النهار

بين العِلم و"أنبياء الخلود"... هل يمكن تجنب الموت؟
إعداد: جورج عيسى
المصدر: "النهار العربي"
حائز على جائزة نوبل يميّز بين الادّعاءات الباطلة والدراسات الحقيقيّة
بين العِلم و"أنبياء الخلود"... هل يمكن تجنب الموت؟
صورة تعبيرية عن الحمض النووي (بيكسابي)
A+   A-

في السنوات الأخيرة، تزايدت الاستثمارات التي تعمل على إطالة العمر وهي تلاقي رواجاً كبيراً بفعل الوعود التي تغدقه على المتموّلين. بين 2015 وأوائل 2023، جمعت 75 شركة تركّز بشكل أساسيّ على إطالة العمر أو مكافحة الشيخوخة ما مجموعه 12.5 مليار دولار لتمويل الأبحاث بشأن تعزيز عمر الإنسان وصحّته الطبيعيّة. المشكلة أنّ بعض الشركات أو الاقتراحات تستند في ادّعاءاتها إلى أوهام أو علوم زائفة.

 

في هذا الإطار، تناولت مجلة "إيكونوميست" بعض أفكار عالم الأحياء الجزيئيّة الدكتور فينكي راماكريشنان بشأن إطالة العمر والتي ذكرها في كتابه "لماذا نموت". وكتبت أنّه في سنة 1950، كان متوسط العمر المتوقع على مستوى العالم 46.5 سنة. الآن بعد أن أصبح العالم أكثر ثراء وصحّة، فقد بلغ 72 عاماً تقريباً. لكنّ العيش لفترة أطول يعرّض المزيد من الناس لأضرار الشّيخوخة. على عكس أسلافهم، هم يقضون القليل من الوقت في تفادي الحيوانات المفترسة، ويشعرون بدلاً من ذلك بالقلق بشأن الاستسلام للخرف أو للضعف.

 
 

في كتابه "لماذا نموت"، يتساءل راماكريشنان عمّا إذا كان من الممكن وقف تدهور الجسد والعقل. فاز راماكريشنان بجائزة نوبل سنة 2009 عن عمله حول كيفيّة توليد الخلايا للبروتينات التي تشكّل الأجسام البشريّة. مع تراكم الأضرار الكيميائية في هذه الخلايا، على سبيل المثال من السّموم، تتعطّل وتتدهور آليّات الإصلاح الكامنة فيها.

 

على الرّغم من أنّ المصطلحات الفنّيّة تملأ روايته، هو يتمتّع بأسلوب مرح يسهل فهمه. يشبّه راماكريشنان انهيار البروتينات الحيويّة بأوركسترا تعزف بشكل غير متناغم. عند مناقشة كيفية تدهور المتقدّرات المولّدة للطاقة في الخلايا بمرور الوقت، يقول إنها "تصدأ من الداخل".

 

لا مفرّ من هذا التدهور؟

يشير راماكريشنان إلى أنّ بعض الأنواع، مثل قناديل البحر، تستجيب للإصابة أو الإجهاد من خلال تجديد نفسها. من بين الثدييات، يبرز فأر الخلد العاري الذي يبدو أنّه مقاوم لأمراض القلب والسرطان. ويبرز أيضاً الهيدرا، مخلوق مائيّ صغير قادر على التجديد الذاتي إلى أجل غير مسمّى.

هل يمكن للبشر أن يتعلموا أسرار طول العمر من فأر الخلد، أو من الهيدرا؟ العلماء يحاولون.

 

إنّ السعي لخداع الموت ذو تاريخ طويل. منذ أكثر من ألفي عام، قام الإمبراطور الصينيّ شين شي هوانغ، بتوجيه فريق من المبعوثين للبحث عن إكسير الحياة. توفّي شين عن عمر يناهز 49 عاماً، ويبدو أنه قُتل بنفس الحساء الذي كان يحلم بأنّه سينقذه.

