أكملت شبكة بيتكوين مساء يوم الجمعة الماضي عملية "التنصيف" الرابعة لها، حيث خفّضت المكافآت التي يحصل عليها المعدنون إلى 3.125 بيتكوين من 6.25 بيتكوين. شهد سعر بيتكوين تقلبًا كبيرًا قبل الحدث، وانخفض حوالى 4 بالمئة هذا الأسبوع ليصل سعره إلى حوالى 64,100 دولار، وفقًا لشركة "كوين متريكس".
من الناحية التقنية، لا ينبغي أن يؤثر "التنصيف" على سعر بيتكوين على المدى القصير، ولكن يتوقع العديد من المستثمرين تحقيق مكاسب كبيرة في الأشهر المقبلة، بناءً على أداء العملة المشفرة بعد عمليات "التنصيف" السابقة. فبعد عمليات "التنصيف" التي حدثت في عامي 2012 و 2016 و 2020، ارتفع سعر بيتكوين بنحو 93 ضعفًا و 30 ضعفًا و 8 أضعاف على التوالي، من سعر يوم "التنصيف" إلى ذروة دورة السوق.
ما هو "التنصيف؟"
تعمل بيتكوين، الرائدة في عالم العملات الرقمية المشفرة، على شبكة لامركزية مؤمّنة من قبِل عمال التعدين الذين يقومون بالتحقق من صحة المعاملات والحفاظ على سجل البلوكتشين (blockchain)، ويحصلون بالمقابل على مكافآت هي عدد معين من بيتكوين.
يُعتبر "التنصيف" (Halving) أحد أهم الأحداث التي تضرب سوق العملات الرقمية، ويحدث هذا بشكل تقريبي كل 4 سنوات.
"التنصيف" هو حدث مُبرمج مسبقًا يقلّل بشكل كبير المكافأة التي يحصل عليها عمال التعدين الذين ينجحون في استخراج كتلة جديدة. في البداية، كان عمال التعدين يحصلون على مكافأة ضخمة تبلغ 50 بيتكوين لكل كتلة. لكن مع كل عملية خفض عائد متتالية، يتمّ تقليص هذه المكافأة تدريجياً إلى النصف. يهدف هذا الإجراء إلى التحكّم في معدل إدخال عملات بيتكوين جديدة إلى التداول، ما يضمن ندرتها والحفاظ على قيمتها المرتفعة.
جدول "التنصيف": مرّة كل 4 سنوات
جدول "التنصيف" محدّد مسبقًا، وهو يحدث عند كل 210,000 كتلة تقريبًا (أي ما يعادل 4 سنوات)، يتمّ تقسيم المكافأة التي يحصل عليها عمال التعدين إلى النصف. في ما يلي استعراضٌ للتنصيفات الأربعة التي شهدتها بيتكوين حتى الآن:
التنصيف الأول (2012): كانت بيتكوين آنذاك في مراحلها المبكرة، ولم تكن معروفة على نطاق واسع. عمل خفض العائد الأول كإنجاز مهمّ، حيث أكّد إمكانية استمرار بيتكوين على المدى الطويل. وشهد السوق بعد ذلك ارتفاعًا ملحوظًا في الأسعار، وإن لم يكن بالشكل الدراماتيكي الذي رافق عمليات خفض العائد اللاحقة.
التنصيف الثاني (2016): بحلول عام 2016، اكتسبت بيتكوين اهتمامًا عالميًا أكبر. تزامن خفض العائد الثاني مع زيادة اهتمام المؤسسات بالعملة الرقمية. وبعد الحدث، شهدت أسعار بيتكوين ارتفاعًا صاروخيًا.
التنصيف الثالث (2020): استمر تبنّي المؤسسات لبيتكوين في النمو. ومع ذلك، حدث خفض العائد الثالث في عام 2020 وسط حالة من عدم اليقين الاقتصادي العالمي. وعلى الرغم من ذلك، ارتفعت أسعار بيتكوين إلى مستويات قياسية جديدة.
