النهار

هل يبقى عمر الكون لغزاً مستمراً أم يحسمه تلسكوب "إقليدس"؟
يُعتبر التوسع الكوني من الظواهر التي شكّلت تحدّياً مستمراً للعلوم الحديثة، خصوصاً منذ أن أطلق العالِم الشهير آلبرت إينشتاين نظريته عن النسبية العامة والخاصة،
هل يبقى عمر الكون لغزاً مستمراً أم يحسمه تلسكوب "إقليدس"؟
تلسكوب "اقليدس" الفضائي (ناسا)
A+   A-

يُعتبر التوسع الكوني من الظواهر التي شكّلت تحدّياً مستمراً للعلوم الحديثة، خصوصاً منذ أن أطلق العالِم الشهير آلبرت إينشتاين نظريته عن النسبية العامة والخاصة، في مطالع القرن العشرين. واندرجت مسألة توسّع الكون في صلب نظرة العلم الحديث للكون وتطوره. ولعلّ إطلاق وكالة الفضاء الأوروبية لتلسكوب الفضاء "إقليدس"، من الخطوات الأحدث في التعامل علمياً مع تلك الظاهرة.

 
البداية من خطأ كبير
في العقد الثالث من القرن العشرين، اقترح آينشتاين أن الكون له حدود ثابتة، ووضع معادلة خاصة عن ذلك. وفي 1929، انتقد العالِم الأميركي إدوين هابل تلك النظرية، مشيراً إلى أن الحسابات الفلكية التي جمعها في مرصد "ماونت ويلسون" تثبت أن المجرّات تتباعد عن بعضها بعضاً باستمرار. ودعا هابل إينشتاين إلى ذلك المرصد كي يعاين تلك الحسابات. واقتنع إينشتاين بالأدلة العلمية، وكشف أن الصيغة الأولية عن معادلته لم تكن تتضمن ثباتاً في حدود الكون، لكن قناعته النظرية بأن الكون يجب أن يكون ثابتاً دفعته إلى إضافة عامل رياضي سمّاه "الثابت الكوني"  Cosmic Constant، على تلك المعادلة. وبعد لقائه مع هابل، وصف آينشتاين "الثابت الكوني" بأنه أكبر خطأ اقترفه في حياته. وفي المقابل، صار "ثابت هابل" عن توسع الكون، من المكونات الأساسية لمعادلات رياضية لا حصر لها في الفيزياء الكونية.
ومنذ العقد الثالث من القرن العشرين، أصبح التوسع الكوني من الأبعاد الأساسية في بحوث الفضاء، بل أسهم في بلورة مجموعة من النظريات الأساسية عن الكون، لعلّ أشهرها هي نظرية "الانفجار الكبير"  Big Bang أو "بيغ بانغ".
 
كم عمر الكون؟
بين ستينيات القرن العشرين وسبعينياته، صعدت نظرية "الانفجار الكبير" ضمن المنظومة العلمية المعاصرة. وتستند النظرية إلى منطق بسيط قوامه أنه إذا كان الكون يتوسع باستمرار، فلا بدّ أنه كان أصغر حجماً في الماضي، بل يقضي المنطق تصور أنه كان متجمعاً كله في نقطة واحدة ثم "توسّع" منها بشكل انفجاري. ومع مقولة آينشتاين عن التبادل بين المادة والطاقة، أي أن المادة تستطيع التحول إلى طاقة والعكس بالعكس؛ صار ممكناً التفكير بأن لكون المتجمع في نقطة واحدة كان طاقة هائلة بشكل أسطوري، ثم انفجرت وتمدّدت، وترافق ذلك مع ابترادها تدريجياً، وتحوّلت أجزاء من تلك الطاقة إلى مادة (أي ذرات وجزيئات) أخذت تتجمّع لتكوّن النجوم والمجرّات والكواكب. 
 
ولزمن طويل، أركن العلماء إلى أن عمر الكون، أي الزمن الذي يفصل حاضرنا عن النقطة المنضغطة الهائلة الطاقة، تساوي 13.6 مليار سنة، أو ما يقارب ذلك.
في المقابل، ظهرت مجموعة من القياسات، وصلت ذروتها في عامي 2022 و2023، تشير إلى إمكان أن يكون عمر الكون ضعفي ذلك!
 
وأيّاً كان الأمر، أدّت تلك المعطيات كلها إلى زيادة الاهتمام بعمر الكون، بما في ذلك التعمّق في رصد ظاهرة التوسع الكوني. وفي لغة فيزياء الفلك، يُطلق على التوسع والتباعد بين المجرّات مصطلح "الانزياح إلى اللون الأحمر"  red shift الذي يعني أن الضوء الذي يُرصد في الكون يميل تدريجياً نحو أطياف اللون الأحمر، كلما ابتعد مصدره عنا.
 
وضمن ذلك السياق من النقاش العلمي الصحي، أطلقت "وكالة الفضاء الأوروبية" تلسكوبها الفضائي الجديد "إقليدس" قبل بضعة أسابيع، كي ينضمّ إلى سلسلة من المراصد المشابهة التي تستكشف أعماق الكون. وعقب ثلاث ساعات من استقراره في مداره، استطاعت تلك العين الأوروبية رصد 50 ألف مجرّة. وتخطط الوكالة الأوروبية لأن يشمل عمل "إقليدس" رصد ملياري مجرّة خلال مدة لا تزيد عن 6 سنوات.
 

وقد بدت الصور الأولى التي أرسلها "إقليدس" مبهرة وفائقة الوضوح. وكذلك أرسل صوراً مبهرة عن المجرّات الكونية. وقد سارعت "وكالة الفضاء الأوروبية" إلى نشر تلك الصور، مشيرة إلى أنها متوفرة للاستخدام العلمي.

هل يستطيع "إقليدس" أن يحسم أمر نقطة البداية في عمر الكون، أم يبقى ذلك أمراً خلافياً ولغزاً مستمراً؟

اقرأ في النهار Premium