النهار

5 اكتشافات في آخر 5 سنوات عن أصل الحياة
إعداد: جورج عيسى
المصدر: "النهار العربي"
عن دورة كريبس والزجاج البركانيّ وغيرها من لبنات الحياة الأساسيّة.
5 اكتشافات في آخر 5 سنوات عن أصل الحياة
كريات الدم الحمراء (تعبيرية، بيكسابي)
A+   A-

يمثّل اكتشاف كيفيّة تكوّن الحياة على الأرض أحد أصعب الأهداف بالنسبة إلى علماء الأحياء. لكن بينما يتجادل هؤلاء بشأن تعريف الحياة، يوافقون بمعظمهم على المكوّنات الأساسيّة للخليّة الحيّة، مثل الماء والطاقة وبعض المركّبات، بحسب الأستاذ المشارك في مدينة دبلن الجامعية شون جوردان وطالبة الدكتوراه في الفيزياء النجميّة في الجامعة نفسها لويز جيليه دو شالونج.

 

من بين ما ينصبُّ التركيز عليه حاليّاً معرفة الظروف الأوّليّة أو إعادة توليد مختبر التفاعلات الكيميائيّة التي تشكّل الحياة. في موقع "ذا كونفرسيشن"، كتب جوردان ودو شالونج عن خمس اكتشافات بشأن أصل الحياة برزت خلال آخر خمس سنوات:

 
 
 

 

تفاعلات في الخلايا المبكرة

ما هو مصدر الطاقة الذي قاد التفاعلات الكيميائيّة عند نشوء الحياة؟ هذا هو اللغز الذي سعى فريق بحثيّ في ألمانيا إلى كشفه. بحث الفريق في 400 وتفاعلَين معروفة بتوليدها بعض المكوّنات الأساسيّة للحياة، مثل النيوكليوتيدات (وحدة بناء الحمض النوويّ الريبوزيّ المنقوص الأكسيجين والحمض النوويّ الريبوزيّ). فعلوا ذلك باستخدام بعض العناصر الأكثر شيوعاً التي يمكن العثور عليها في بداية تكوين الأرض.

 

يُعتقد أيضاً أنّ هذه التفاعلات الموجودة في الخلايا الحديثة هي عمليّة التمثيل الغذائيّ الأساسيّة لـ"لوكا"، آخر سلف مشترك شامل، وهو كائن وحيد الخليّة يشبه البكتيريا.

 

لكلّ تفاعل، قام الباحثون بحساب التغيّرات في الطاقة الحرّة التي تحدّد ما إذا كان التفاعل يمكن أن يستمرّ بدون مصادر خارجيّة أخرى للطاقة. الأمر المذهل هو أنّ العديد من هذه التفاعلات كانت مستقلّة عن التأثيرات الخارجيّة مثل الأدينوسين الثلاثيّ الفوسفات، وهو مصدر عالميّ للطاقة في الخلايا الحيّة.

 

لم يكن تركيب العناصر الأساسيّة للحياة بحاجة إلى معزّز خارجيّ للطاقة: لقد كان ذاتيّ الاستدامة.

 

الزّجاج البركانيّ

تعتمد الحياة على الجزيئات لتخزين المعلومات ونقلها. يعتقد العلماء أنّ خيوط الحمض النوويّ الريبوزي (RNA) كانت مقدّمة للحمض النوويّ الريبوزيّ المنقوص الأكسيجين (DNA) في القيام بهذا الدور، بما أنّ بنيتها أكثر بساطة.

 

لقد أدّى ظهور الحمض النوويّ الريبوزيّ على كوكبنا إلى إرباك الباحثين لفترة طويلة. مع ذلك، تمّ إحراز بعض التقدّم في الآونة الأخيرة. سنة 2022، أنتج فريق من المتعاونين في الولايات المتحدة خيوطاً مستقرة من الحمض النووي الريبوزيّ في المختبر. فعلوا ذلك عن طريق تمرير النيوكليوتيدات عبر زجاج بركانيّ. كانت الخيوط التي صنعوها طويلة بما يكفي لتخزين المعلومات ونقلها.

 

كان الزجاج البركانيّ موجوداً في بداية تكوّن الأرض، وذلك بفضل التأثيرات النيزكيّة المتكرّرة والمقترنة بالنشاط البركانيّ الكثيف. ويُعتقد أيضاً أن النيوكليوتيدات المستخدمة في الدراسة كانت موجودة في ذلك الوقت من تاريخ الأرض. من الممكن أن تكون الصخور البركانيّة قد سهّلت التفاعلات الكيميائيّة التي تجمع النيوكليوتيدات في سلاسل الحمض النووي الريبوزي.

 

المنافث الحراريّة المائيّة

تثبيت الكربون هو عملية يكتسب فيها ثاني أكسيد الكربون إلكترونات. هو ضروريّ لبناء الجزيئات التي تشكل أساس الحياة.

 
 
 

من الضروريّ وجود مانح إلكترون لقيادة هذا التفاعل. في بداية الأرض، كان من الممكن أن يكون الهيدروجين هو المتبرّع بالإلكترونات. سنة 2020، أظهر فريق من المتعاونين أنّ هذا التفاعل يمكن أن يحدث تلقائيّاً وأن تغذّيه ظروف بيئيّة مشابهة للمنافث الحراريّة المائيّة القلويّة (alkaline) في أعماق المحيطات الأوّليّة. لقد فعلوا ذلك باستخدام تقنية الموائع الدقيقة، وهي أجهزة تتعامل مع كمّيات صغيرة من السوائل لإجراء تجارب عن طريق محاكاة المنافث القلوية.

 

يشبه هذا المسار بشكل مدهش العدد العامل من الخلايا البكتيريّة والأصيليّة (كائنات وحيدة الخليّة بدون نواة) الحديثة.

 

دورة "كريبس"

في الخلايا الحديثة، يتبع تثبيت الكربون سلسلة من التفاعلات الكيميائيّة التي تعمل على تجميع الجزيئات أو تفكيكها، في شبكات استقلابيّة معقّدة تحرّكها الإنزيمات. لكنّ العلماء ما زالوا يناقشون كيفية ظهور التفاعلات الأيضيّة قبل ظهور تلك الإنزيمات وتطوّرها.

 

سنة 2019، حقّق فريق من جامعة ستراسبورغ في فرنسا اختراقاً. لقد أظهروا أنّ الحديدوز (أو الحديد الثنائيّ التكافؤ)، وهو نوع من الحديد كان متوفّراً بكثرة في قشرة الأرض والمحيطات المبكرة، يمكن أن يقود 9 خطوات من أصل 11 في دورة "كريبس". دورة "كريبس" هي مسار بيولوجيّ موجود في العديد من الخلايا الحيّة.

 

هنا، كان الحديدوز الجهة المانحة للإلكترون من أجل تثبيت الكربون، ممّا أدّى إلى سلسلة من التفاعلات. أنتجت التفاعلات جميع السلائف الأيضيّة العالميّة الخمسة - وهي خمسة جزيئات أساسيّة عبر مسارات التمثيل الغذائيّ المختلفة في جميع الكائنات الحية.

 

اللبنات الأساسيّة لأغشية الخلايا القديمة

إنّ فهم تكوين لبنات الحياة الأساسية وردود أفعالها المعقّدة يعد خطوة كبيرة إلى الأمام في فهم نشوء الحياة.

 

مع ذلك، وسواء حدثت في الينابيع الساخنة على الأرض أو في أعماق البحار، لم تكن هذه التفاعلات لتذهب بعيداً بدون غشاء خلية. تلعب أغشية الخلايا دوراً نشطاً في الكيمياء الحيويّة للخليّة البدائيّة وارتباطها بالبيئة.

 
 

تتكوّن أغشية الخلايا الحديثة في الغالب من مركّبات تسمى الدهون الفوسفاتيّة والتي تحتوي على رأس محب للماء وذيلين كارهين للماء. هي منظمة في طبقات ثنائية، حيث تشير الرؤوس المحبّة للماء (hydrophilic) إلى الخارج والذيول الكارهة للماء (hydrophobic) تشير إلى الداخل.

 

أظهرت الأبحاث أنّ بعض مكوّنات الدهون الفوسفاتيّة، مثل الأحماض الدهنيّة التي تشكّل الذيول، يمكن أن تتجمّع ذاتياً في تلك الأغشية الثنائيّة الطبقة في مجموعة من الظروف البيئيّة. ولكن هل كانت هذه الأحماض الدهنيّة موجودة على الأرض المبكرة؟ تقدّم الأبحاث الحديثة التي أجرتها جامعة نيوكاسل في المملكة المتحدة إجابة مثيرة للاهتمام. أعاد الباحثون تكوين التشكّل التلقائيّ لهذه الجزيئات من خلال الجمع بين السوائل الغنيّة بالهيدروجين التي من المحتمل أن تكون موجودة في المنافث الحراريّة المائيّة القلويّة القديمة، مع المياه الغنيّة بثاني أكسيد الكربون التي تشبه المحيط المبكر.

 

يتماشى هذا الإنجاز مع الفرضيّة القائلة إنّ أغشية الأحماض الدهنيّة المستقرة أمكن أن تنشأ في المنافث الحرارية المائية القلويّة، ومن المحتمل أن تكون قد تطوّرت إلى خلايا حيّة. وتكهّن المؤلّفون بوجود تفاعلات كيميائيّة مماثلة قد تتكشّف في المحيطات الموجودة تحت سطح الأقمار الجليديّة، والتي يُعتقد أنّها تحتوي على منافث حراريّة مائيّة مماثلة لتلك الموجودة على الأرض.

 

يضيف كلٌّ من هذه الاكتشافات قطعة جديدة إلى لغز أصل الحياة. بغضّ النظر عن أيّ منها هو الصحيح، تغذّي النظريّات المتعارضة البحث عن الأجوبة بحسب جوردان ودو شالونج.

اقرأ في النهار Premium