خفض العائد الرابع (2024): أصبحت بيتكوين الآن فئة أصول راسخة. كان خفض العائد الرابع لعام 2024 حدثًا متوقعًا بشدّة، وتمّت مراقبة تأثيره من كثب. تنوعت ردود فعل السوق، لكن التفاؤل على المدى الطويل ظل سائدًا.
التنصيف الأخير: من المتوقع حدوث عملية التنصيف الأخيرة في عام 2140. بحلول ذلك الوقت، سيصل إجمالي المعروض من بيتكوين إلى حدّه الأقصى وهو 21 مليوناً.
تأثر أسعار بيتكوين بالتنصيف
عادةً ما يستمر سعر بيتكوين بالارتفاع لأشهر عدة بعد التنصيف، في المتوسط لمدة 7 أشهر. ومع ذلك، يُنظر إلى هذه الارتفاعات أيضًا على أنّها علامة تحذير على انهيار محتمل أو انخفاض في السوق، وذلك بسبب قيام عدد من المستثمرين، وبخاصة المستثمرين على المدى الطويل، ببيع حيازاتهم من بيتكوين والاستفادة من المكاسب التي تتحقق بعد التنصيف.
من ناحية أخرى، يتوقع المحلّلون أن تكون تحركات أسعار بيتكوين مختلفة قليلاً بعد عملية التنصيف الحالية، وذلك لأنّ بيتكوين شهدت بالفعل ارتفاعات كبيرة، وحتى مستويات قياسية جديدة قبل عملية التنصيف نفسها. وبناءً على ذلك، يبدو أنّ دورة الأسعار الكاملة التي عادةً ما تحيط بهذا الحدث، قد تعرّضت للضغط بشكل كبير.
هناك سبب رئيسي آخر قد يدفع أسعار بيتكوين لعدم الارتفاع بعد هذا التنصيف، وهو أنّ الاحتياطي الفيدرالي الأميركي كان يتبع سياسة نقدية توسعية خلال التنصيفات السابقة، أي أنّ أسعار الفائدة في ذلك الوقت كانت منخفضة نسبياً.
ومع ذلك، فقد تغيّر هذا بشكل كبير خلال الأشهر العديدة الماضية، حيث قام الفيدرالي برفع أسعار الفائدة لمكافحة التضخم المرتفع المستمر. أدّت أسعار الفائدة المرتفعة إلى زيادة الاهتمام بأدوات مثل سندات الخزانة الأميركية وغيرها من الأصول والاستثمارات ذات العائد.
في المقابل، أدّى هذا أيضًا إلى ابتعاد الناس عن الأصول الأكثر خطورة مثل بيتكوين والعملات المشفرة الأخرى. على الرغم من وجود تلميحات متزايدة حول خفض أسعار الفائدة من قبل الفيدرالي في وقت ما خلال الأشهر القليلة المقبلة، إلّا أنّه لا يزال من غير المؤكّد متى سيحدث ذلك بالضبط.
وعليه، قد يظل المستثمرون حذرين من الاستثمار في بيتكوين قبل خفض أسعار الفائدة. وهناك عامل رئيسي آخر لهذا التردّد، هو أنّ تكلفة المعيشة لا تزال تحلّق في مناطق عدة من العالم، ما يترك عدداً من المستثمرين يعانون لتوفير مستلزمات الحياة الأساسية وقروض الرهن العقاري، ويؤدي إلى تآكل كبير للدخل المتاح.
ختاماً، يُعتبر تنصيف بيتكوين عنصرًا أساسيًا في تصميم العملة المشفرة، حيث يؤثر على نظامها الحيوي من خلال سلوك المعدنين ومعنويات المستثمرين، مع التأكيد في الوقت نفسه على ندرة بيتكوين كأصل محدود. ومع تقدّمنا، من المرجح أن تظل أحداث التنصيف لحظات محورية في عالم العملات المشفرة، ما يؤثر على كل من المعدنين والمستثمرين بطرق ملحوظة.