّ ممرّات الصهارة.
أظهر عطارد أيضاً علامات على نوع آخر من البراكين: الانفجارات. تلمّح حفر غير منتظمة يبلغ عرضها أميالاً عدّة وعمقها أكثر من ميلين (نحو 3.2 كيلومتر) إلى براكين قديمة تدمّرت ذاتيّاً. وتنتشر حول هذه الحفر رواسب يعتقد الباحثون أنها مقذوفات من الانفجارات.
يقول الخبراء إنّ هذه الأنواع من الانفجارات البركانيّة قد تكون ناجمة عن الموادّ المتطايرة الموجودة تحت الأرض. عندما ترتفع هذه الموادّ الكيميائيّة المدفونة إلى السطح، فهي تتوسّع في الحجم. في نهاية المطاف، يؤدّي تراكم ضغط الغازات إلى انفجار البركان، كما يحصل مع بالون منفوخ إلى ما بعد حدّه الأقصى.