النهار

جيم سيمونز: المستثمر الذي برهن قاعدة تشرشل
جورج عيسى
المصدر: "النهار العربي"
عن "عبقريّ الرياضيّات الذي احتلّ وول ستريت"
جيم سيمونز: المستثمر الذي برهن قاعدة تشرشل
عالم الرياضيّات والمستثمر جيم سيمونز (أ ب)
A+   A-

هو العبقريّ الذي نجح في إدارة مجموعة من العباقرة. ربّما لا يحتلّ اسمه قائمة أثرى عشرة مستثمرين حول العالم. وقد لا يرد كثيراً في أمثلة المتخصّصين بالتطوير الذاتيّ وتحقيق الأهداف الشخصيّة. تبدو أسماء إيلون ماسك ووارن بافيت وجيف بيزوس وستيف جوبز أكثر تداولاً من اسمه إلى حدّ ما. لكنّه مع ذلك ترك بصمة كبيرة، إن لم تكن البصمة الكبرى، في الاستثمارات الماليّة. إنّه جيم سيمونز الذي توفّي الجمعة عن عمر 86 عاماً.

 

ميزة سيمونز أنّه أدخل الفيزياء النظريّة والرياضيّات إلى عالم الاستثمار. لشدّة نجاح أساليبه، نال ألقاباً كثيرة مثل "ملك الكوانت" و"عبقريّ الرياضيّات الذي احتلّ وول ستريت".

 

فكّ شفرات الاتّحاد السوفياتيّ

حصل سيمونز على إجازة في الرياضيّات من "معهد ماساشوستس للتكنولوجيا" سنة 1958 ثمّ على شهادة الدكتوراه في جامعة كاليفورنيا بيركلي حين كان عمره 23 عاماً وحسب. وفي سنة 1964، انضمّ سيمونز إلى قسم أبحاث الاتصالات التابع لـ "معهد التحليلات الدفاعيّة". هناك، استمتع سيمونز باستنتاج الخوارزميّات لمهاجمة أنواع معيّنة من مشاكل التشفير. يقدّم هذا القسم دعماً رياضيّاً وإحصائيّاً وحاسوبيّاً للأمن القوميّ الأميركيّ في مجالات فكّ الشفرات ومعالجة الإشارات وأمن الشبكات. راقب سيمونز نشاطات الاتحاد السوفياتيّ ونجح في اختراق أحد رموزه. في الوقت نفسه، علّم الرياضيّات في "معهد ماساشوستس للتكنولوجيا" وجامعة هارفارد.

 

لم تدم مسيرة سيمونز الرسميّة طويلاً بسبب خلافات حول حرب فيتنام. بين سنتي 1968 و1978، شغل سايمونز منصب رئيس قسم الرياضيّات في جامعة ستوني بروك في نيويورك. لكن لولا عمله في قسم أبحاث الاتّصالات، لما وصل على الأرجح إلى ما وصل إليه في عالم الاستثمارات كما قال لاحقاً. وفي جميع الأحوال، يبدو أنّ سيمونز لم يرضَ بالعيش في منطقة الأمان الخاصّة به.

 
 

(جيم سايمونز - جامعة ستوني بروك)

 

ففي سنة 1978، وبعد عامين على فوزه بجائزة "أوزوالد فيبلن" الصادرة عن الجمعية الأميركيّة للرياضيّات، غادر عالم الأكاديميا ليتّجه نحو عالم الاستثمار الذي أثار اهتمامه لفترة طويلة. في ذلك الوقت، أسّس صندوق "مونومتريكس" لإدارة الأصول قبل أن يحوّل اسم الشركة بعد أربعة أعوام إلى "تكنولوجيات النهضة". قيل عن هذا الصندوق إنّه "أكثر صندوق كمّيّ نجاحاً في جميع الأزمنة".

 

وصفت مونيك ريفالاند في صحيفة "ذا تايمز" البريطانيّة سيمونز بأنّه واحد من ألمع عقول الرياضيّات في العالم. وأوضحت أنّه ركّز على استخدام النماذج الرياضيّة والخوارزميّات، بينما اشتُهر قبل دخوله عالم الاستثمار، بمساهماته في التعرّف إلى الأنماط، وتطوير نظريّة الأوتار.

 

خدماتُه مكلفة... وهذا عادل!

استطاع سيمونز أن يحافظ على سرّيّة أساليبه الاستثماريّة. لكن من الواضح أنّه انفصل عن التيّار السائد في "وول ستريت" عبر التركيز على توظيف حائزين على درجة دكتوراه في الرياضيّات والفيزياء وعلوم الحاسوب بحسب تقرير لمجلّة "فوربس".

