انتهى التنافس اللدود بين عمالقة العملات المشفرة في المحكمة بسياتل عندما حُكم على مؤسس "بينانس" تشانغبينغ تشاو، بالسجن لمدة أربعة أشهر. وقبل ذلك بشهر فقط، في وسط مدينة مانهاتن، نال سام بانكمان فرايد مؤسس "FTX" حكم بالسجن لمدة 25 عاماً. ومع ذلك، ثمة الكثير من الأمور الأخرى المتعلقة بهما متناقضة تناقضاً صارخاً، ولعل أبرزها فارق 296 شهراً في مدة سجن كل منهما.
الحكم على الرئيس التنفيذي السابق لـ"بينانس"
حُكم على تشاو، الرئيس التنفيذي السابق لشركة "بينانس"، الأسبوع الماضي، بالسجن لمدة أربعة أشهر بعد اعترافه بالذنب في انتهاك قوانين غسل الأموال الأميركية في أكبر بورصة للعملات المشفرة في العالم.
أصدر الحكم قاضي سياتل ريتشارد جونز الذي رفض طلب المدعين بأن يقضي تشاو البالغ من العمر 47 عاماً عقوبة مدتها ثلاث سنوات، وهو ضعف الحد الأقصى الموصى به.
كان تشاو، المعروف باسم "CZ"، يعتبر أقوى شخص في صناعة العملات المشفرة، وهو ثاني رئيس للعملات المشفرة الذي يُحكم عليه بالسجن.
وقبل إصدار الحكم، انتقد جونز تشاو لأنه فضّل النمو والأرباح على الامتثال للقوانين الأميركية. وبالفعل اعترف تشاو بأنه "فشل في تنفيذ برنامج مناسب لمكافحة غسل الأموال"، متابعاً "أدرك الآن خطورة ذلك الخطأ".
واعتبر ممثلو الادعاء أن "بينانس" اعتمدت نموذجاً متسامحاً مع المجرمين، ولم تبلّغ البورصة عن أكثر من 100 ألف معاملة مشبوهة مع جماعات "إرهابية".
وقالوا أيضاً إن بورصة تشاو دعمت بيع مواد ضارّة وحصلت على جزء كبير من عائدات برامج الفدية. وقد وافقت "بينانس" على غرامة قدرها 4.32 مليارات دولار.
إمبراطور العملات المشفرة إلى السجن 25 عاماً
في شهر آذار (مارس)، قضت المحكمة الأميركية بسجن قطب العملات المشفرة بانكمان فرايد (32 عاماً)، لمدة 25 عاماً بعد إدانته في إحدى أكبر قضايا الاحتيال المالي في التاريخ. وهو أدين بسبع تهم جنائية، بما في ذلك اتهامات تتعلق بسرقة مليارات الدولارات من عملاء "FTX". وبعد أقل من ثلاثة أسابيع من إدانة بانكمان فرايد، أقر تشاو بالذنب في التهم الجنائية واستقال من منصبه كرئيس تنفيذي لـ"بينانس" كجزء من التسوية مع وزارة العدل.
وسعى الادعاء العام إلى سجن مؤسس شركة "FTX" لمدة أطول لا تقل عن 40 أو 50 عاماً بعدما أدانته هيئة محلفين في تشرين الثاني (نوفمبر).
وأصدر القاضي لويس كابلان حكمه بعدما استعرض خلال الجلسة الجرائم المالية التي ارتكبها بانكمان فرايد. ومن المتوقع أن يستأنف الأخير الحكم.
وكانت هيئة محلفين في نيويورك قد توصلت في تشرين الثاني إلى أن بانكمان فرايد مذنب بعد محاكمة استمرت خمسة أسابيع.
واعتبر الادعاء العام أن إدانته بسبع تهم تعكس "الجشع والغطرسة التي لا مثيل لها" للمدعى عليه، مطالباً بإنزال حكم قاس بحقه في ضوء عملية الاحتيال التي نفذها وتقدّر بأكثر من 10 مليارات دولار.
وبرر المدعي العام داميان وليامز مطالبته بمدة سجن طويلة لبانكمان فرايد بسبب قدرته على ارتكاب المزيد من المخالفات و"لحماية الجمهور".
وغزا بانكمان فرايد، الذي تخرج من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، عالم العملات المشفرة بسرعة مذهلة، لينضم قبل سن الثلاثين إلى نادي أصحاب المليارات. ولكن في تشرين الثاني 2022، انهارت إمبراطوريته بعد عجز شركته عن الاستجابة لطلبات السحب الكثيفة من عملاء أصابهم الذعر بعدما علموا أن أموالهم مستثمرة في عمليات محفوفة بالمخاطر في شركة "ألاميدا ريسيرتش" التابعة لبانكمان فرايد أيضاً.
هل صدق منتقدو العملات المشفرة؟
لاقت العملات المشفرة رواجاً واسعاً في معظم أنحاء العالم، بعدما تداولها كبار المستثمرين، وعلى رأسهم الملياردير إيلون ماسك الذي روج لها في شباط (فبراير) عام 2021 واستثمر فيها 1.5 مليار دولار، ما شجع الكثيرين على الإقبال على هذه الصناعة الحديثة.
لكن عاصفة ضربت العملات الرقمية. فلسنوات عديدة كان تشاو من "بينانس" وبانكمان فرايد من "FTX" يبشران بقوة العملات الرقمية اللامركزية للجماهير. وكلاهما أمضى الكثير من حياته المهنية في بيع نظام عالمي جديد مدعوم بالتكنولوجيا للجمهور، نظام مالي بديل يتألف من عملات افتراضية بلا حدود من شأنه تجاوز الحكومات والأنظمة المصرفية.
لقد بدت نهاية محبطة وغير متوقعة إلى حد ما لمعركة طويلة أيضاً بين تشاو وبانكمان فرايد، وهما رجلان كانا خصمين أسطوريين، بالإضافة إلى كونهما المشرفين الرئيسيين على قطاع العملات المشفرة الذي تبلغ قيمته 2.2 تريليون دولار.
يشار إلى أنه في عام 2022، شهدت أسواق العملات المشفرة انخفاضاً حاداً في الأسعار بعد فترة من الارتفاع القوي في الأعوام السابقة. ولطالما اعتبر ممثلو الادعاء في مثل هذه القضايا أن الحكم الصارم سيرسل إشارة واضحة إلى المجرمين المحتملين الآخرين، إذ يقع العديد من أقطاب العملات المشفرة الآخرين أيضاً في مرمى السلطات الأميركية بعدما كشف انهيار أسعار العملات المشفرة في عام 2022 عن الاحتيال وسوء السلوك في جميع مجالات الصناعة.
في نهاية المطاف، ومن جهة أخرى، اعتبر البعض أن كليهما ساعد منتقدي العملات المشفرة والمنظمين على إثبات أن المشككين في هذا النظام كانوا على حق، وأثبتوا وجهة النظر القائلة إن الصناعة مليئة بالمحتالين العازمين على استخدام التكنولوجيا الجديدة لتنفيذ جرائم قديمة.
تويتر
فيسبوك
يوتيوب
انستغرام
مسنجر
واتساب
بريد إلكتروني
الطباعة
