جددت أزمة المناخ الاهتمام بالطاقة النووية كوسيلة للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة، باعتبارها مصدراً مهماً للطاقة المنخفضة الكربون، فعلى عكس الوقود الأحفوري تصدر المفاعلات النووية الحد الأدنى من الغازات الدفيئة أثناء التشغيل. ووفقاً لوكالة الطاقة الدولية، تجنبت الطاقة النووية حوالي 74 غيغا طن من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون على مدى العقود الخمسة الماضية، ما يجعلها لاعباً حاسماً في الجهود العالمية لخفض الانبعاثات.
تذبذب في الشعبية
ظلت قوة الذرة في قلب عملية توليد الكهرباء لأكثر من نصف قرن. والآن يبدو أن الانشطار النووي (العملية التي يتم من خلالها استخدام الطاقة النووية لتوليد الكهرباء) سيدعم مستقبل أنظمة الطاقة النظيفة الخالية من الطاقة على مستوى العالم.
وكانت الطاقة النووية جزءاً من مزيج الطاقة العالمي منذ أن بدأت المفاعلات النووية في إنتاج الطاقة لأول مرة في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي. ومنذ ذروتها في ستينيات القرن العشرين وحتى أواخر ثمانينياته، ارتفعت شعبية الطاقة النووية ثم انخفضت، وكانت غالباً مصدراً للجدال... واليوم تلعب دوراً في المساعدة على توفير كهرباء نظيفة ومنخفضة الكربون ويمكن أن تكون محورية في الجهود المستمرة للوصول إلى صافي الصفر بحلول عام 2050.
فوائد الطاقة النووية
على عكس العديد من مصادر الطاقة المتجددة، يمكن توليد الطاقة من الطاقة النووية على مدار 24 ساعة يومياً، وهي لا تعتمد على الطقس، كما هي الحال عادة مع طاقة الرياح والطاقة الشمسية، ولهذا السبب أصبحت الطاقة النووية متاحة بسهولة أكبر لتلبية الطلب على الطاقة، ما يساعد على خفض كثافة الكربون في إمدادات الكهرباء خلال الأوقات التي قد لا تكون فيها مصادر الطاقة المتجددة الأخرى متاحة بسهولة.
تم الآن اعتماد بعض محطات الطاقة النووية من الجيل الجديد لمدة 80 عاماً من التشغيل، وهي فترة أطول بكثير من محطات الطاقة التي تعمل بالغاز أو الفحم والعديد من منشآت الطاقة المتجددة. لكن العمر الافتراضي لمحطة الطاقة النووية يعتمد أيضاً على صلاحيتها المالية، والتي تأخذ في الاعتبار بنوداً مثل إيرادات التشغيل، ونفقات التشغيل والصيانة، وتكاليف وقف التشغيل، وتكاليف تخزين الوقود المستنفد والمواد الأخرى.
وتشير البيانات الجديدة إلى أن النمو النووي يمكن أن يتعرض للتهديد من خلال انتشار عدم الاستقرار الجيوسياسي والحرب. ونتيجة لذلك باتت إمكانات الطاقة الذرية، والتي تُشكّل مصدراً للطاقة النظيفة المانعة لتغير المناخ، معرضة للخطر بشكل متزايد.
وفيما يرصد المصرفيون تكلفة خمسة تريليونات دولار لزيادة توليد الطاقة النووية إلى ثلاثة أضعاف بحلول عام 2050، أفاد باحثون في جامعة جورج واشنطن بأن تدهور الأمن داخل أسواق النمو الرئيسية قد يهدد أيضاً نهضة الطاقة النووية المقبلة قبل أن تبدأ.
ولتحقيق الأهداف النووية الطموحة، يحتاج الاقتصاد العالمي إلى تركيب 800 غيغاواط من القدرة الإضافية على مدى ربع القرن المقبل، أي ما يعادل نحو ثلاثين مفاعلاً جديداً كبيراً يبدأ تشغيلها كل عام حتى منتصف القرن. وفيما سارعت الصين وروسيا إلى الأمام وتقومان ببناء وحدات بحجم غيغاواط، فقد قلصت العديد من الاقتصادات الغربية والناشئة طموحاتها.
تم تصميم ما يسمى بالمفاعلات المعيارية الصغيرة لتوليد ثلث (أو أقل) الكهرباء التي تنتجها الوحدة التقليدية. وهناك حالياً أكثر من 80 تصميماً منافساً قيد التطوير، نظراً لصغر حجمها، فمن المحتمل أن يلزم تركيب آلاف المحطات الجديدة الإضافية غالباً في مواقع نائية.
ويتلخص الخطر الأوضح في أن تقوم الدول المتحاربة باستهداف المواقع النووية مباشرة، كما فعلت روسيا في أوكرانيا عندما هاجمت محطة زابوراجيا للطاقة النووية، أو كما فكرت إسرائيل في القيام بذلك لعرقلة تخصيب اليورانيوم في إيران. ثم هناك المخاوف الأقل وضوحاً، حيث تظهر الأبحاث أن الشركات الصغيرة والمتوسطة ليست علاجاً سحرياً لحل مخاطر الحوادث أو ضعف سلسلة التوريد أو انتشار الأسلحة.
وبعيداً من ذلك، يعتبر الرأي العام مختلطاً حول الطاقة النووية، إذ تتم موازنة المخاوف بشأن السلامة وإدارة النفايات، مقابل الاعتراف بدورها في مكافحة تغير المناخ. ويواجه صناع السياسات التحدي المتمثل في التعامل مع هذه المشاعر العامة أثناء صياغة القواعد التنظيمية التي تضمن السلامة وحماية البيئة في القطاع النووي. ولا يزال المجتمع البيئي منقسماً، حيث يدافع البعض عن الطاقة النووية كحل للمناخ ويحذر آخرون من مخاطرها.