 

في الخمسين سنة الماضية فقط، تمكّن علماء الأحياء من فهم العمليّات التي تسبّب الشيخوخة بشكل كامل. يستخدم العلماء أدوات أكثر تعقيداً من أيّ وقت مضى لمعالجة الخلايا والجينات، وقد ظهرت صناعة جديدة في هذا المجال. تركّز نحو 700 شركة في مجال التكنولوجيا الحيويّة حاليّاً على الشيخوخة وطول العمر. وعلى الرغم من أنّها لم تحقق سوى القليل من التقدم، تتفلّت الحماسة من الضوابط.

 

بين الحذر والجنون

يلقي راماكريشنان نظرة فاحصة على العلاجات الرائجة. لا يثير كل منها الانتقاد. يستشهد بأدلة على فوائد الحدّ من تناول السعرات الحراريّة، ويذكر بحذر الوعد بالراباميسين، وهو دواء ينتج نفس التأثيرات بدون الحاجة إلى تقييد النظام الغذائي. ولكن هناك العديد من المؤسسات "المشكوك فيها" التي تروّج لأفكار "مجنونة". هو ينتقد بشكل خاص عمليات التبريد الفائق cryonics، وهي عمليّة تنطوي على تجميد الأشخاص بعد الموت وإذابة الجليد عنهم عند العثور على علاج.

 
 
 

وينتقد أيضاً شخصيّات مسيانيّة تروّج لأوهام الحياة الأبدية. يؤكّد أحدهم، أوبري دي غراي، أنّ البشر الأوائل الذين سيعيشون حتى عمر الألف قد ولدوا فعلاً؛ وهو يروّج لما يسميه "سرعة الهرب من الشيخوخة"، وهي فكرة مفادها أنّ البشر قادرون على تحسين متوسّط العمر المتوقع بشكل أسرع من تقدمهم في السن، وبالتالي، لن يموتوا أبداً.

 

أنبياء الخلود والتمويل

يجذب أنبياء الخلود التمويل من الأثرياء الذين يتعاملون مع الحياة على أنّها نظام آخر يمكن اختراقه. أنفق بريان جونسون، رجل أعمال في مجال التكنولوجيا، ما يقدّر بنحو مليوني دولار سنويّاً على نظامه لمكافحة الشيخوخة، والذي كان يشمل حتى وقت قريب عمليّات نقل الدم من ابنه المراهق (قال إنّ هذه العمليات "لم تحقق أي فوائد"). ومن بين أولئك الذين يشاركونه اهتمامه بأبحاث مكافحة الشيخوخة إيلون ماسك وجيف بيزوس ومارك زوكربرغ: "عندما كانوا صغاراً، أرادوا أن يصبحوا أثرياء، والآن بعد أن أصبحوا أثرياء، يريدون أن يكونوا شباباً"، كما كتب راماكريشنان.

 

ولا تزال هناك فجوة واسعة في متوسط العمر المتوقع بين الأغنياء والفقراء. إنّ العلوم والأعمال التجاريّة الجديدة المتعلقة بطول العمر تهدّد بزيادتها. وراماكريشنان غير مرتاح لهذا الأمر. بحلول 2050، سيكون هناك مليارا شخص تزيد أعمارهم عن 60 عاماً، بحسب تقديرات منظّمة الصحة العالمية. وهو يتوقع مشاكل متزايدة: الاكتظاظ السكانيّ وتضاؤل الموارد الطبيعية وقلة العمال لدعم مجموعة متزايدة من المتقاعدين.

 

في النهاية، يقدّم نصيحة متحفّظة. إذا كنتم تطمحون إلى حياة طويلة وصحّيّة، فيجب عليكم النوم جيداً وممارسة الرياضة وتناول الطعام باعتدال، والنباتات بشكل أساسيّ. بالنسبة إلى أولئك الذين يفضّلون التدخّلات الأكثر جرأة، لديه رسالة بسيطة: "حتى لو تغلّبنا على الشيخوخة، فسنموت بسبب... الحروب أو الجوائح الفيروسيّة أو الكوارث البيئيّة".

 

الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium