تناولت مجلّة "إيكونوميست" البريطانيّة مصير تطبيق "تيك توك" في الولايات المتحدة مشيرة إلى أنّ حظره قد يحمل ارتدادات سلبيّة طويلة المدى على الأميركيّين. وفي حال نجا التطبيق من الإجراءات الأميركيّة التقييديّة بفعل المحاكم، فقد تخرج الشركة المالكة أقوى من السابق.
وجاء في تقرير المجلّة:
انضمّ الرئيس الأميركيّ جو بايدن إلى "تيك توك" قبل شهرين فقط، بفيديو تحت عنوان "لول مرحباً يا شباب". لكنّه يستعدّ الآن للتوقيع على مشروع قانون قد يحظر التطبيق الشهير. في 23 نيسان (أبريل)، وافق مجلس الشيوخ على إجراء لتضييق الخناق على "التطبيقات التي يسيطر عليها الخصوم الأجانب"، بما فيها "تيك توك" كجزء من مشروع قانون يوافق على المساعدات العسكريّة لأوكرانيا وإسرائيل وتايوان. قال بايدن إنّه سيوقّع مشروع القانون ليصبح قانوناً، بصرف النظر عن مشاعر متابعيه الـ300 ألف، أو على العموم مشاعر المستخدمين الأميركيين للتطبيق والبالغ عددهم 170 مليوناً.
ما يتيحه القانون
سيمنح القانون "بايت دانس"، المالك الصينيّ لـ"تيك توك"، فترة تصل إلى تسعة أشهر من أجل بيعها إلى مالك غير صينيّ. كانت نسخة سابقة من مشروع القانون تسمح بستة أشهر؛ يدفع الموعد النهائيّ الجديد المسألة بشكل ملائم إلى ما بعد انتخابات تشرين الثاني (نوفمبر). يجري الترويج لمجموعة كبيرة من المشترين المحتملين. أبدت كل من "مايكروسوفت" و"أوراكل" و"وولمارت" اهتماماً بـ"تيك توك" في الماضي. يقول ستيفن منوشين، وزير الخزانة السابق، إنّه يجمع مجموعة من المستثمرين.
لكنّهم قد لا يحصلون على فرصة لتقديم العروض. أشارت الحكومة الصينيّة التي تمتلك حصّة في "بايت دانس" إلى أنّها لا تريد الانفصال عن "تيك توك". وصنّفت خوارزمية التوصية الخاصّة بالتطبيق على أنها تقنية حساسة، وسيحتاج تصديرها إلى موافقة رسميّة. في آذار (مارس)، حذّر متحدّث باسم الحكومة الصينيّة من أنّه في حالة "تيك توك"، "يجب على الطرف المعنيّ الالتزام الصارم بالقوانين والقواعد الصينيّة الناظمة"، وهو تعليق قرأه البعض على أنّه تحذير لشركة "بايت دانس".
Can Congress ban TikTok? The question will likely be put to America’s courts. And if a ban is upheld, the country may face some long-term consequences https://t.co/O00HCmCZVi 👇
— The Economist (@TheEconomist) April 24, 2024
لن يترك هذا للتطبيق أيّ خيار سوى الإغلاق في أميركا، حيث بلغت إيرادات الشركة السنة الماضية 16 مليار دولار، بحسب صحيفة "فايننشال تايمز". لذلك، تعلّق الشركة آمالها على استئناف أمام المحاكم الأميركيّة. وصفت مذكرة أُرسِلت إلى الموظفين في 21 نيسان (أبريل) مشروع القانون الجديد الذي كان مجلس النواب قد أقرّه، بأنّه "انتهاك واضح لحقوق (المستهلكين المنصوص عنها في) التعديل الأول"، والتي تكرّس حرّيّة التعبير.
حجّة قويّة... إلى حدّ ما
لدى "تيك توك" حجّة قويّة، كما تعتقد إيفلين دويك من كلّيّة الحقوق في جامعة ستانفورد: "تشير عقود من السوابق إلى أنّ الحكومة لا تستطيع حظر شكل من أشكال التواصل لأنّها لا تحبّ محتواه، حتى عندما يتعلّق الأمر بخصوم أجانب". لقد فاز "تيك توك" في المحاكم من قبل. في 2023، ألغى أحد القضاة الحظر الذي فرضته ولاية مونتانا، لأسباب منها حرّيّة التعبير. وتمّ إبطال أمر تنفيذيّ أصدره الرئيس السابق دونالد ترامب لحظر التطبيق من قبل القضاة في 2020.
