خلال العقد الأخير دخلت الإمارات والسعودية في منافسة حامية في ماراثون الذكاء الاصطناعي، وكلتاهما تضعان نصب عينيها امتلاك بنية تحتية بتقنيات تكنولوجية عالية تؤهلها لجذب الاستثمارات الأجنبية والشركات العالمية إلى أسواقها. ففي ظل تراجع عائدات النفط، بات تنويع موارد الاقتصاد غير النفطي أمراً حتمياً لحماية اقتصادات الخليج من الأزمات المالية المحتملة.
وقالت وكالة "بلومبيرغ" الأميركية في تقرير لها نشرته في 11 نيسان (أبريل) 2024، إن كلاً من أبو ظبي والرياض تريد أن تكون القوة العظمى الإقليمية في مجال الذكاء الاصطناعي، وهما دخلتا في سباق لبناء مراكز البيانات الباهظة. ففي الوقت الذي أطلقت فيه أبوظبي شركة "إم جي إكس" (MGX) بقيادة شريكين مؤسسين هما صندوق الثروة السيادية "مبادلة للاستثمار" وشركة الذكاء الاصطناعي "جي 42" (G42) التي تمثل جزءاً من إمبراطورية بقيمة 1.5 تريليون دولار يديرها مستشار الأمن الوطني لدولة الإمارات الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، بهدف الاستثمار في مجالي الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات، أنشأت السعودية صندوقاً بقيمة 100 مليار دولار هذا العام للاستثمار في الذكاء الاصطناعي، كما يجري صندوق الاستثمارات العامة السعودي محادثات مع أندريسن هورويتز، شركة رأس المال الاستثماري في وادي السيليكون، ومستثمرين آخرين لضخ 40 مليار دولار في شركات الذكاء الاصطناعي، بحسب تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز".
وأسست السعودية هيئة "سدايا" للبيانات والذكاء الاصطناعي، ضمن رؤية المملكة 2030، بهدف منافسة الدول المتقدمة في مجالات توليد البيانات والذكاء الاصطناعي، وجذب استثمارات بقيمة تصل إلى 20 مليار دولار، بحلول عام 2030.
وفي آذار (مارس) الماضي، أعلن آدم سيليبسكي، الرئيس التنفيذي لقسم الحوسبة السحابية في "أمازون"، خلال مؤتمر "ليب" (LEAP) التقني الذي حضره أكثر من 200 ألف شخص وبمشاركة أكثر من ألف شركة عالمية عارضة، استثمار شركته بـ5.3 مليارات دولار في السعودية لتأسيس مراكز البيانات وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، كما أبرمت شركة "هواوي" الصينية وشركات أخرى صفقات خلال المؤتمر بأكثر من 10 مليارات دولار.
مراكز البيانات "كلمة السر"
وتسعى الإمارات لزيادة سعة مراكز البيانات لديها بمقدار 343 ميغاواط ضمن استراتيجيتها للذكاء الاصطناعي 2031، مقابل 235 ميغاواط إجمالي سعة البيانات لديها بنهاية عام 2023، فيما تحاول السعودية إضافة سعة تصل إلى 467 ميغاواط خلال السنوات القليلة المقبلة، من 123 ميغاواط فقط حالياً، مقارنة بـ1060 ميغاواط في ألمانيا، وفقاً لشركة الأبحاث "دي سي بايت" (DC Byte).
وأظهرت بيانات المؤشر العالمي للذكاء الاصطناعي لعام 2023، الصادر عن منصة "تورتواز ميديا" (Tortoise Media) الذي يصنف 62 دولة حول العالم بحسب قدرتها وبنيتها التحتية في الذكاء الاصطناعي، أن الإمارات جاءت في المركز الـ28 عالمياً، ثم السعودية في المرتبة 31 عالمياً، وحلت قطر في المرتبة 42، ثم مصر في المركز 52، وتلتها تونس في المرتبة 56، ثم المغرب في الـ57، ثم البحرين في الـ58.
وتوقعت شركة الأبحاث والخدمات العالمية "برايس ووترهاوس كوبرز" (Price waterhouse Coopers) أن تجني دول مجلس التعاون الخليجي نحو 23.5 مليار دولار من الفوائد الاقتصادية للذكاء الاصطناعي بحلول عام 2030، في ظل استمرار نمو الاستثمارات في الذكاء الاصطناعي في المنطقة، فيما يُتوقع أن يصل حجم صناعة الذكاء الاصطناعي في الشرق الأوسط إلى 320 مليار دولار، وأكثر من 15 تريليون دولار في الاقتصاد العالمي بحلول عام 2030.
ورجحت الشركة أن تحصل الإمارات على حصة من فوائد الذكاء الاصطناعي في اقتصادها بنسبة 14% من الناتج المحلي الإجمالي للإمارات، بما يعادل 352 مليار درهم (بنحو 96 مليار دولار) بحلول عام 2030. فيما تتجه التوقعات إلى أن يساهم الذكاء الاصطناعي بنحو 511 مليار ريال سعودي (135.2 مليار دولار) في الاقتصاد السعودي بحلول عام 2030.
حجم الإنفاق على الذكاء الاصطناعي 2024
وبخصوص حجم الإنفاق على الذكاء الاصطناعي خلال عام 2024 في منطقة الشرق الأوسط، توقعت مؤسسة البيانات الدولية (IDC) أن يتجاوز ثلاثة مليارات دولار بنمو 32% عن 2023، كما توقّعت شركة "غارتنر" العالمية للأبحاث أن يصل إجمالي إنفاق منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على تقنية المعلومات إلى نحو 183.8 مليار دولار خلال العام الجاري.
وترى بعض وسائل الإعلام الغربية مثل "التايمز" الأميركية و"بلومبيرغ" أن منافسة الإمارات والسعودية في ماراثون الذكاء الاصطناعي ربما تحولت إلى ندية غير معلنة، لكن وزير الدولة للذكاء الاصطناعي الإماراتي عمر العلماء، علق على هذا الأمر في تصريح إلى وكالة "بلومبيرغ" قائلاً: "لا أعتقد أن السعودية كانت أو قد تشكل تهديداً للإمارات، ولا أعتقد أن الإمارات كانت أو قد تشكل تهديداً للسعودية".
4 أسباب للمنافسة على كعكة الذكاء الاصطناعي:
-تنويع الاقتصادات:
تسعى كلتا الدولتين إلى تقليل اعتمادهما على عائدات النفط، وتُعدّ تقنية الذكاء الاصطناعي قطاعاً واعداً لجذب الاستثمارات العالمية وخلق فرص عمل جديدة.
-تعزيز مكانتهما كمركز إقليمي:
كلتا الدولتين تسعى إلى أن تصبح مركزاً إقليمياً رائداً للابتكار والتكنولوجيا، عبر إنشاء مراكز بيانات للذكاء الاصطناعي.
-الأمن الوطني:
تدرك كلتا الدولتين أهمية الذكاء الاصطناعي في مجالات الأمن القومي، بما في ذلك الدفاع ومكافحة الإرهاب. لكن ذلك قد يثير قلق الشركات الأجنبية لأن السيطرة على مراكز البيانات ستكون من قبل السلطات المحلية، ما يعرّض بيانات المستثمرين الأجانب لخطر الاختراق، وهو ما دفع شركة "أنثروبيك بي بي سي" (Anthropic PBC) للذكاء الاصطناعي إلى رفض مشاركة السعودية في عملية تمويلها؛ وعزت ذلك لأسباب تتعلق بالأمن الوطني.
-الاستقلالية التكنولوجية:
تسعى الدولتان إلى تقليل اعتمادهما على الدول الأجنبية في مجال التكنولوجيا، بخاصة في مجالات حساسة مثل الذكاء الاصطناعي والرقائق الإلكترونية التي تستخدم في الصناعات العسكرية والعديد من الصناعات الحيوية للدولة.
-القيادة في المستقبل:
تدرك كلتا الدولتين أنّ من يسيطر على تقنية الذكاء الاصطناعي سيكون له نفوذ كبير على المستقبل العالمي.
3 تحديات أمام الإمارات والسعودية:
1-البنية التحتية:
تحتاج مراكز البيانات للذكاء الاصطناعي إلى توافر بنية تحتية متطورة من حيث الطاقة والاتصالات، إذ تستهلك هذه المراكز كميات هائلة من الطاقة قد تتسبب في انقطاع للتيار الكهربائي في بعض الأحيان. بالإضافة إلى أن هذه الطاقة تولد درجات حرارة مرتفعة، لكن السعودية والإمارات نجحتا في معالجة الأمر عبر استخدام تقنية التبريد السائل لخفض حرارة السيرفيرات بدلاً من تبريد الهواء المحيط بالأجهزة.
2-الموارد البشرية:
تتطلب هذه المراكز أيضاً كوادر بشرية مؤهلة في مجالات علوم البيانات والهندسة، ما قد يُشكل تحدياً آخر.
3-التمويل:
تتطلب إنشاء هذه المراكز استثمارات كبيرة.