على عكس التجارب النموذجية التي تجري داخل المختبرات بمؤسسات الأدوية الكبرى، انخرط ديوغو راو، رئيس قسم المعلومات والرقمنة في شركة "إيلي ليلي"، مؤخراً في بعض التجارب داخل المكتب، ولكنها لم تكن التجارب البحثية المعتادة للأدوية.
تستخدم "ليلي" الذكاء الاصطناعي التوليدي للتنقيب بين ملايين الجزيئات. وبينما تتيح سرعة اكتشاف الذكاء الاصطناعي القدرة على توليد عدد من الجزيئات في خمس دقائق، يعادل ما يمكن أن تصنعه ليلي في مختبراتها التقليدية على مدار عام كامل، أصبح من المنطقي اختبار حدود الذكاء الاصطناعي في مجال الطب. ولكن لا طريقة لمعرفة ما إذا كانت وفرة التصميمات التي ينتجها الذكاء الاصطناعي ستعمل في العالم الحقيقي، وهذا ما أراد المديرون المتشككون في الشركة معرفة المزيد عنه.
تم تقديم أفضل التصميمات البيولوجية التي ينتجها الذكاء الاصطناعي، وهي جزيئات وصفها راو بأن لها "بُنى غريبة المظهر" لا تتطابق مع الكثير مما في قاعدة بيانات الشركة الجزيئية الحالية، ولكنها بدت كمرشحة قوية لأدوية محتملة، إلى علماء الأبحاث في ليلي. توقع المسؤولون التنفيذيون، بمن في ذلك راو، أن يرفض العلماء نتائج الذكاء الاصطناعي.
يتذكر راو تفكيره قبل عرض نتائج الذكاء الاصطناعي: "لا يمكن أن تكون جيدة إلى هذا الحد؟".
كان من المتوقع أن يوضح العلماء كل الأخطاء الموجودة في التصميمات التي ينتجها الذكاء الاصطناعي، لكن ما ردهم كان مفاجأة للمديرين التنفيذيين في ليلي: "إنه أمر مثير للاهتمام؛ لم نفكر في تصميم جزيء بهذه الطريقة"، كما يتذكر راو قولهم له وهو يروي القصة، التي لم يتم الإبلاغ عنها سابقاً، أمام الحضور في قمة مجلس إدارة تقنية "سي إن بي سي" التي عُقدت في نوفمبر الماضي.
وقال راو: "كان ذلك بمثابة حدث مشرق بالنسبة لي. نحن نتحدث دائماً عن تدريب الآلات، ولكن جانباً آخر يتمثل في قدرة الآلات على إنتاج أفكار بناءً على مجموعة بيانات لم يكن البشر قادرين على رؤيتها أو تخيلها. وهذا يحفز على المزيد من الإبداع من خلال فتح مسارات في تطوير الأدوية ربما لم يكن البشر قد استكشفوها بخلاف ذلك".
وفقاً للمديرين التنفيذيين الذين يعملون على تقاطع الذكاء الاصطناعي والرعاية الصحية، فإن هذا المجال يسير على مسار سيظهر فيه أدوية يتم إنشاؤها بالكامل بواسطة الذكاء الاصطناعي في المستقبل القريب؛ وفقاً للبعض، سيصبح ذلك هو المعيار في اكتشاف الأدوية خلال بضع سنوات على الأكثر.
يعمل الذكاء الاصطناعي التوليدي بسرعة على تسريع إمكانية تطبيقه على تطوير واكتشاف أدوية جديدة، في خطوة من شأنها إعادة تشكيل ليس فقط صناعة الأدوية ولكن أيضاً الأفكار الأساسية التي تم بناؤها في المنهج العلمي لقرون.
سرعة غير مسبوقة
اكتشاف الأدوية يتضمن عملية مشاهدة التفاعلات والتغيرات في السلوك البيولوجي، ولكن ما قد يستغرق شهوراً أو سنوات في المختبر، يمكن تمثيله في نماذج الكمبيوتر التي تحاكي السلوك البيولوجي التقليدي.
إنه خروج جذري عن الطريقة التجريبية الكلاسيكية التي سيطرت على اكتشاف الأدوية في القرن الماضي: إجراء تجارب واسعة النطاق، ثم جمع البيانات لاحقاً، وتحليل البيانات على المستوى البشري، يتبعها عملية تصميم أخرى بناءً على تلك النتائج. إجراء التجارب داخل الشركة يليه نقاط قرار عدة يأمل العلماء والمسؤولون التنفيذيون أن تؤدي إلى تجارب سريرية ناجحة.
يعتقد داعمو الذكاء الاصطناعي أنه سيوفر الوقت ويحسن معدلات النجاح، ما يحول العملية الكلاسيكية إلى هندسة أكثر منهجية وقابلية للتكرار، ويسمح للباحثين في مجال الأدوية بالبناء على معدل نجاح أعلى.
تجربة جامعة تكساس
اشترت جامعة تكساس في أوستن مؤخراً واحدة من أكبر مجموعات الحوسبة من شركة "إنفيديا" لمركزها الجديد للذكاء الاصطناعي التوليدي.
وقال أندي إلينغتون، أستاذ العلوم البيولوجية الجزيئية: "تماماً كما يمكن لـتشات جي بي تي التعلم من سلاسل الأحرف، يمكن تمثيل المواد الكيميائية على شكل سلاسل، ويمكننا التعلم منها". يتعلم الذكاء الاصطناعي التمييز بين الأدوية وغير الأدوية، وإنشاء أدوية جديدة، بالطريقة نفسها التي يمكن بها لتشات جي بي تي إنشاء جمل، كما قال إلينغتون. وأضاف: "مع اقتران هذه التطورات بالجهود المستمرة في توقع هياكل البروتين، يجب أن يكون من الممكن قريباً تحديد المركبات الشبيهة بالأدوية التي يمكن تكييفها مع أهداف رئيسية".
وقال دانييل دياز، باحث ما بعد الدكتوراه في علوم الكمبيوتر الذي يقود مجموعة البروتينات العميقة في معهد التعلم الآلي الأساسي بجامعة تكساس، إن معظم أعمال الذكاء الاصطناعي الحالية على الأدوية تركز على اكتشاف جزيئات صغيرة، لكنه يعتقد أن التأثير الأكبر سيكون في تطوير العقاقير البيولوجية الجديدة (الأدوية القائمة على البروتين)، حيث يرى بالفعل كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يسرع عملية العثور على أفضل التصميمات.
تعمل مجموعته حالياً على إجراء تجارب على الحيوانات لعلاج سرطان الثدي، وهو نسخة معدلة هندسياً من بروتين بشري يعمل على تكسير مادة استقلاب رئيسية يعتمد عليها سرطان الثدي - ما يؤدي إلى تجويع السرطان أساساً. تقليدياً، عندما يحتاج العلماء إلى بروتين للعلاج، يبحثون عن خصائص عدة، بما في ذلك البروتينات المستقرة التي لا تتفكك بسهولة. يتطلب هذا من العلماء إجراء هندسة جينية لتعديل البروتين، وهي عملية مرهقة في العمل المختبري - رسم الخرائط وتحديد أفضل الخيارات من بين جميع التعديلات الجينية الممكنة.
وفي النهاية، ستنجح أو تفشل الأدوية المصممة بالذكاء الاصطناعي بناءً على الخطوة النهائية التقليدية في تطوير الأدوية: الأداء في التجارب البشرية.