يقول المؤيّدون للحظر إنّ المشكلة لا تكمن في المحتوى الموجود على "تيك توك"، بل في سلوك الشركة. هي متّهمة بجمع بيانات المستخدمين كما بالتلاعب بما يرونه، وهما اتهامان تنفيهما الشركة. إذا كان من الممكن إقناع المحاكم بأنّ تطبيق "تيك توك" يخطّط لأمور سيّئة، فالدفاع عن حرّيّة التعبير لن ينقذه بالضرورة. سنة 1986، خسر متجر لبيع الكتب للبالغين في نيويورك استئنافاً امام المحكمة العليا ضد إغلاقه، عندما قال القضاة إنّ سبب إغلاقه لم يكن محتوى كتبه، بل نشاطاً غير قانوني آخر يحدث في المباني التابعة له.
تأثير الفوز
إذا فاز "تيك توك" فقد يصبح قوة أقوى في وسائل التواصل الاجتماعيّ. يقول مارك شموليك من شركة "بيرنستين" للوساطة: "كان تيك توك يقاتل بيد واحدة مقيّدة خلف ظهره ضدّ المنافسة المحلّيّة". في حين توصلت شركة "ميتا"، المنافسة اللدودة، إلى حلول فنّيّة لمساعدة معلنيها في التغلّب على تغييرات الخصوصيّة التي أدخلتها شركة "أبل" في أجهزة "آيفون"، لجأ "تيك توك" إلى الخيار الآمن.
Congress has told China to sell TikTok or face a ban. Only America’s courts can save the video app now. What are the app’s chances of a successful appeal? https://t.co/BkGn5tCvIs 👇
— The Economist (@TheEconomist) April 24, 2024
ويشير شموليك إلى أنّه إذا أزالت المحاكم التهديد بالحظر، فإنّ الشركة "يمكن أن تشعر بالقوّة للدّوس على (دوّاسة) البنزين". وقد يؤدّي ذلك أيضاً إلى وقف هجرة كبار الموظّفين. غادر الرئيس التنفيذيّ السابق الذي وظّفته شركة ديزني كيفن ماير وسط جهود ترامب لحظر التطبيق. وغادرت مديرة العمليّات الرئيسيّة فانيسا باباس سنة 2023. والآن يقال إنّ كبير المستشارين إريك أندرسن يستعدّ للمغادرة.
ماذا عن أوروبا؟
بصرف النظر عمّا سيحدث في المحكمة، تتساءل الشركة عن الدول التي قد تحذو حذو التشدّد الأميركيّ. إنّ الهند ذات الـ200 مليون مستخدم حظرت التطبيق سنة 2020 إلى جانب العديد من التطبيقات الصينيّة الأخرى، بعد مناوشات على الحدود مع الصين. وقد فرضت دول، بما فيها إندونيسيا وباكستان، حظراً قصير المدى ثم رفعته. ومن الطبيعيّ أن تقوم حركة "طالبان" بحظر تطبيق "تيك توك" عندما عادت إلى السلطة في أفغانستان.
تبدو الأسواق الأكثر إغراء آمنة في الوقت الحاليّ. ما من دولة أوروبّيّة كبيرة تطالب ببيع "تيك توك". لكن لدى أوروبا سجلّ باتّباع أميركا في نهاية المطاف على مستوى نهجها بالتعامل مع المسائل الأمنيّة المرتبطة بالصين، كما هي الحال مع حملتها المتأخّرة ضدّ شركة "هواوي" الصينيّة المصنّعة لمعدّات الاتصالات. بشكل جزئيّ، سيعتمد استعداد البُلدان للتحرّك على مدى قرب علاقاتها الأمنيّة مع أميركا. قام نظراؤها في تحالف "العيون الخمس" الاستخباريّ – أستراليا وبريطانيا وكندا ونيوزيلندا – بحظر "تيك توك" على الأجهزة الحكوميّة.
خيارات الصين
قد يؤدّي فرض المزيد من القيود على "تيك توك" إلى تعطيل ما هو أكثر من سوق وسائل التواصل الاجتماعيّ إذا اختارت الصين الانتقام. هي أطلقت طلقة تحذيريّة في وقت سابق من هذا الشهر حين منعت متاجر التطبيقات من تقديم تطبيقات مثل "واتساب" و"ثريدس" وهما منتجان لـ"ميتا"، لأسباب تتعلّق بالأمن القوميّ. يمكن للصين أن تجعل الحياة صعبة بالنسبة إلى العديد من الشركات الأميركيّة الكبيرة الأخرى.
تعاني "تسلا" بسبب انخفاض المبيعات في الصين. وتنحسر أيضاً مبيعات "آيفون" من شركة "أبل" في الصين. كذلك، تتضرّر شركات تصنيع الرقائق الأميركية مثل AMD أيضاً، حيث تشجّع الصين صانعي الهواتف الذكيّة على استخدام رقائق محلّيّة. قد تجد أميركا أنّ لحظر تطبيق الفيديو القصير عواقب طويلة المدى.