 

سنة 2021، كانت ثروته تقدّر بنحو 23 مليار دولار. قبل وفاته بفترة قليلة، وصلت ثروته إلى 31.4 مليار دولار الأمر الذي مكّنه من احتلال المرتبة 51 في لائحة أثرى شخصيّات العالم. اللافت في شركة سيمونز (وفرعها "ميداليون فاند") أنّها كانت تتقاضى عن إدارة الاستثمارات مبالغ أكبر بكثير ممّا تقاضته صناديق تحوّط أخرى. لكنّ كثراً رأوا أنّ العائد استحقّ دفع هذا الفرق بحسب "فوربس".

 

من جهتها، نقلت وكالة "رويترز" عن مؤسّس ومدير "إيه كيو آر كابيتال ماناجمنت" كليفورد أسنس إشارته إلى أنّ رئيس الوزراء البريطانيّ الأسبق ونستون "تشرشل قال ‘إنّه نادراً ما يكون الجيّد والعظيم الرجلَ نفسه‘. كان جيم سيمونز الاستثناء الذي يبرهن قاعدة تشرشل".

 

ففي غضون ثلاثين عاماً، وتحديداً بين سنتي 1988 و2018، بلغت أرباح "ميداليون فاند" من تجارة الأسهم 100 مليار دولار مع عائدات سنويّة وصل معدّلها إلى 39 في المئة. هذا الرقم أعلى ممّا حقّقه معظم المستثمرين الآخرين، من بينهم وارن بافيت وجورج سوروس.

 

بعض مفاتيح نجاحه

صحيحٌ أنّ سيمونز أبقى على سرّيّة نهجه الاستثماريّ إلى حدّ بعيد. لكنّ الكاتب الخاصّ في صحيفة "وول ستريت جورنال" غريغوري زوكرمان، وهو أيضاً مؤلّف كتاب "الرجلّ الذي حلّ الأسواق: كيف أطلق جيم سايمونز ثورة الكوانت"، استطاع "فكّ" بعض من تلك الأسرار.

 
 
 

بناء على مقابلات مع سيمونز نفسه ومقرّبين منه، أشار زوكرمان إلى أنّ المستثمر أدرك قبل آخرين أهمّيّة جمع المعلومات القديمة (القرن الثامن عشر) لكن الصّحيحة لزيادة دقّة الخوارزميّات. ولم يكن سيمونز عبقريّاً وحسب، بل "قادراً أيضاً على إدارة العباقرة" الذين وظّفهم. كذلك، لم يتعاقد سيمونز مع موظّفين لأنّ ثمّة وظيفة شاغرة بل لأنّه رأى في المرشّحين قدرة على اكتشاف أساليب مطوّرة لنظامه التجاريّ. وقدّم العلاوات بناء على مردود الشركة، لا أداء الأفراد. شجّع ذلك التعاون في نظام عمل مفتوح أصلاً وخالٍ "من الصوامع".

 

جوانب أخرى من حياته... وحِكمه

إلى جانب إنجاح الاستثمارات، انخرط سيمونز في العديد من الأعمال الخيريّة. دعم تعزيز تعليم الرياضيّات في الولايات المتحدة عبر منح مختلفة، كما تبرّع بمبالغ ماليّة للأبحاث التي تُعنى بالتوحّد. وتبرّع بنصف مليار دولار إلى جامعة ستوني بروكس وهي أكبر منحة غير مقيّدة لجامعة أميركيّة بحسب مؤسّسته.

 
 
 

بالرغم من كلّ النجاح الذي حقّقه، كان سيمونز متواضعاً، أو ربّما واقعيّاً. اعترف سيمونز بدور الحظّ في الشهرة التي كسبها: "الحظّ، مسؤول إلى حدّ كبير عن صيتي كعبقريّ. لا أدخلُ المكتب في الصباح وأقول، ‘هل أنا ذكيّ اليوم‘، أمشي وأتساءل، ‘هل أنا محظوظ اليوم؟‘"

 

لكن بمعنى من المعاني، حتى الحظّ ليس معطى جامداً. إنّه أداة قابلة للصقل أو الإهمال. والخيار في هذا الإطار عائد لكلّ فرد. فبحسب سيمونز أيضاً، "يلعب الحظّ دوراً في النجاح، لكن كلّما اجتهدتم في العمل واستعدّيتم أكثر تصبحون محظوظين أكثر".

 

اقرأ في النهار Premium