قد يكون اسم وزير الخارجية الأميركيّ الأسبق كولن باول (1937-2021) مرتبطاً إلى حدّ شبه حصريّ بالحرب الأميركيّة على العراق. في نهاية المطاف، من هي الشخصيّة التي خدمت في إدارة بوش الابن والمستثناة من هذا الحكم؟
لكن ما يمكن أن يجهله كثر هو أنّ اسم باول مرتبط أيضاً بقاعدة شهيرة في اتّخاذ القرارات الصعبة. بحسب بعض الأرقام، يمكن أن نتّخذ في المعدّل نحو ألفي قرار في الساعة. ليست كلّ هذه القرارات مصيريّة بطبيعة الحال، لكن لا يُعرف عن الحياة أنّها تقدّم خيارات سهلة كثيرة. تستحضر القرارات الكبيرة مجموعة من الإيجابيّات والسلبيّات التي تفرض قياس تداعياتها بأدقّ طريقة ممكنة وعلى مراحل متتالية من المستقبل.
وهنا يأتي دور قاعدة 40-70
كانت مسيرة باول حافلة باللحظات التي تعيّن عليه فيها اتّخاذ قرارات مفصليّة. لم يحدث ذلك في وزارة الخارجيّة وحسب. لقد خدم نحو 35 عاماً في الجيش وتقاعد بعدما أصبح جنرالاً بأربع نجوم. كان باول يقول إنّه في كلّ مرّة نواجه قراراً صعباً، يجب نملك بالحدّ الأدنى 40 في المئة من المعلومات المرتبطة بالموضوع. فأيّ قرار نابع عن مقدار من المعلومات لا يصل إلى هذه العتبة سيؤدّي إلى ارتكاب الكثير من الأخطاء وقد شبّهه بـ "إطلاق النار من مستوى الخصر".
من جهة أخرى، يكفي الوصول إلى معلومات عن القضيّة المدروسة بنسبة 70 في المئة، كي نتّخذ قرارنا النهائيّ بشأنها. بعد هذه العتبة، يمكن أن يتّخذ العائد منحى تنازليّاً. قد تعاكس هذه الفكرة بديهيّات الحياة. فكلّما ازداد علمنا بالموضوع ازدادت معه قدرتنا على التحكّم بنتائجه. لكن ثمّة ما يناقض هذا الادّعاء.
أوّلاً، يتطلّب البحث عن مزايا وسلبيّات الخيار المعروض وقتاً غير قليل. بالتالي، كلّما طال وقت البحث ازدادت احتمالات تفويتنا للفرصة كما احتمالات أن يكون آخرون قد سبقونا إليها. ثانياً، ثمّة مشكلة أسوأ من التسرّع قد تنشأ عن إطالة البحث في الموضوع. بعد عتبة الـ 70 في المئة، يمكن أن يولّد الغرق في التفتيش عن المعلومات حلقة مفرغة من البحث يصبح معها اصطياد المعلومات الهدفَ الأساسيّ، عوضاً عن يكون الوسيلة.
حلّ لمشكلة أخرى
يمكن وصف مشكلة البحث الدائم عن المزيد من المعلومات لتحسين دقّة القرار بـ "شلل التّحليل" (analysis paralysis). وهذا طبيعيّ، إذ مع زيادة المعلومات ثمّة زيادة طبيعيّة في الجهد التحليليّ، بخاصّة إذا كانت هذه الزيادة تنطوي على معلومات متناقضة، وهو أمر مرجّح. بذلك، قد نغرق في دوّامة التشكيك بأنفسنا طالما أنّنا لم نصل إلى كلّ المعلومات التي نريدها، وهو هدف مستحيل على أيّ حال. كذلك، يمكن أن تتأخّر بعض الشركات باتّخاذ قرارات استثماريّة جديدة إذا طالبت بمعلومات إضافيّة غير موجودة أساساً.
The 40/70 Rule of Colin Powell seems to be one of the most underrated yet a more effective method to making better decisions, for me This rule is personally called the Intuition/Experience Rule, don't act out of ignorance and simply don't wait for perfection.#Decision2022 pic.twitter.com/KVNF9a1qHx
— @Rex (@Toonday9) August 20, 2022
في كثير من الأحيان، يتعيّن على صانع القرار أن يعطي للسّرعة قيمة أكبر على حساب كثرة المعلومات. لهذا السبب، يجب وضع سقف لعمليّة البحث. في الواقع، قد تكون قاعدة باول وصفة جيّدة لتخطّي قيود السعي إلى المثاليّة في القرارات، بما أنّها تعطي الأولويّة للتحرّك على حساب التفكير المطوّل. بعبارة أخرى، يمكن أن يُنظر إلى كلّ قرار متّخذ بناء على معلومات أقلّ من 40 في المئة كتخمين، وعلى أكثر من 70 في المئة، كتسويف.
لا يخلو اللجوء إلى هذه القاعدة من بعض الصعوبات. غالباً ما نجهل كلّ المعلومات المحيطة بأغلب المواضيع، بالتالي، قد يكون استنتاج وصولنا إلى نسبة محدّدة من المعرفة في أحد المجالات صعباً. لكن، وعلى سبيل المثال، يمكن لمن قضى بين ستة أشهر إلى عام كامل في وظيفة جديدة أن يجمع ما يكفي من المعلومات الأساسيّة لتوقّع ما إذا كانت الوظيفة مناسبة على المدى البعيد أم لا. في جميع الأحوال، وعند جمع النسبة الممكنة من المعلومات، لا مفرّ من الاعتماد على الحدس.
لماذا الحدس؟
بحسب باول، إنّه ما يميّز القادة الاستثنائيّين عن العاديّين. لا يعني الاستناد إلى الحدس استناداً إلى الحظّ، على الأقلّ ليس بشكل كامل. ذكرت دراسة أظهرتها مجلة "ساينتيفيك أميركان" سنة 2015 أنّه يمكن تطوير الحدس عبر مراكمة الخبرة والتي قد تحتفظ بها منطقة معيّنة من الدماغ (العُقد القاعديّة). ونشرت "سي أن أن" تقريراً مماثلاً سنة 2022 عن تطوّر فاعليّة الحدس مع التدريب الذي يتلقّاه الإنسان في أحد المجالات. حتى الحظّ، إن كان على المرء أن يعمل بنصيحة المستثمر الراحل جيم سيمونز، يمكن أن يخضع للتحسين مع الاجتهاد في العمل. لهذا السبب، يساعد التمتّع بـ "ذهنيّة تعلّميّة" طويلة المدى على الاستفادة أكثر من قاعدة الـ 40-70.
يقال إنّ هنري فورد اتّخذ قراراته بناء على الحدس. لكنّه لم يلجأ إليه لأنّه أراد تقليل الحسابات. يُرجَّح أن يكون فورد قد طوّر حدسه منذ الثالثة عشرة من عمره حين حصل على ساعة جيب كهديّة وقرّر أن يفكّكها لمعرفة كيف تعمل. حين واجه انخفاضاً في الطلب على سيّاراته وارتفاعاً في وتيرة مغادرة العمّال لشركته سنة 1914، اتّخذ قراراً بدا "مجنوناً" لآخرين. ضاعف أجور موظّفيه فانخفضت وتيرة الاستقالات عشرين مرّة وتضاعفت الإنتاجيّة، مع ازدهار للطلب على سيّاراته. حدث كلّ ذلك في غضون عام واحد.