في ظل توافق واسع بين اختصاصيي الصحة النفسية على انتشار القلق والوحدة في صفوف الجيل الشاب، جرَّبت إحدى شركات التقنيات الذكية استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي لتحسين الصحة النفسية للجيل "زد" Z. واستعملت التكنولوجيا الذكية في صنع مجسم افتراضي أو آفاتار للمستخدم الشاب، يرتدي هيئته وتعابيره، ويستلهم أفكاره وينوب عنه في الحديث مع أسرته.
ولأن تخلخل التواصل بين أفراد الأسرة الواحدة يعتبر عاملاً سلبياً للصحة النفسية ومساهماً في شعور الجيل الشاب المعاصر بالوحدة والقلق، ينعقد الرهان على أن يشكل الآفاتار الشخصي الذكي جسراً في التواصل الأسري.
الجيل "زد" في براثن القلق والوحدة
في تفاصيل تلك التجربة، لاحظت شركة "لينوفو" Lenovo الصينية أن الوحدة والقلق منتشران بين أفراد الجيل "زد"، أي أولئك الذين وُلِدوا بين عامي 1995 و2010 وترعرعوا ضمن تحول الإنترنت والكومبيوتر معطى بديهياً في الحياة اليومية. ورصدت تلك الشركة تقارير تفيد بأن الوحدة والقلق في أولئك الشبيبة تتفاقم حدتهما بسبب الاختلافات بين حياتهم الواقعية وحياتهم على الإنترنت.
ويلفت إلى أن تلك الشركة أجرت بحثاً جديداً بيّن أن 60% من شباب الجيل "زد" يتوقون إلى التواصل الفاعل والإيجابي مع عائلاتهم الفعلية. وقد اعتبر 48% منهم أن التحدث مع شخص يثقون بحسن معرفته، يمنحهم الثقة للتحاور الصريح مع أسرهم.
وقد رأت سارة كندريك، المديرة الطبية في مؤسسة "منتال هيلث إنوفيشن" Mental Health Innovations البريطانية التي تعنى بالابتكارات المتعلقة بالصحة العقلية، أن تجربة "تعرف إلى ذاتك الرقمية" تستأهل الاهتمام بها بسبب الانتشار الواسع للمشاعر العاطفية والنفسية السلبية، في أوساط شبيبة جيل "زد" المشهور بقوة تفاعله مع الإنترنت، وميله إلى ما يشبه "المساواة" بين وجوده في العوالم الافتراضية وعيشه في الحياة اليومية الفعلية.
آفاتار "ينتحل" شخصيتك بذكاء
في التجربة المشار إليها أعلاه، انخرطت تلك "لينوفو"، وهي من كبار صناع الكمبيوتر المحمول وأدوات رقمية ذكية متنوعة، في مبادرة موجهة إلى الشباب تحت عنوان "تعرَّف إلى ذاتك الرقمية". وتتكل التجربة على صنع آفاتار تفاعلي ثلاثي الأبعاد لوجه المستخدم الشاب، استناداً إلى صوره وأشرطة الفيديو التي يقدمها لشبيهه الرقمي. ويُلقَّم ذلك المجسم الرقمي بيانات ترجع إلى كل مستخدم، مأخوذة من صفحاته وتدويناته وتغريداته في الفضاء الافتراضي للإنترنت.
وفي خطوة تالية، تفاعل أفراد مجموعة صغيرة من الجيل "زد" مع آفاتاراتهم، كي يتزايد شبهها معهم من جهة، ولنسج علاقة ثقة بين تلك المجسمات الافتراضية الذكية ومستخدميها الشباب.
وأخيراً، انتقل الآفاتار إلى مرحلة الانخراط في أحاديث صريحة مع أفراد العائلة، يكون المجسم الرقمي الذكي ممثلاً للمستخدم الشاب وناطقاً بلسانه عن هواجسه المختلفة التي يصعب التعبير عنها في التفاعلات الأسرية اليومية الفعلية. وزاد في حيوية التجربة، أن الآفاتار يرسل إجاباته في زمن يقترب من الوقت الفعلي، مع إظهار تعبيرات معبّرة في الوجه، وتبديل في نبرة الصوت بالتفاعل مع مسار النقاشات العائلية التي تجمع الافتراضي مع الفعلي.
وتزعم الشركة أن التجربة أعطت نتائج إيجابية في مؤشرات الحالة النفسية والعاطفية والانفعالية للشباب، إضافة إلى تحسين مستوى ما تعرفه الأسرة عن الشباب فيها.
ويبقى أن الحجم الصغير للعينة التي شملتها التجربة، إضافة إلى معطيات أخرى، تفرض التوسع في دراسة هذه الأداة التكنولوجية المخصصة للصحة النفسية العقلية.